أثبت بالبرهان صحة الأطروحة التالية « الإدراك نشاط عقلي خالص »
عناصر طريقة الاستقصاء بالوضع ←
1 - طرح الإشكالية : المطلوب الدفاع عن رأي يبدو غير سليم .
2 – محاولة حل الإشكالية :
أ – عرض منطق الأطروحة
ب – نقد خصوم الأطروحة
ج – الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية
3 – حل الإشكالية : التأكيد على مشروعية الدفاع .
مرحلة تحرير الموضوع : كتابة المقالة الفلسفية
طرح الإشكالية : لقد ولد الإنسان في صورة معقدة عن غيره من الكائنات الحية وهذا بوصفه صورة عليا وميزه الله بالعقل الذي يستطيع من خلاله القيام بمختلف الوظائف من تفكير وتخيل و إدراك ، وهو نفسه ؛الوسيلة التي نستطيع بها الاتصال بالعالم الخارجي ، لهذا فهو عملية عقلية معقدة يتم فيها ترجمة وتفسير المؤثرات الحسية ، ولقد كانت الفكرة الشائعة حول موضوع الإدراك أن مصدره الإحساس فهو أساس كل معرفة عند الإنسان ، فمن خلاله يستطيع التعرف على العالم الخارجي ، لكن هناك فكرة تناقضها و تخالفها تقول بأن العقل هو أساس الإدراك وهو نشاط عقلي غايته الاتصال بالعالم الخارجي ، لهذا نتسأل كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة ؟ وهل يمكن إثباتها بحجج ؟ والأخذ برأي مناصريها ؟
محاولة حل الإشكالية :
1 – عرض منطق الأطروحة : إن منطق هذه الأطروحة يدور حول طبيعة الإدراك حيث يرى أنصار النظرية العقلية وخاصة "ديكارت" و" ألان " بأن العقل هو مصدر الإدراك بمعنى إذا غاب العقل لا يمكن للإنسان أن يتعرف على العالم الخارجي و بالتالي يدركه وقد اعتمد هؤلاء الفلاسفة على مسلمات وحجج لتأكيد موقفهم هذا أهمها :
- التمييز بين الإحساس والإدراك لأن الإحساس لأن الإحساس عملية فيزيولوجية مرتبط بالبدن ... أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل .
الإدراك ليس هو مجموعة من الإحساسات إنما هو عملية عقلية تساهم فيها وظائف عقلية كالذكاء و التذكر و التخيل و الحكم والتفسير و التأويل ... مثال ذلك عندما أرى هذا الشكل أحكم عليه بأنه مكعب بالرغم لا أرى سوى ثلاثة سطوح مربعة في حين أن للمكعب ستة سطوح ، وهذا سبب في هجمة كل من " ديكارت " و"ألان" على إعدام وظيفة الإحساس في الاتصال مع العالم الخارجي فهاهو ديكارت يعتبرها خداعة في قوله : « إني وجدت الحواس خداعة زمن الحكمة ألا نطمئن لمن خدعونا ولو مرة واحدة» ومن الأمثلة التوضيحية أن التمثال في أعلى الجبل تراه من الأسفل صغيرا أما إذا صعدت فإنك تراه كبيرا . و منه المعرفة الحسية تفيد الشك والاحتمال يقول " ديكارت " : « أنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب أني أراه بعيني » أما "ألان " فيسير في نفس الاتجاه : « لإدراك معرفة مسبقة فمن يدرك جيدا يعرف مسبقا ما يجب فعله» وأن الشيء
حسبه يدرك ولا يحس به . إن الصياد يدرك الحل الصحيح وينجح في اصطياد فريسته بفضل التخطيط المسبق والطفل الصغير يفشل لأن عقله لم يصل بعد إلى القدرة التخطيط.
2 – نقد خصوم الأطروحة : إن هذه النظرية لديها خصوم وهم أنصار النظرية الحسية ( التجريبية ) و خاصة "جون لوك " ، " دافيد هيوم " الذين يعتقدون بأن الإحساس هو مصدر الإدراك لأن الإحساس يحدث نتيجة لتأثر إحدى الحواس بالمنبهات الخارجية ، و هذا يعني أن إدراكنا للأشياء الخارجية ، متوقف على صفاتها وكيفيتها الحسية . يقول جون لوك « إن إدراكنا للموضوعات الحسية ، يتم بناءا على الصفات الحسية الموجودة في حواسنا بالرغم من وجود هذه المحسوسات منفصلة وغير مترابطة » .
- لكن هؤلاء الفلاسفة تعرضوا الانتقادات عديدة لأن موقفهم هذا ينطوي على نقائص أهمها :
- أنهم ركزوا على الحواس كمصدر للإدراك مع أن بعض علماء النفس رفضوا إرجاع الإدراك إلى الإحساس لأنه حالة ذاتية ، لذا فالمعرفة الحسية نسبية وتفيد الشك و الاحتمال و تجعل الإنسان يقع في الأخطاء ، مثال ذلك عن طريق الحواس نرى بأن الضوء الأبيض يتكون من لون واحد وهو اللون الأبيض ، بينما علميا يتكون في الحقيقة من عدة ألوان .
- كما أن الحواس قد تكون سليمة ولكن عملية الإدراك منعدمة لوجود خلل في القدرات العقلية ( الضعف العقلي والبداهة ) ، لهذا فالإدراك ليس مجرد ترابط الإحساسات ؛ إنما للعقل دور في ذلك و تتجلى فعاليته في الحكم والتفسير و الترجمة و التحليل و التأويل ...
3 - الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية : يمكن الدفاع عن الأطروحة السابقة القائلة بأن الإدراك نشاط عقلي بحجج شخصية تتمثل فيما يلي :
- الإحساس وحده لا يحقق معرفة مجردة ، لأن الإحساس لا يخبر العقل أن الشيء الموجود في التجربة له دائما نقيضه المتخيل ، لأن ذلك من عمل العقل المجرد ، فقيمة الإحساس تكمن في أنه يقوم بتنبيه وإثارة نشاطاتها العقلية لنصل إلى المعرفة المجردة .
- الإحساس أدنى قيمة معرفية من الإدراك ، لأن الإنسان من شأن العامة و المعرفة فيه ظنية و غير يقينية و هي أقل وضوحا و كمالا ، لكن الإدراك يقتضي تعقل الشيء بواسطة البحث عن ماهيته و تجريده من صوره الخارجية ... وهذا ما أكده أنصار المذهب العقلاني عموما الذين يعتقدون بأن الإدراك صادر بصورة قبلية عن العقل و بالتالي وجب التمييز بين الإحساس والإدراك من حيث طبيعة كل منهما ، أو من حيث القيمة المعرفية الناتجة عن كليهما .
حل الإشكالية : إذن نستنتج بأن الأطروحة القائلة : « الإدراك نشاط عقلي خالص » ، أطروحة صحيحة لأن الفلاسفة العقلانيين استطاعوا أن يفسروا الإدراك تفسيرا عقليا و هذا باعتمادهم على حجج وأدلة عقلية ، لهذا يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة والأخذ برأي مناصريها وتبنيه .
الطريقة:جدلية.
الدرس: إشكالية العدل.
الإشكال:هل يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الفروق الفردية ؟
إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات الكبرى التي أرقيت فيها الدماء و أزهقت فيها الأرواح البشرية و التي بها ثائرون متعطشون إلى الإخاء ضد الاستبداد و الطبقية و الاستغلال و صار مفهوم العدل كثيرا ما يقرن بمفهوم المساواة و يعتقد أن العدل في المساواة و الظلم في التفاوت و لكن أليس المساواة المطلقة ظلما ؟ لقد اختلف المفكرون في الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال بالمساواة لأنها عدل و منهم من رفضها لأنها ظلم و حتى نصل إلى الرأي الذي يبدو لنا صحيحا و نأخذ به لابد من عرض الموقفين:
يرى أصحاب التفاوت أن العدل يتأسس على احترام الفوارق الموجودة و يوردون حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية و الفوارق الاجتماعية فهم يرون أن الأفراد منذ ولادتهم يتميزون عن بعضهم البعض فلكل منهم قدراته و مواهبه الجسمية و العقلية الخاصة به فمنهم الضعيف و منهم القوي , منهم الذكي و منهم الغبي , فمن الظلم أن تمنح الغبي و غير الكفء منصبا إداريا ممتازا , لقد كان هذا رأي أرسطو فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة فهو يعترف بأن استغراق البعض للبعض الآخر هو ضرورة طبيعية و مادام الناس مختلفين من حيث الخصائص العقلية و الفيزيولوجية فلا بد فيما يرون من توسيع شقة الاختلاف بينهم يقول كاريل أليكس*عالم فيزيولوجي و جراح فرنسي* فبدلا من أن نحول تحقيق المساواة عبر اللامساواة العضوية و العقلية يجب أن نوسع دائرة هذه الاختلافات و ننشئ رجالا) و هو يوضح القول قائلا إن تقسيم سكان البلاد الحرة إلى طبقات مختلفة لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي و إنما هو مؤسس على قواعد بيولوجية صلبة و كذلك على قدرات الأفراد الفيزيولوجية و العقلية) ففي المجتمع الديمقراطي كما ترى *فرنسا , بريطانيا* استطاع كل شخص أن يجد فرصته خلال القرن (19م) ليرتفع إلى المركز الذي مكنته مقدرته من بلوغه , لكن اليوم عامة الشعب يدينون بمراكزهم إلى الضعف الوراثي لأعضائهم و عقولهم بالإضافة إلى هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض الأديان القديمة (الإبراهيمية) و التي بادروها بتقسيم الناس إلى أربع طوائف أعلاها الكهنة و البراهمة و أدناها السفلة و الأنجاس , و حديثا نجد اليهود الذين زاعمو أنهم وحدهم شعب الله المختار بالإضافة إلى الحركة النازية التي قسمت الجنس البشري إلى طبقات أسماها الآري ولقد علل أنصار هذا الضرب من الفوارق الاجتماعية منها و الطبيعية بأنها كحافز يدفع الأفراد إلى السعي و النشاط ذلك بأن الإنسان بطبعه مفطور على أن يسعى وراء آماله الواسعة و محاولة تحقيقها، فحياة بعض الناس في الرفاهية وتمتعهم بالكماليات يثير فيمن هم دونهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى طموحاتهم فهو ينكر وجود تفاوت بين الناس في مكانتهم وقدراتهم وهذا لا يعني عدم مساواتهم أمام العدالة في أن أي تفاوت يتحول إلى ظلم.
إلاً أن هذه النزاعات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع الاستثماري الحديث يدّعون أن القوي له الحق بل ومن العدل أن يحتل الضعيف ويسير شؤونه المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده أي أن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى أن الدم الذي تفتخر به ألمانيا نفسها هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لا بل إن الواقع يؤكد أن الدم الهجين باعث على التقدم و الحيوية .
وعلى عكس الرأي الأول ظهر اتجاه ثان يرى بأن الناس خلقوا متساوين وفي هذا المعنى يقول شيشرون الخطيب الروماني(الناس سواء وليس أشبه من الإنسان بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوين في القدرة على التعلم)، وهو يقصد بهذا أن الناس سواسية لا من حيث ملكاتهم العقلية وكفاءاتهم وإنما لهم طبيعة بشرية واحدة أنهم سيختلفون فيما سيحصلون عليه أثناء عملهم وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول تنويها بالمساواة العادلة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، أي متساوين في جميع الحقوق كحق الحرية وحق الحياة و المعاملة ، و أن الناس لم يولدوا منقسمين إلى طبقة أسياد وطبقة عبيد وليس لأحد حق السيادة على الآخرين بسبب ما يجري في عروقه من دم أرستقراطي، إنما خلق الناس طبقة واحدة وكتب توماس جيفرس في إعلان الاستقلال الأمريكي (إن جميع الناس قد خلقوا متساوين) كما يقول أن العدل هو احترام الكرامة الإنسانية مهما كان الأشخاص ومهما كانت الظروف الطبيعية و الاجتماعية التي تتعرض له فلابد من تجاوزها) ، ويرى أيضا (العدل في أسمى معانيه هو تجاوز الحدود و الفوارق الاجتماعية).
بالرغم من أنه لا يمكن إنكار أهمية المساواة و ضرورتها للمجتمع و الأفراد إلاّ أنه لا يمكن من مستوى الحقوق و الواجبات إلى مستوى يتعارض فيه الناس على حسب إمكانياتهم فلكل واحد إمكانياته الخاصة به بالإضافة إلى أنه لو ساوينا كل الناس في جميع المستويات العقلية و الجسدية و العلمية فكيف يحد من بعضهم بعضاً .
إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة و المظالم والفروق الواسعة التي نشأت بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطرق أمام الجميع و تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في جميع المجالات وإذا كان لا فضل لعربي عل عجمي إلاّ بالتقوى فإن الله سبحانه وتعالى يقول ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) ولكن هذا لا يعني أن العدل معناه المساواة المطلقة بل إعطاء كل ذي حق حقه وفق جهده و عمله .
وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن العدل ليس مساواة مطلقة و ليس كل تسمى بلا حدود ولا قيود فهناك فروق لا حيلة لنا فيها كالفروق الطبيعية .
إذا فالعدل هو الاحترام الصارم للحقوق لكل ذي كرامة وهو حرب ضد كل العمليات الاحتيالية أي العمليات التي من شأنها أن توفر المساواة .
مقالات فلسفية جديدة ..
مقالة جدلية حول أصل المفاهيم الرياضية
الأسئلة : إذا كنت أمام موقفين متعارضين أحدهما يقول الرياضيات في أصلها البعيد مستخلصة من العقل والأخري تقول : الرياضيات مستمدة من العالم الحسي . وطلب منك الفصل في المشكلة فما عساك تصنع ؟
سؤال : هل المعاني الرياضية موجودة في النفس أو أوحت بها بعض مظاهر الطبيعة
المقدمة : طرح الإشكالية
تنقسم العلوم إلي قسمين علوم تجريبية مجالها المحسوسات ومنهجها الاستقراء كالفيزياء وعلوم نظرية مجالها المجردات العقلية ومنهجها الاستنتاج كالرياضيات هذه الأخيرة أثارة جدلا حول أصل مفاهيمها ومبادئها فإذا كنا أمام موقفين أحدهما أرجع الرياضيات إلى العقل والأخر ربطها بالتجربة فالمشكلة المطروحة : هل المعاني الرياضية مستخلصة من أصلها البعيد من العقل أو التجربة ؟
التحليل: محاولة حل الإشكالية
عرض الأطروحة الأولي
يرى العقليون ( المثاليون ) أن المفاهيم الرياضية مستخلصة من أصلها البعيد من العقل وهي فطرية قائمة في النفس وهكذا الرياضيات بناء استدلالي والاستدلال نشاط عقلي فينتج عن ذلك أن المفاهيم والمبادئ الرياضية من طبيعة عقلية , هذا ما ذهب إليه أفلاطون الذي قال في كتابه الجمهورية << عالم المثل مبدأ كل موجود ومعقول أن المعرفة تذكر >> وأكد أفلاطون في محاورة مينوت أن البعد قادر على أن يكشف بنفسه كيفية وإنشاء شكل مساوئ مربع معلوم ومن دعاة هذه الأطروحة ديكارت الذي قال في كتابه التأملات << المعاني الرياضية أفكار فطرية أودعها الله فينا منذ البداية>> وهم يبررون موقفهم بحجج متنوع من أهمها الرموز الجبرية اللانهائية مفاهيم رياضية لا صلة لها بالواقع الحسي كما أنها تتصف بثلاثة خصائص, مطلقة , ضرورية , كلية, فلا يعقل أن تنتج عن العالم الحسي وتعود هذه الأطروحة إلى كانط الذي ربط المعرفة بما فيها الرياضيات , بمقولتين فطريتين هما الزمان والمكان أي أن الرياضيات في أصلها معاني فطرية لأنها شيدت على أسس فطرية فالمفاهيم الرياضية في أصلها البعيد مستمدة من العقل .
النقد :
هذه الأطروحة نسبية لأنه لو كانت المفاهيم الرياضية فطرية مغروسة في النفس لتساوى في العلم بها جميع الناس لكن الأطفال لايدركون المفاهيم الرياضية إلا من خلال المحسوسات
عرض الأطروحة الثانية
يرى التجريبيون ( الحسويون ) أن المعاني الرياضية مصدرها التجربة أي المفاهيم الرياضية إذا تم تحليلها فإنها ستعود إلى أصلها الحسي ومثال ذلك أن رؤية النجوم أوحت بالنقاط والقمر يرتبط بفكرة القرص لذلك قال الحسيون << العقل صفحة بيضاء والتجربة تكتب عليه ماتشاء >> وهم يبررون موقفهم بما توصل إليه العلماء الأنتروبولوجيا الذين أكدوا أن الشعوب البدائية إستعملت الحصى وأصابع اليدين والرجلين عند حساب عدد الأيام والحيوانات التي يمتلكونها ومواسم السقي المحاصيل الزراعية مما يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي ليس هذا فقط إن المفاهيم الهندسية كالطول والعرض إنما هي مكتسبة بفضل الخبرة الحسية لذلك قال ريبو[/[COLORCOLOR="blue"]]<< حالة الشعور التي ترافق بعض أنواع الحركات العضلية هي الأصل في إدراكنا للطول والعرض والعمق >> ومن أدلتهم أيضا أن الهندسة تاريخيا هي أسبق في الظهور من الحساب والجبر والسر في ذلك أنها مرتبطة بالمحسوسات ولو كانت المفاهيم الرياضية في أصلها مجردات عقلية لظهور الجبر قبل الهندسة كل ذلك يثبت أن المفاهيم الرياضية أصلها حسي
النقد:
صحيح أن بعض المفاهيم الهندسية أصلها حسي لكن أكثر المفاهيم الرياضية الجبر لا علاقة لها بالواقع الحسي.
التركيب: الفصل في المشكلة
لاشك أن المعرفة جهد إنساني ومحاولة جادة لفهم مايحيط بنا من أشياء وإجابتك على مايدور في عقولنا من جهد وبناء مستمر وهذا مايصدق على الرياضيات وكحل توفيقي لأصل المفاهيم الرياضية نقول الرياضيات بدأت حسية ثم أصبحت مجردة وهذا ما وضحه جورج سارتون بقوله << الرياضيات المشخصة هي أول العلوم نشوءا فقد كانت في الماضي تجريدية ثم تجردت وأصبحت علما عقليا >> وذات الحل التوفيقي ذهب إليه عالم الرياضيات غونزيت الذي أكد < تلازم ماهو حسي معا ماهو مجرد في الرياضيات >
الخاتمة : حل الإشكالية
وخلاصة القول أن الرياضيات علم يدرس المقدار القابل للقياس بنوعيه المتصل والمنفصل وقد تبين لنا أن المشكلة تدور حول أصل المفاهيم الرياضية فهو هناك من أرجعها إلى العقل وأعتبرها فطرية وهناك من أرجعها وربطها على أساس أنها حسية نستنتج أن مصدر المفاهيم الرياضية هو تفاعل وتكامل القول مع التجربة
تمهيد :
حياة الإنسان عبارة عن تفاعل مع كل ما يحبط به، وهذا
يتطلب منه معرفة البيئة يهدف التكيّف معها وحماية
نفسه من مختلف الأخطار
وحتى يتم ّ كن الإنسان من معرفة البيئة، لا بدّ من الانتباه
والّتركيز إلى ما يهمّه فيها، وإدراك ذلك بالحواس، وهو ما
يجعلنا نقول أن الإنتباه والإدراك الحسي هما الخطوة الأوّلية
في إتصال الفرد بالبيئة والتكيّف معها وهما أساس سائر
العمليات العقلية التذكرة الّتخيّل التعّلم والتفكير ...إلخ
وللإدراك على وجه الخصوص علاقة وثيقة بسلوك الإنسان فيه
تتفاعل ونستجيب للبيئة كما هي لاكما في الواقع، ولكن
كما ندركها؟ وإذن فسلوكنا يتوّقف على كيفيّة الإدراك لما
يحيط بناء وهو ما يجعل إدراك الكبار يختلف عن إدراك الصغار
(عدم خوف الأطفال من موضوع مّا، قد تخاف منه نحن الكبار)
إذن هناك علاقة بين الإدراك والسّلوك، كما توجد أيضا صلة وثيقة
بين الإدراك لما يرغب فيه الناس يؤدي إلى عدم الّتوافق
الاجتماعي فعلاقة الإدراك بالانتباه هي التي تجعلنا نصدر
أحكامنا على من يض ّ طرب عندهم الإدراك الحسّي (المرض العقلي)،
لكنّ الإشكال الذي يطرح نفسه هو في :
الفرق بين الإحساس والإدراك؟
1 – التمييز بين الإحساس والإدراك :
أنا جالس وراء مكتبي يدق الباب ماذا يحدث؟
تحدث اهتزازات في الجوّ ينقلها الأثير إلى أذنى فتحدث أثرا
على الأعصاب السمعية فننقله هذه الأعصاب إلى المراكز
الدّماغية، وهنا تتوّقف عملية الإحساس.
إنّ شمّ الروائح، واستماع الأصوات، وتذوّق ال ّ طعوم، كّلها إحساسات،
وليست إدراكات، لأنها لم تبلغ درجة المعرفة بعد، ولم يتم
ربطها بخيرات ماضية، حينما يكلمك شخص مّا بلغة لا
تعرفها فأنت تحس بأصواته لكّنك لا تدرك ما يقول.
وعليه فالإحساس يشير فقط إلى مجرد تأثير الّتنبيهات
على أعضاء الحس، أو مجرّد ردّ فعل عضوب واع ناتج عن إثارة
العضو الحسّي، إنه ظاهرة أوّلية بسيطة.
أما الإدراك فهو واقعة نفسية مر ّ كبة ومعّقدة، تتدخل فيها
عوامل عديدة كالذاكرة، التخيّل، الّذكاء، والخبرات الماضية،
والحكم العقلي ويتناول الأشياء موضوعة في الزمان
والمكان، بالإضافة إلى اعتماده على الحواس.
إذن فالإدراك عملية عقلية تقوم بتأويل الإحساسات
وتحويلها إلى معرفة واستغلال هذه المعرفة في عملية
التأقلم والتكيّف، إنه عقلي خالص ومنظم.
الإدراك هو الفعل المنظم الذي ينظم به "Lalande يقول "لالاند
الفرد إحساساته الحاضرة مباشرة، ويفسّرها ويكملها
بصورة وذكريات ويبعد عنها قدر الإمكان طابعها الإنفعالي
أو الحركي مقابلا نفسه بشيء يراه بصورة عفويّة متميّزا
عنه ووقعيّا ومعروفا لديه في الآونه الراهنة.
استنتاج :
إنّ الإحساس عمليّة فيزيولوجية أساسا، تجري على مستوى
الأعصاب التي وقعت عليها المثيرات الخارجية.
أما الإدراك فهو عمليّة ذهنية يتدخل فيها الحاضر
بمعطياته الحسية والماضي بصوره وذكرياته وبهذين
النوعين من التدخل تكتسب المعطيات الحسية معنى
خارج الذات من حيث هي أشياء مقابلة للذات.
2 – العوامل المساعدة على الإدراك :
ا – العوامل الموضوعيّة :
وهي جملة من العوامل مستقلة عن الذات تجعل الأشياء
مثيرة للانتباه وهذه بعضها كما حدّدها الجشطاليون :
أولا : عامل التقارب :
الأشياء المتقاربة تتقدم للمدرك كأنها صيغة واحدة.
ثانيا : عامل التشابه :
المثيرات المتشابهة في اللون أو الشكل أو الحجم أو اتجاه
الحركة، تدرك على أنها صيغ أو أشكال مستقلة لأنّ عامل
التشابه يجعلها تستدعي بعضها البعض كما في
الشكل التالي :
هنا نميل إلى إدراك الخطوط وحدها والنقاط وحدها.
هذان الخطان يسهل X ثالثا : عامل المصير المشترك
إدراكهما كخطين منحنيين ويصعب إدراكهما كخطين
منكسرين.
رابعا : عامل الصيغة الفضلي : - هذا الخط نميل إلى
إدراكه كدائرة أفضل لأن شكل الدائرة أفضل من هذا المنحنى
غير المغلق.
ب - العوامل الذاتية :
لا يتوقف الإدراك على العوامل الموضوعية ومدها كما زعم
الجيشطالتيون بل تتدخل فيه الذات بدورها ومن العوامل
الذاتية نجد :
أولا : الخبرة الماضية : وهي جمع ما لدى الإنسان من تجارب
وخبرات في الموضوع المحسوس، فأنت حين ترى البخار
يتصاعد من كأس القهوة تدرك أنها سخنة.
ثانيا : الحالة النفسية الراهنة : إن حالات الإنسان من انفعال
أو هدوء أو غيرهما تؤثر في كيفية إدراكه فهناك فرق بين إدراك
الشبعان وإدراك الجوعان للرغيف الواحد.
ثالثا : درجة الإنتباه : إن الانتباه شرط أساسي للإدراك، فالغافل أو
النائم لا يدرك ما حوله كالمنتبه، وكلما كان الإدراك أكثر شدة
ويقظه وشمولا كأن أقرب إلى الصّحة.
3 – طبيعة الإدراك :
أ – النظرية الذهنية :
21 آذار 1596 " بين الأفكار التي هي R . Descartes يميّز "ديكارت
أحوال نفسية موجودة في الذات وبين الأشياء التي هي امتداد
لها، إن إدراك الشيء الممتد لا يكون إ ّ لا وفق أحكام تضفي صفات
الشيء وكيفياته الحسية وعليه فإن الإدراك عملية عقلية
وليست حسية
1753 مثالي ذاتي" إلى القول أن – 1685 Berkeley وقد ذهب "باركلي
"تقدير مسافة الأشياء البعيدة جدا ليس إحساسا بل هو
إحساس عقلي يستند أساسا على التجربة" ويؤكد من
جهة أخرى أن " الأكمه" في حالة استعادة البصر إثر عملية
جراحية لا يتوفر على أيّة فكرة عن المسافة البصرية، فكل
الأشياء البعيدة والقريبة بالنسبة إليه تبدو وكأنها
موجودة في العين بل في الفكر، وقد أثبت ذلك الجراح
فيما بعد. Sheselden الأنقليزي شيزلندن
نقد :
لقد أهملت هذه النظرية الجانب الموضوعي في عملية
الإدراك، فالعالم ليس ما نفكر فيه، وإنما العالم هو هذا الذي
نحياه ونعيشه ونّتصل به ونتفاعل معه، فنحن ندركه في
الوقت الذي نحسه.
ب – النظرية الجشطالتية :
ترى هذه النظرية أن الإدراك والإحساس شيء واحد فهو استجابة
كلية لما تغرضه علينا البيئة من سلوك اتجاهها،
وعليه فإن عملية الإدراك لا تعطي الصور الذهنية
للمعطيات الحسية عن طريق العقل، وإنما ندرك
الموضوعات في المجال العقلي في صورة صيغ تفرض
علينا الانتباه لها دون والّنتيجة من كلّ هذا هي أن العالم
الخارجي يوجد على شكل منظم وفق قوانين معيّنة،
وعوامل خارجيّة موضوعيّة، كالتي أشرتا إليها في السابق
في فقرة العوامل المساعدة على الإدراك.
مناقشة :
أهملت هذه النظرية دور العوامل الذاتية وجعلت من عقل
الإنسان مجرّد جهاز استقبال سلبي، وإذا كانت الذ{ات لا تتدخل في
عملية الإدراك فكيف نفسّر اختلاف الناس في إدراك الشيء
الواحد؟ وكيف نفسر الخلل الذي يطرأ على الإدراك إذا أصيب
الجهاز العصبي للإنسان بإصابة مّا، ولماذا لا ندرك الأشياء
التي لا تنتبه إليها؟
وكيف يمكن للإنسان أن يدرك شيئا إذا لم يكن قادرا على الأقل
على التمييز بين ذاته التي تدرك والموضوع المدرّك.
ج - النظرية ال ّ ظواهريّة :
يعتقد أصحاب هذه النظرية أن الشعور هو الذي يبني
المدركات وينظمها، ولذلك فهو يدعوننا إلى ضرورة الاكتفاء
بوصف ما يظهر للشعور قصد الكشف عن المعطى دون أي
اعتماد على فروض أو نظريّات سابقة مثل فكرة الجوهر عند
"ديكارت" وفكرة المكان عند "كانط" وغيرهما.
وهكذا فالإدراك عندهم هو امتلاك المعنى الدّاخلي للشيء
امحسوس، قبل إصدار الحكم، إنه مفهوم عقلي كما يقول
"ميرلويونتي" وتجربة حيوية، ولذلك نجد الإدراك دائما غير
تام بدون تجربة ولا يتمّ إ ّ لا بالانتباه ويكون مض ّ طربا في حالات
الإنفعال.
مناقشة :
إنّ ردّ المعرفة إلى وظيفة ال ّ شعور يصعب معه التميّيز
بين الشعور وموضوعاته ما دام الشعور هو دائما شعور بشيء
د – النظريّة العضويّة :
ويؤ ّ كدان "Wapner و"وينر "Werner يمّثل هذه النظرية كلّ من "ورنر
أنّ إدراك المكان لا يتمّ إ ّ لا بتظافر العوامل الّذاتية والعوامل
الموضوعيّة وقد اعتمدت على مسّلمات وهي :
- الّتطابق بين الذات المدركة وشدة المنبّه
- الّتفاعل بين الّتأثير الصّادر عن الموضوع والتأثير الصّادر على الّذات
يّتضح من هذه النظريّة ال ّ طابع الّتكاملي في عملية
الإدراك، فالعوامل الّذاتية والموضوعية أساسية في عملية الإدراك__
الإحساس والإدراك
المقدمة ( طرح الإشكالية)
يتعامل ويتفاعل الإنسان مع الأشياء في العالم الخارجي وكذلك مع الأفراد ويتلقي الكثير من المنبهات التي يستجيب لها من خلال الفهم والتفسير والتأويل وهذا هو الإدراك غير أن طبيعة ومصدر الإدراك عرف جدلا واسعا بين مذهبين (العقلي و الحسي) والسؤال الذي يعبر عن ذلك هل أساس الإدراك الحواس أم العقل؟
التحليل"
عرض الأطروحة الأولى :
تري هذه الأطروحة أن الإدراك يتوقف على نشاط الذهن أي كل معرفة ينطوي عليها الإدراك مصدرها العقل وليس الحواس هذا ما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي هاجم الإحساس بقوله << إني وجدت الحواس خداعة زمن الحكمة ألا نطمئن لمن خدعونا ولو مرة واحدة >> ومن الأمثلة التوضيحية أن التمثال في أعلى الجبل تراه من الأسفل صغيرا أما إذا صعدت فإنك تراه كبيرا وشيد ديكارت الإدراك على العقل ووظيفته اكتشاف أخطاء الحواس وتصحيحها ومن أنصار هذه الأطروحة الفيلسوف ألان الذي قال << الإدراك معرفة مسبقة فمن يدرك جيدا يعرف مسبقا ما يجب فعله >> إن الصياد يدرك الحل الصحيح وينجح في اصطياد فريسته بفضل التخطيط المسبق والطفل الصغير يفشل لأن عقله لم يصل بعد إلى القدرة التخطيط فالإدراك مصدره العقل
النقد :
هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى العقل لكن العقل ليس معصوم من الخطأ.
عرض الأطروحة الثانية:
ترى هذه الأطروحة (المذهب الحسي ) أن مصدر الإدراك هو التجربة الحسية أي هو كل معرفة ينطوي عليها الإدراك , مصدره الإحساس وحجتهم في ذلك أنه من فقد حاسة فقد معرفة ومن الأمثلة التوضيحية أن الكفيف لا يدرك حقيقة الألوان وهذا يوضح أن الإدراك يستلزم وجود الحواس التي هي نوافذ المعرفة وبها نتعرف على العالم الخارجي ومن أنصار هذه الأطروحة دافيد هيوم الذي رأى أن مبادئ العقل مكتسبة وليست فطرية وفي هذا المثال << لو كانت مبادئ العقل فطرية لتساوى في العلم بها في كل زمان ومكان لكن مبدأ عدم التناقض أو الهوية لايعرفه إلا قلة من المثقفين ويجهله الأطفال >> وخلاصة ما ذهب إليه المذهب الحسي أن الإدراك هو تأليف وتركيب بين الإحساسات فالإحساس هو مصدر الإدراك
النقد:
هذه الأطروحة أرجعت الإدراك إلى الإحساس لكن الحواس تخطئ ومن الحكمة أن لا نأسس الإدراك على معيار خاطئ.
التركيب ( الفصل في المشكلة )تعتبر مشكلة الإحساس والإدراك من المشكلات الفلسفية المعقدة والتي طرحت علي طاولة الحث الفلسفي في صورته القديمة والحديثة ولاشك أن التحليل المنطقي يؤدي بنا إلى حل توفيقي تجمع فيه بين (الحواس والعقل) وهذا ما ذهب إليه الفيلسوف الألماني كانط في قوله <<حدوث حسية بلا مفاهيم عقلية عمياء ومفاهيم عقلية بلا حدوث حسية جوفاء>>.
الخاتمة (حل الإشكالية)
في الأخير الإحساس والإدراك من القضايا البارزة في الفلسفة وقد تبين لنا أن العلاقة بينهما مشكلة أدت إلى تقارب في الآراء بين مذهبين العقليون الذين أرجعوا الإدراك إلى نشاط الذهني والحسيون الذين قالوا أن الإدراك مصدر الإحساس وكمخرج للمشكلة نستنتج أن الإدراك محصلة لتكامل الحواس والعقل
هل كل ما هو نفسي شعوري؟ (الطريقة الجدلية).مقدمة: إن التعقيد التي تمتاز به حياتنا النفسية جعلها تحظى باهتمام الفلاسفة وعلماء النفس القدامى والمعاصرون، فحاولوا دراستها وتفسير الكثير من ظواهرها فاعتقد البعض منهم أن الحياة النفسية والشعور مترادفان، أي أن الشعور هو الأداة الوحيدة لمعرفة حياتنا النفسية أو الواقع النفسي فهل هذا الاعتقاد صحيح؟ وبعبارة أخرى هل معرفة الفرد لواقعه النفسي متوقف على الشعور وحده؟
الرأي الأول: ذهب بعض الفلاسفة أنصار علم النفس التقليدي إلى الاعتقاد بأن الشعور أساس كل معرفة نفسية فيكفي أن يحلل المرء ليتعرف بشكل واضح على كل ما يحدث في نفسه من أحوال نفسية كالحزن، الفرح، الحسد، الغيرة، الحب...، فالحياة النفسية في نظرهم هي الحياة الشعورية، أي أن كل ما هو نفسي شعوري وكل ما هو شعوري نفسي، ومن أبرز المدافعين عن هذا الاعتقاد روني ديكارت الذي يقول: " ليست هناك حياة نفسية أخرى خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية"، فالشعور يمثل جميع الحياة النفسية ويغطيها كلها وكل ما لا نشعر به ليس من أنفسنا
الأدلة: لقد اعتمد أنصار هذا الموقف على حجة مستمدة ومستوحاة من الكوجيتو الديكارتي حيث يقول: " أنا أفكر أنا موجود" وهذا يعني أن الفكر سابق على الوجود وان النفس البشرية لا تنقطع على التفكير إلا إذا انعدم وجودها وكل ما يحدث في الذات والنفس قابل للمعرفة والشعور قابل للمعرفة فهو موجود وأما اللاشعور فهو غير قابل للمعرفة فبالتالي هو غير موجود.، إذا لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها لأننا لا نستطيع القول بأن الإنسان يشعر ببعض الأحوال ولا يشعر بأخرى مادام الاستمرار والديمومة من خصائص الشعور، وكما أن القول بوجود حياة نفسية لا نشعر بها هو من قبيل الجمع بين نقيضين في الشيء الواحد، فلا يمكننا تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر.
النقد: لا شك أن الشعور أداة ضرورية لمعرفة الحياة النفسية، ولكنه ليس الأداة الوحيدة لمعرفتها فحصر الحياة النفسية في الشعور يبقى قسما كبيرا منها مجهول الأسباب وغامض والدليل على ذلك أننا كثيرا ما نجد أنفسنا فرحين أو حزينين دون معرفة السبب كما أننا نميل إلى بعض الأشخاص وننفر من البعض الأخر دون مبرر واضح.
فالشعور إذن لا يصاحب جميع فاعليات النفس ونت هنا نستنتج انه إذا كل ما هو شعوري نفسي فالعكس غير صحيح.
الرأي الثاني: وعلى العكس من ذلك ذهب الكثير من العلماء المعاصرين إلى القول بان الشعور لا يعتبر الأداة الوحيدة لمعرفة الحياة النفسية لان هذه الأخيرة ليست حياة شعورية فقط ولذلك فالإنسان لا يستطيع أن يعي ويدرك جميع أسباب سلوكه. الطبيب سيدمون فرويد الذي يعتقد بان الشعور ليس هو النفس كلها بل هو جزء منها لان هناك جانب هام في النفس لا نتفطن إلى وجوده عادة ولكن له تأثر أساسي على سلوكنا وانفعالاتنا وأفكارنا.
الأدلة: ولقد اعتمد أنصار هذا الموقف على جملة من الأدلة تثبت ما ذهبوا إليه منها: عجز الشعور عن إعطائنا معرفة عن كل حياتنا النفسية نظرا لنقص معطياته فهو لا يمكننا من معرفة أسباب الكثير من المظاهر السلوكية كالأحلام والنسيان وزلات القلم وفلتات اللسان هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الطب النفسي اثبت بأن الكثير من الاضطرابات النفسية تم علاجها بالرجوع إلى الخبرات والأحداث المكبوتة في اللاشعور نذكر من ذلك تجربة جوزيف بروير Joseph Breuerفي معالجته للفتاة المصابة بالهستيريا فتوصل إلى أن الأعراض العصبية سببها ذكريات منسية موجودة في اللاشعور، فالفتاة كلما استحضرت الذكريات الماضية لا حظ الطبيب زوال الأعراض وكلما نست الماضي ظهرت الأعراض. ولكن لما كان العلاج بالتنويم مؤقتا ابتكر سيدمون فرويد طريقة علاجية أخرى تسمى التحليل النفسي القائم على التعبير أولا والتداعي الحر للأفكار ثانيا.
النقد: لا شك في أن مدرسة التحليل النفسي قد أثبتت على فعالية اللاشعور في الحياة النفسية ودور التحليل النفسي في معالجة الكثير من الاضطرابات النفسية ولكن اعتبار السلوك الإنساني سلوك تدفع إليه الدوافع اللاشعورية كالرغبات والميول المكبوتة والغرائز الجنسية فيه الكثير من المبالغة لأن الإنسان ليس حيوان توجهه غرائزه، بل هو كائن عاقل وواع.
التركيب: من خلال تحليلنا للموقفين السابقين يتبين لنا أن الحياة النفسية بنية مركبة من جانبين جانب الشعور وجانب اللاشعور فكلاهما يؤثر فيه سلوك الإنسان ويعملان على توجيهه، ولهذا فما لا نفهمه من الشعور يمكن أن نفهمه برده إلى اللاشعور.
الخاتمة: في الأخير نستنتج انه إذا كان كل ما هو شعوري نفسي فالعكس غير صحيح، ولكن مع ذلك يبقى الشعور أداة ضرورية لفهم الحياة النفسية.
الموضوع :السؤال المشكل.إذا افترضنا أن الأطروحة القائلة (إن المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة أخلاقية)أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها وتبنيها فما عساك إن تفعل ؟
الاجــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــابة
طرح المشكلة مقدمة
إن مشكلة أساس القيمة الخلقية هي من أقدم المشكلات الفلسفية واعقدها التي اختلف حولها الفلاسفة والمفكرين منذ فجر التاريخ ،وتناولوها وفقا لأرائهم واتجاهاتهم الفكرية,ومن ابرز هذه الاتجــاهات .الاتجاه الاجتماعي الذي يرجع أصحابه أساس القيم الخلقية إلى سلطة المجتمع .فكيف يمكننا إثبات أن المجتمع هو المصدر والنموذج لكل سلطة خلقية؟
محاولة حل المشكلة
عرض منطق الأطروحة
ينطلق أنصار المدرسة الاجتماعية وفي مقدمتهم الفرنسي (دوركايم)من إن القيم الأخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها المجتمع ,وما سلوك الأفراد في حياتهم اليومية إلا انعكاس للضمير الجمعي الذي يُهيمن على كل فرد في المجتمع .وفي هذا يقول –دوركايم –(إذا تكلم الضمير فينا فان المجتمع هو الذي يتكلم )ومنه فان المجتمع هو المنبع والأساس الوحيد للقيمة الأخلاقية .وكل فعل يقوم به الفرد خارج الأطر والقوانين الاجتماعية لا تكون له أية قيمة في المجتمع .وكل من يحاول التمرد على الأعراف والعادات الاجتماعية يُعَرضُ نفسه لاستهجانه وسخطه.ومن هنا كان للقيمة الخلقية قوة مؤثرة في الفرد فهو يستجيب لها راضيا أو كارها ولهذا يقول دوركايم –إذا استنكر احدنا الفاحشة فلان المجتمع استنكرها – ويقول أيضا *.....لا بُد أن تكون أخلاق الفرد هي الأخلاق التي يتطلبها المجتمع بالضبط .إذ أن أي فعل لا يقره المجتمع على انه أخلاقي مهما كان نوعه لا يمكن أن يكسب فاعله أي قدر من الهيبة والنفوذ........
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية
إن الأفراد المتمردون على القيم الاجتماعية وعند قيامهم بأي تصرفات منافية للقيم الاجتماعية يقومون بها بعيدا عن أعين المجتمع .فالسارق لا يمكنه أن يسرق شيئا إذا اعتقد أن غيره يراه .كما أن الواقع يؤكد بان سلطة المجتمع على الكثير من الأفراد أعلى من سلطة الشرع والعقل معا بدليل إن السواد الأعظم من البشر يلتزمون اشد الالتزام بالأوامر والنواهي الاجتماعية .بينما يقل التزامهم بالتعاليم الشرعية ..بالإضافة غالى أن الطفل ومنذ نعومة أظافره يحتك بالمجتمع من اجل اكتساب القيم الأخلاقية فيُقَوم ويُعَدل سلوكا ته وفقا لأوامر ونواهي المجتمع.
نقد خصوم الأطروحة
يرى أنصار الاتجاه العقلي وفي مقدمتهم الألماني كانط أن العقل هو الأساس والمصدر لكل قيمة خلقية لأنه الوسيلة التي يميز به الإنسان بين الخير والشر.وهو الذي يُشَرع ُ ويضع مختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمول أي تتجاوز الزمان والمكان .وقد اعتبر كانط الإرادة الخيرة الدعامة الأساسية للفعل الأخلاقي والشرط الذي ينبغي توفره في الإرادة هو الواجب ولهذا تسمى الأخلاق الكانطية- أخلاق الواجب -
وفي هذا يقول( إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص ,وكأنما هو قد هبط من السماء ذاتها)
ولكن أنصار هذا الاتجاه لا يستطيعون تفسير اختلاف القيم الأخلاقية بين الأفراد رغم ان العقل هو اعدل قسمة بين الناس .,كما انه ليس كل البشر يملكون الإرادة الخيرة .وهذا الإضافة إلى أن الأخلاق الكانطية هي أخلاق متعالية مثالية ولا يمكن تطبيقها على ارض الواقع
حل المشكلة
إن المجتمع يمدنا بمختلف القيم والقوانين الأخلاقية وهو سلطة متعالية على جميع الأفراد .و المصدر والنموذج لكل سلطة خلقية فالأطروحة صحيحة في سياقها ونسقها
المقالة السابعة:هل يمكن القول ان العقل هو اساس القيمة الاخلاقية ؟ جدلية
I - طرح المشكلة :تعد مشكلة أساس القيمة الخلقية من أقدم المشكلات في الفلسفة الاخلاقية وأكثرها إثارة للجدل ؛ إذ تباينت حولها الاراء واختلفت المواقف ، ومن تلك المواقف الموقف العقلي الذي فسر أساس القيمة الاخلاقية بإرجاعها الى العقل ؛ فهل فعلا يمكن تأسيس القيم الاخلاقية على العقل وحده ؟
II – محاولة حل المشكلة :
1- أ – عرض الاطروحة :يرى البعض ، أن مايميز الانسان – عن الكائنات الاخرى - هو العقل ، لذلك فهو المقياس الذي نحكم به على الاشياء وعلى سلوكنا وعلى القيم جميعا ، أي أن أساس الحكم على الافعال و السلوكات وإضفاء طابع اخلاقي عليها هو العقل ، وعليه أٌعتبر المصدر لكل قيمة خلقية . وقد دافع عن هذا الرأي أفلاطون قديما والمعتزلة في العصر الاسلامي وكانط في العصر الحديث .
1- ب – الحجة :ويؤكد ذلك أن ( أفلاطون 428 ق م – 347 ق م ) قسم أفعال الناس تبعا لتقسيم المجتمع ، فإذا كان المجتمع ينقسم الى ثلاث طبقات هي طبقة الحكماء وطبقة الجنود وطبقة العبيد ، فإن الافعال – تبعا لذلك – تنقسم الى ثلاثة قوى تحكمها ثلاث فضائل : القوة العاقلة ( تقابل طبقة الحكماء ) وفضيلتها الحكمة والقوة الغضبية ( طبقة الجنود ) وفضيلتها الشجاعة والقوة الشهوانية ( العبيد ) وفضيلتها العفة ، والحكمة هي رأس الفضائل لأنها تحد من طغيان القوتين الغضبية والشهوانية ، ولا يكون الانسان حكيما الا اذا خضعت القوة الشهوانية والقوة الغضبية للقوة العاقلة .
- و عند المعتزلة ، فالعقل يدرك ما في الافعال من حسن او قبح ، أي ان بإمكان العقل ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين ما هو حسن مستحسن وماهو قبيح مستهجن ، وذلك حتى قبل مجيئ الشرع ، لأن الشرع مجرد مخبر لما يدركه العقل ، بدليل ان العقلاء في الجاهلية كانوا يستحسنون افعالا كاصدق والعدل والامانة والوفاء ، ويستقبحون أخرى كالكذب والظلم والخيانة والغدر .. وان الانسان مكلف في كل زمان ومكان ولولا القدرة على التمييز لسقطت مسؤولية العباد امام التكليف .
- والعقل عند ( كانط 1724 – 1804 ) الوسيلة التي يميز به الإنسان بين الخير والشر، وهوالمشرّع ُ لمختلف القوانين والقواعد الأخلاقية التي تتصف بالكلية والشمولية ، معتبراً الإرادة الخيرة القائمة على اساس الواجب الركيزة الأساسية للفعل لأن الانسان بعقله ينجز نوعين من الاوامر : أوامر شرطية مقيدة ( مثل : كن صادقا ليحبك الناس ) ، وأوامر قطعية مطلقة ( مثال : كن صادقا ) ، فالاوامر الاولى ليس لها أي قيمة اخلاقية حقيقية ، فهي تحقق اخلاق منفعة ، وتتخذ الاخلاق لا كغاية في ذاتها ، وانما كوسيلة لتحقيق غاية . اما الاوامر الثاني فهي اساس الاخلاق ، لانها لا تهدف الى تحقيق أي غاية او منفعة ، بل تسعى الى انجاز الواجب الاخلاقي على انه واجب فقط بصرف النظر عن النتائج التي تحصل منه لذلك يقول : « إن الفعل الذي يتسم بالخيرية الخلقية فعل نقي خالص , وكأنما هو قد هبط من السماء »
1- جـ - النقد :لكن التصور الذي قدمه العقليون لأساس القيمة الاخلاقية تصور بعيد عن الواقع الانساني ، فالعقل اولا قاصر واحكامه متناقضة ، فما يحكم عليه هذا بأنه خير يحكم عليه ذاك بأنه شر فاذا كان العقل قسمة مشتركة بين الناس فلماذا تختلف القيم الاخلاقية بينهم إذن ؟ . كما يهمل هذا التصور الطبيعة البشرية ، فالانسان ليس ملاكا يتصرف وفق احكام العقل ، بل هو ايضا كائن له مطالب حيوية يسعى الى اشباعها ، والتي لها تأثير في تصور الفعل . واخيرا أن الأخلاق عند كانط هي أخلاق متعالية مثالية لا يمكن تجسيدها على ارض الواقع .
2- أ – عرض نقيض الاطروحة : وخلافا لما سبق ، يرى البعض الآخر أن العقل ليس هو الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية ، باعتبار ان القيمة الخلقية للأفعال الإنسانية متوقفة على نتائجها وأثارها الايجابية أي ما تحصله من لذة ومنفعة وما تتجنبه من الم ومضرة ، وقد تتوقف القيم الاخلاقية على ما هو سائد في المجتمع من عادات وتقاليد واعراف وقوانين ، فتكون بذلك صدى لهذه الاطر الاجتماعية ، وقد يتوقف – في الاخير - معيار الحكم على قيم الافعال من خير ( حسن ) او شر ( قبح ) على الارادة الالهية او الشرع .
2- ب – الحجة : وما يثبت ذلك ، ان القيم الاخلاقية ماهي الا مسألة حسابية لنتائج الفعل ، وهذه النتائج لا تخرج عن تحصيل اللذات والمنافع ؛ فما يحفز الانسان الى الفعل هو دائما رغبته في تحصيل لذة او منفعة لأن ذلك يتوافق مع الطبيعة الانسانية فالانسان بطبعة يميل الى اللذة والمنفعة ويتجنب الالم والضرر ، وهو يٌقدم على الفعل كلما اقترن بلذة او منفعة ، ويحجم عنه اذا اقترن بألم او ضرر ، فاللذة والمنفعة هما غاية الوجود ومقياس أي عمل أخلاقي ، وهما الخير الاسمى والالم والضرر هماالشر الاقصى .
- ومن ناحية أخرى ، فإن القيم الأخلاقية بمختلف أنواعها وأشكالها سببها المجتمع , وما سلوك الأفراد في حياتهم اليومية إلا انعكاس للضمير الجمعي الذي يُهيمن على كل فرد في المجتمع . أي ان معيار تقويم الافعال اساسه المجتمع ، والناس تصدر احكامها بالاعتماد عليه ، فمثلا الطفل حينما يولد لا تكون لديه فكرة عن الخير او الشر ، فينشأ في مجتمع – يتعهده بالتربية والتثقيف – يجد فيه الناس تستحسن افعالا وتستقبح أخرى ، فيأخذ هذا المقياس عنهم ، فيستحسن ما يستحسنه الناس ، ويستقبح ما يستقبحونه ، فإن هواستقبح مثلا الجريمة فلأن المجتمع كله يستقبحها ، ومن ثمّ يدرك ان كل ما يوافق قواعد السلوك الاجتماعي فهو خير وكل ما يخالفها فهو شر . والنتيجة ان القيم الاخلاقية من صنع المجتمع لا الفرد ، وما على هذا الفرد الا ان يذعن لها طوعا اوكرها ، الامر الذي جعل دوركايم ( 1858 – 1917 ) يقول : « اذا تكلم ضميرنا فإن المجتمع هو الذي يتكلم فينا » ، وكذلك : « ان المجتمع هو النموذج والمصدر لكل سلطة اخلاقية ، وأي فعل لا يقره المجتمع بأنه اخلاقي ، لا يكسب فاعله أي قدر من الهيبة او النفوذ » .
- ومن ناحية ثالثة ، ان معيار الحكم على قيم الافعال من خير او شر يرتد الى الارادة الالهية او الشرع . فـنحن – حسب (إبن حزم الاندلسي 374هـ - 456 هـ ) – نستند الى الدين في تقويم الافعال الخلقية وفق قيم العمل بالخير والفضيلة والانتهاء عن الشر والرذيلة ، ولا وجود لشيئ حسنا لذاته او قبيحا لذاته ، ولكن الشرع قرر ذلك ، فما سمّاه الله حسنا فهو حسن وما سمّاه قبيحا فهو قبيح .
كما ان الافعال حسنة او قبيحة – حسب ما يذهب اليه الاشاعرة – بالامر او النهي الالهي ، فما امر به الله فهو خير وما نهى عنه فهو شر ، أي ان الاوامر الالهية هي التي تضفي صفة الخير على الافعال او تنفيها عنها ، ولذلك – مثلا – الصدق ليس خيرا لذاته ولا الكذب شرا لذاته ، ولن الشرع قرر ذلك . والعقل عاجز عن ادراك قيم الافعال والتمييز فيها بين الحسن والقبح ، وليس له مجال الا اتباع ما اثبته الشرع .
2- جـ - النقد : ولكن النفعيون لا يميزون بين الثابت والمتغير ولا بين النسبي والمطلق لأن القيم الاخلاقية قيم ثابتة ومطلقة ، والاخذ باللذة والمنفعة كمقياس لها يجعلها متغيرة ونسبية ، فيصبح الفعل الواحد خيرا وشرا في آن واحد ، خيرا عند هذا اذا حقق له لذة او منفعة ، وشرا عند ذاك اذا لم يحقق أيًّا منهما . ثم ان المنافع متعارضة ، فما ينفعني قد لا ينفع غيري بالضرورة ، وأخيرا فان ربط الاخلاق باللذة والمنفعة يحط من قيمة الاخلاق و الانسان معاً ؛ فتصبح الاخلاق مجرد وسيلة لتحقيق غايات كما يصبح الانسان في مستوى واحد مع الحيوان .
ثم ان المدرسة الاجتماعية تبالغ كثيرا في تقدير المجتمع والاعلاء من شأنه ، وفي المقابل تقلل او تعدم اهمية الفرد ودوره في صنع الاخلاق ، والتاريخ يثبت ان افرادا ( انبياء ، مصلحين ) كانوا مصدرا لقيم اخلاقية ساعدت المجتمعات على النهوض والتقدم . ومن جهة ثانية ، فالواقع يثبت ان القيم الاخلاقية تتباين حتى داخل المجتمع الواحد ، وكذا اختلافها من عصر الى آخر ، ولو كان المجتع مصدرا للاخلاق لكانت ثابتة فيه ولزال الاختلاف بين افراد المجتمع الواحد .
وبالنسبة للنزعة الدينية فإنه لا يجوز الخلط بين مجالين من الاحكام : - احكام شرعية حيث الحلال والحرام ، وهي متغيرة وفق مقاصد الشريعة
- واحكام اخلاقية حيث الخير والشر او الحسن والقبح ، وهي ثابتة في كل زمان ومكان . مثلا : الكل يتفق على ان الكذب شر ، اما الاستثناء كجواز الكذب في الحرب او من اجل انقاذ برئ ( بقصد حفظ النفس الذي هو من مقاصد الشريعة ) فلا يجعل من الكذب خيراً .
3 – التركيب :إن الانسان في كينونته متعدد الابعاد ؛ فهو اضافة الى كونه كائن عاقل فإنه كائن بيولوجي أيضا لا يتواجد الا ضمن الجماعة التي تؤمن بمعتقد خاص ، وهذه الابعاد كلها لها تأثير في تصور الانسان للفعل الاخلاقي وكيفية الحكم عليه . فقد يتصور الانسان أخلاقية الفعل بمقتضئ ما يحكم به علقه ، أو بمقتضى ما يهدف الى تحصيله من وراء الفعل ، أو بمقتضى العرف الاجتماعي أو وفق معتقداته التي يؤمن بها .
III– حل المشكلة :وهكذا يتضح أن أسس القيم الاخلاقية مختلفة ومتعددة ، وهذا التعدد والاختلاف يعود في جوهره الى تباين وجهات النظر بين الفلاسفة الذين نظر كل واحدا منهم الى المشكلة من زاوية خاصة ، أي زاوية المذهب او الاتجاه الذي ينتمي اليه . والى تعدد ابعاد الانسان ، لذلك جاز القول ان العقل ليس الاساس الوحيد للقيم الاخلاقية .
ملاحظة :يمكن الاكتفاء في نقيض الاطروحة برأي واحد
قيل (إن الإنسان مقيد) فند القول
استقصاء بالرفع
المقدمة:
إبطال رأي يبدو سليما
منذ القديم و الإنسان يفكر في مسالة الحرية لأنه ببساطة يريد أن يعيش حرا لكن البعض يرى أن هذه الحرية مجرد وهم ، فالإنسان مقيد و خاضع لقوى داخلية و خارجية فكيف نفند هذا الرأي المزعوم ، و نزيل الشك أمام الرافضين لفكرة وجود الحرية ؟
التحليل :
عرض منطق الأطروحة :
ترى الأطروحة أن الإنسان مقيد ، أي مجبر في جميع أفعاله و لا يملك حرية الاختيار ، توجهه حتميات داخلية كالعوامل النفسية و البيولوجية و أخرى خارجية كالقواعد الاجتماعية و الإرادة الإلهية (القضاء و القدر) لكن منطق الأطروحة غير سليم و لا يعكس الحقيقة
إبطال الأطروحة بالحجج و الأمثلة
هناك عدة أدلة تؤكد أن الإنسان حر طليق يتمتع بحرية الاختيار أهمها
الدليل النفسي /يقوم على شهادة الشعور (الإحساس بالمسؤولية) المعتزلة/ تقول ( ان الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل ..، فإذا أراد الحركة تحرك و اذا أراد السكون سكن ..)
ديكارت –Descartes أن الحرية خاصية ملازمة للكائنات العاقلة ، يقول ( إن الحرية تدرك بلا برهان ، بل بالتجربة النفسية التي لدينا عنها )
برغسون Bergson الحرية حالة نفسية تجري في الأنا العميق ،يقول الحرية احدى ظواهر الشعور
الدليل الأخلاقي / المعتزلة أن الإنسان مكلف و المكلف يختار (حر) قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ) صدق الله العظيم
كانط Kant الواجب الذي يمليه الضمير لدليل على وجود الحرية ( اذا كان يجب عليك فأنت اذن تستطيع)
*الدليل الوجودي سارتر Sartreالإنسان حر ، و هذه الحرية تعبر عن صميم وجوده ، يقول ( الشعور بالذات يقتضي الحرية ، و الحرية تقتضي الإمكانية ، لأن الحرية تتضمن الاختيار ، و كل اختيار هو اختيار بين ممكنات)
نقد أنصار الأطروحة
أنصار الأطروحة هم دعاة الحتميةالجبرية/ ان فرقة الجهمية لا وجود لحرية في عالم يستمد وجوده من غيره . إن الله سبحانه خلق الإنسان و خلق معه أفعاله قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا..) صدق الله العظيم
سبينوزا Spinoza الإنسان بيد الله كالغضار بيد صانع الخزف .
الحتمية الاجتماعية / الفرد يتأثر بوسطه الاجتماعي كما يتصرف تبعا للجماعة التي ينتمي اليها
الحتمية النفسية/ الأفعال ترد إلى الدوافع النفسية اللاشعورية كالرغبات المكبوتة. أما المدرسة السلوكية تخضع السلوك الى آلية المنبه و الاستجابة
الحتمية البيولوجية / يقول البيولوجيون ( إننا تحت رحمة غددنا الصماء ) ...الخ لكن رأي الأنصار غير سليم و حججهم غير مقنعة فلو كان الله سبحانه هو الذي يخلق الأفعال فلماذا يحاسبنا يوم القيام و لماذا أرسل الرسل و الأنبياء و ما الفائدة من وجود العقل كل هذا يدل أن الإنسان مسؤول و مختار
و يمكن للفرد أن يتمرد على العادات و التقاليد كما يفعل المصلحون و فرضية اللاشعور لا تنطبق على جميع الأفعال فهناك الوعي و الشعور و نفس المنبهات لا تعطي دائما نفس الاستجابات أما البيولوجيون أهملوا الجانب الروحي في توجيه السلـــوك
الخاتمة : التأكيد على مشروعية الإبطال
نستنتج في النهاية أن الإنسان حر طليق يتمتع بحرية الاختيار و مسؤول عن أفعاله و حريته هي قوام وجوده ، و منه تصبح الأطروحة القائلة (الإنسان مقيد) باطلة و غير مشروعة
مقالة جدلية: الحرية و المسؤولية
طرح الإشكال: كل شخص يعبر عن نفسه بلفظ انا وهذا التعريف يحمل وعيا بعالمها الداخلي اي شعور هذه الذات بما تعمله من رغبات و ميول إلى الظهور في شكل سلوك يسمى سلوك حر و ان الفرد يعيش داخل مجتمع منظم بالعرف و العادات و التقاليد بحيث يعتبر الفرد مسؤولا داخل جماعته.اذ تعرف الحرية بأنها قضية ميتافيزيقية لانها مجرد شعور للفرد برغبته الذاتية و بقدرته على الاختيار في عدّة ممكنات و بقدرته على الاستقلالية في قراراته و سلوكياته في حين تعرف المسؤولية بأنها إلحاق الاقتضاء بصاحبه من حيث هو فاعله اي إلحاق تبعية و ما ينتج عن السلوك الحر بصاحبه من حيث هو القائم بــه. اذ نلاحظ من خلال التعريفين انه هناك تعارض بينهما مما دفع بالمدارس الفلسفية وعلماء الاجرام و علماء النفس على اعتبار المسؤولية منافية للحرية الفردية بينما ترى المدرسة العقلية و الوجودية أن المسؤولية تشترط الحرية و الحرية تشترط المسؤولية فهما يتوحدان معا في سلوك الانسان. فاذا كانت المسؤولية تأخذ طابع الإلزام و الالتزام و الحرية تتحرر من الالزام فهلا هذا يسمح لنا باعتبار المسؤولية تتنافى والحرية ؟ ام ان هذا التعارض بينهما غير حقيقي لايحدث تنافر بينهما و بالتالي لا يمنع توحدهما ؟
:عرض الأطروحة (المسؤولية تتنافى والحرية و تتعارض معها)
يمثل الأطروحة المدرسة الاجتماعية لدوركايم و فيري و المدرسة النفسية لـ فرويده حيث ترى ان المسؤولية تتنافى و الحرية و تعيقها معتمدة على مسلماتها :
- الإنسان ابن بيئته و هو خاضع لحتمية اجتماعية تفرض عليه تحمل المسؤولية
- يتعرض الطفل الى عملية كبت لرغباته الداخلية ويصبح سلوكه نسخة عن المجتمع
ضبط الحجة: 1- يعتقد دوركايم أن المجتمع هو الذي يحدد نمط سلوكاتنا لأننا نولد ضعفاء و نجد المجتمع منظم تنظبما صارما في قوانينه و نظمه واعرافه التي تنقل الينا عن طريق الاسرة بالتربية و التلقين و عندما نبلغ سن الرشد يكون سلوكنا مجرد اجترار لما تلقيناه من قيم سابقا حيث نعتقد اننا نأتي سلوكاتنا بانفسنا لاكن الحقيقة تعبر ما يرغب فيه المجتمع اي الخروج عن القيم الاجتماعية يتحمل الفرد مسؤوليته عنها اذا يجب ان تكون القوانين صارمة بمعاقبة الفرد فالمسؤولية الاجتماعية تجعلنا جزء من المجتمع تعاقبنا معنويا بالعرف و ماديا بالقانون فالمسؤولية تتنافى و الحرية.
ونجد ايضا الفرقة الجهمية بقيادة جاهم بن صفوان والتي ترى ان الإنسان مسير في كل أفعاله ولا دخل له فيها لان الله خلقه وخلق معه افعاله والقول بان الانسان خالق لفعاله فيه كفر لان في ذلك مساوات بين الخالق والمخلوق ومنه فالإنسان مجبر جبر مطلق ولا دخل له في أي فعل والادلة العقلية على ذلك كثيرة مثلا اذا كان فعل الشروق او الغروب صادر عن الشمس فان أفعال الإنسان صادرة عنه أيضا وتستدل الفرقة الجهمية بعدة آيات قرآنية كقوله تعالى "قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا " وقال ايضا "وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين"فكلها ادلة رانية تؤكد قدرة الله التي تفوق كل قدرة
نقد الحجة : اعتبر دوركايم ان خروج الفرد على قوانين الاجتماعية يعرضه للعقاب لانه يتحمل المسؤولية هذا الخروج و هذا يؤكد الحرية ولا ينفيها لانا الخروج عن القوانين هو الاختيار و لا يتم الاختيار الا بالحرية.
النقد ان القول بان الإنسان مج
وى للخمول الكسل وهذا مناقض للمنطق ومنه فالفرق الجهمية والرواقية ظهرت لأغراض سياسية
عرض نقيض الأطروحة المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها )
يمثل الأطروحة المدرسة العقلية لـ أفلاطون و المعتزلة والمدرسة الوجودية لسارتر وكانط ترى ان المسؤولية تشترط الحرية و تتوحد معها معتمدت على مسلماتها :
- لا يكون الانسنان مسؤولا الا اذا كان حرا و اذا سقطت الحرية سقطت عنه المسؤولية.
- اذا كانت الحرية حق طبيعي يولد مع الإنسان فهو يولد أيضا مسؤولا.
ضبط الحجة : 1- يقول سارتر (ان الانسان لايوجد اولا ثم يكون حرّا بل هو الكائن الوحيد الذي يولد حرّاو ذلك يضطر الى الاختيار و اثناء عملية الاختبار يكون قد حدد مسؤوليته)
2- يقول المعتزلة ( الانسان يولد حرّ و يملك القدر على التميز بين الخير والشر و عليه فاذا اختار الشر فهو ممسؤول عن اختياره).
3- يقول كانط (اذا كان يجب عليك فانت تستطيع فالاستطاعة تعني القدرة على الاختيار بين القيام بالفع و التخلي عنه مما يعني ان الواجب الاخلاقي الذي مصدره الضمير يجعلنا مسؤولين عن اختيارتنا)
4-و يعتمد افلاطون في أسطورة الجندي (آر) الذي مات في ساحة الشرف اذ يعود الى الحياة من جديد و يروي الاشياء التي تمكن من رايتها في الجحيم حيث ان الاموات يطالبون بان يختاروا بمحض ارادتهم تقمصهم القادم وبعد ان يختارو يشربوا من نهر النسيان (ليثــه) ثم يعودون الى الارض حيث قد نسوا بانهم هم الذين اختاروا مصيرهم و ياخذون باتهام القضاء والقدر في حين ان الله بريئ .
نقد الحجة : تتكلم المدرس السابقة عن حرية انسانية مسبقة لكن في الواقع الانساني يواجه حتميات و عوائق مختلفة قد يتغلب عليها مما يعني ان المسؤولية ليست مرتبطة بالحرية .فاذا كان الانسانحرا فحريته محدودة مما يسقط عليه احبانا المسؤوليةرغم ممارسته لحريته.
التركيب: تغلــيب موقف على اخر.
اذا كان النسان بطبيعته حرّاو في المقابل كانت هناك حتميات نفسية فيزيولوجية فيزيائية و اجتماعية فان الحرية قائمة على الارادة اي ان الانسان يملك بالفطرة القدرة على مقاومة المختميات و مواجهة الصعاب فاذا استسلم و لم يقاوم قهذا خطأ ولا يلغي عليه المسؤولية بل تبقى قائمة فالطالب الذي يعلم انه متوجه الى الامتحان دون ان يسلح نفسه بالاجتهاد و يستسلم لحتمية حب الراحة فان ذلك لا يلغي عليه مسؤوليته في الفشل
حل الاشكال:يمر الفعل الارادي الحر بمراحل هي : شعور الفرد برغبته ..المداولة الذهنية..اتخاذ القرار ..و هذا مايسمى تثبية النية او القصد الى الفعل الذي يعتبر شرط من شروط المسؤولية.
اما شروط المسؤولية: الوعي (المعرفة) .. العقل (التميز).. الحرية ..مما يعني ان الفرد لا يكون مسؤولا الا اذا سلوكه حرا فنستنتج ان الحرية تشترط المسؤولية في القصد الى الفعل و المسؤولية تشترط الحرية فهما يتوحدان رغم ان الحرية تشير الى عدم التقيد م المسؤولية تشير الى التقيد.
الذاكرة • يقول ريبو (ان الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية وظاهرة بسيكولوجية بالعرض)
◘ مقدمة: تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة ،بل ان الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى الذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا أنه ماضي وقد اختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات هل هي عضوية لها مكان معين في الدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ هل يمكن تفسير الذاكرة بالإعتماد على النشاط العصبي ؟ هل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج الى غير ذلك ؟
♠ ق1/ يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلايا الدماغ إن ملاحظات ريبو على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة [ الفتاة التي أوصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف عل المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد له أن اتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة الى فقدان جزئي أوكلي للذاكرة وجعلته يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة عامة لللجهاز العصبي أساسها الخاصية التي تمتلكها العناصر المادية في الإحتفاظ بالتغيرات الواردة عليها كالثني في الورقة لقد تأثرت النظرية المادية بالكرة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم وأن الذكريات تترك أثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على أسطوانات التسجيل ، وكأن المخ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات ، لذا يرى ريبو أن الذكريات مسجلة في خلايا القشرة الدماغية نتيجة الآثار التي تتركها المدركات في هذه الخلايا و الذكريات الراسخة هي تلك التي استفادت من تكرار طويل لذا فلا عجب إذا أبدا تلاشيها من الذكريات الحديثة الى القديمة بل ومن العقلية إلى الحركية بحيث أننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال والحركات ، ولقد استطاع ريبو أن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات بل ويعد 600مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الإنطباعات التي تأتينا من الخارج مستفيدا مما أثبتته بعض تجارب بروكامن أن نزيفا دمويا في قاعدة التلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وأن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى النفسي وغيرها ولكننا نجد ان هناك الكثير من حالات فقدان الذاكرة تسببه صدمة نفسية وليس له علاقة بإتلاف خلايا الدماغ وأن الذكريات التي فقدت سرعان ما تعود بعد التعافي من تلك الصدمة كما أنه لو كان الأمر كما يرى ريبو وأن الدماغ هو مكان تسجيل الذكريات لترتب على ذلك أت جميع المدركات والمؤثرات التي يستقبلها يجب ان تحتفظ في الدماغ ولوجب تذكر كل شيء …. لذا جاءت النظرية المادية الحديثة لتؤكد أن الذاكرة لا تحتفظ إلا بجزء من هذه المؤثرات وهذا يدل عل أن عملية الاحتفاظ بالذكريات تخضع لنوع من الانتقاء ولكن هذا يطرح مشكلة فهل هو وظيفة نفسية أم مادية عضوية في الدماغ ، وهل هذا الانتقاء إرادي أم لاإرادي ؟ ومن البداية فإن كل النظريات المادية الحديثة تعترف بتعقد وصعوبة سير أغوار الدماغ لدى الإنسان مما يجعلها فرضيات تحتاج الى الكثير من الأدلة … ولا مانع هنا أن نستعرض بعضها حيث تقوم الأولى على مفهوم الترميز الغائي أو الو ضيفي للدماغ التي تعتقد أن التنظيم العالي للدماغ البشري يمكن أن يكون له دور في تثبيت الذكريات وذلك بتيسير ترابط بعض المعلومات الواردة ومنع ترابط بعضها الأخر أما الفرضية الثانية فتقوم على مفهوم الترميز الكهربائي حيث هناك نوعان من النشاط الكهربائي للجملة العصبية أحدهما ذو إيقاع سريع يحث النيترونات داخل الأعصاب وهو المسؤول التذكري واخر ذو إيقاع بطيء لاعلاقة له بالتذكر وثالثا مفهوم الترميز البيوكيميائي حيث انصب جهد علماء الوراثة على نوع من الجزئيات الموجودة في الدماغ الحامض الريبي النووي لإعتقادهم أنه له علاقة بالذاكرة حيث أجرو تجاربة على حيوان درب على أداء حركي معين ثم أخذت خلاصة دماغه وحقنت في حيوان أخر لم يتلقى أي تدريب فلوحظ أن أثار التعليم قد ظهرت في سلوكه
.♣ مناقشة : إن مجموع هذه الفرضيات لم تكشف بكيفية قاطعة عن نوعية العلاقة الموجودة بين الذاكرة والمعطيات المختلفة للدماغ نظرا للصعوبات الكبيرة التي تواجه التخريب .
♥ ق2/ تؤكد النظرية النفسية عند برغسون أن وظيفة الدماغ لاتتجوز المحافظة على الآليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوال نفسية محضة لذا فهو يرى أن الذاكرة نوعان ـ ذاكرة حركية تتمثل في صور عادات آلية مرتبطة بالجسم وهي تشكل مختلف الأعمال الحركية التي تكتسب بالتكرار . ـ وذاكرة نفسية محضة مستقلة عن الدماغ ولا تتأثر باضطراباته وهي الذاكرة الحقة التي غاب على المادين إدراك طبيعتها لأنها مرتبطة بالجسم وهي ليست موجودة فيه …. إنها ديمومة نفسية أي روح ويعرف لالاند الذاكرة بأنها وظيفة نفسية تتمثل في بناء حالة شعورية ماضية .
♦ مناقشة : إن التميز بين نوعين للذاكرة يغرينا بارجاع الذاكرة الحية الى علة مفارقة ( روح) فالذاكرة مهما كانت تبقى دائما وظيفة شعورية مرتبطة بالحاضر وتوضف الماضي من أجل الحاضر والمستقبل أيضا ويرى ميرلوبانتي أن برغسون لايقدم لنا أي حل للمشكل عندما استبدل الأثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور وهو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات الى سطح اللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية ، إذا كان ريبو أعاد الذاكرة الى الدماغ ، وإذا كان برغسون أرجعها الى النفس فإن هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها الى مجتمع يقول : ( ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من خارج….فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها) ويقول أيضا : ( انني عندما أتذكر فإن الغير هم الذين يدفعونني الى التذكر ونحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل هي تجديد لبنائها وفقا لتجربة الجماعة واعتبر بيار أن الذاكرة اجتماعية تتمثل في اللغة وأن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي ولايوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو …. إن الماضي يعاد بناؤه على ضوء المنطق الاجتماعي .لكن برادين يرد على أصحاب هذه النظرية يقول : ان المجتمع لايفكر في مكاننا ، ولهذا يجب أن نحذر من الخلط بين الذاكرة والقوالب المساعدة على التذكر ، ان الذكريات أفكار وهي بناء الماضي بفضل العقل
. ♠ تركيب: إننا لن نستطيع أن نقف موقف إختيار بين النظريات المادية والنفسية والاجتماعية ولا يمكن قبولها على أنها صادقة ، فإذا كانت النظرية المادية قد قامت في بعض التجارب فقد رأينا الصعوبة التي تواجه التجريب وإن حاولت النظرية النفسية إقحام الحياة النفسية الواقعية في الحياة الروحية الغيبية فإن الإيمان يتجاوز العلم القائم على الإقناع ومهما ادعت النظرية الاجتماعية فلا يمكننا القول بأن الفرد حين يتذكر فإنه يتذكر دائما ماضيه المشترك مع الجماعة
.☻ الخاتمة: هكذا رأينا كيف أن كل معارفنا عجزت على اعطاء أي تفسير للذاكرة مقبول للجميع ، فلا الجسم ولا النفس ولا المجتمع كان كافيا لذلك ولابد من استبعاد الفكرة التي تعتبر الذاكرة وعاء يستقبل آليا أي شيء إنها كما يقول دولاكروا (نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لإهتماماته و أحواله
المقالة السادسة:هل الذاكرة ظاهرة اجتماعية أم بيولوجيةالطريقة : جدلية
I - طرح المشكل :اختلفت الطروحات والتفسيرات فيما يتعلق بطبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات . فاعتقد البعض ان الذاكرة ذات طبيعة اجتماعية ، وان الذكريات مجرد خبرات مشتركة بين افراد الجماعة الواحدة . واعتقد آخرون ان الذاكرة مجرد وظيفة مادية من وظائف الدماغ ؛ الامر الذي يدعونا الى طرح المشكلة التالية : هل الذاكرة ذات طابع اجتماعي أم مادي بيولوجي ؟
II- محاولةحل المشكل
1-أ- عرض الاطروحة :أنصار النظرية الاجتماعية : اساس الذاكرة هو المجتمع ؛ أي انها ظاهرة اجتماعية بالدرجة الاولى .
1-ب- الحجة :لأن – أصل كل ذكرى الادراك الحسي ، والانسان حتى ولو كان منعزلا فانه عندما يدرك أمرا ويثبته في ذهنه فإنه يعطيه إسما ليميزه عن المدركات السابقة ، وهو في ذلك يعتمد على اللغة ، واللغة ذات طابع اجتماعي ، لذلك فالذكريات تحفظ بواسطة اشارات ورموز اللغة ، التي تُكتسب من المجتمع
- ان الفرد لا يعود الى الذاكرة ليسترجع ما فيها من صور ، الا اذا دفعه الغير الى ذلك أو وجه اليه سؤالا ، فأنت مثلا لا تتذكر مرحلة الابتدائي او المتوسط الا اذا رأيت زميلا لك شاركك تلك المرحلة ، او اذا وجه اليك سؤالا حولها ، لذلك فإن معظم خبراتنا من طبيعة اجتماعية ، وهي تتعلق بالغير ، ونسبة ماهو فردي فيها ضئيل ، يقول هالفاكس : " إنني في أغلب الاحيان حينما أتذكر فإن الغير هو الذي يدفعني الى التذكر ... لأن ذاكرتي تساعد ذاكرته ، كما أن ذاكرته تساعد ذاكرتي " .
ويقول : " ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من الخارج ... فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها "
- والانسان لكي يتعرف على ذكرياته ويحدد اطارها الزماني والمكاني ، فإنه في الغالب يلجأ الى احداث اجتماعية ، فيقول مثلا ( حدث ذلك اثناء .... او قبل .... و في المكان ..... وعليه فالذكريات بدون أطر اجتماعية تبقى صور غير محددة وكأنها تخيلات ، يقول : ب . جاني : " لو كان الانسان وحيدا لما كانت له ذاكرة ولما كان بحاجة إليها " .
1-ج- النقد :لو كانت الذاكرة ظاهرة اجتماعية بالاساس ، فيلزم عن ذلك أن تكون ذكريات جميع الافراد المتواجدين داخل المجتمع الواحد متماثلة ، وهذا غير واقع . ثم ان الفرد حينما يتذكر ، لا يتذكر دائما ماضيه المشترك مع الغير ، فقد يتذكر حوادث شخصية لا علاقة للغير بها ولم يطلب منه احد تذكرها ( كما هو الحال في حالات العزلة عندما نتذكر بدافع مؤثر شخصي ) ، مما يعني وجود ذكريات فردية خالصة .
2-أ- عرض نقيض الاطروحة : النظرية المادية : الذاكرة وظيفة مادية بالدرجة الاولى ، وترتبط بالنشاط العصبي ( الدماغ ) .
2-ب- الحجة :لأن : - الذاكرة ترتبط بالدماغ ، واصابته في منطقة ما تؤدي الى تلف الذكريات ( من ذلك الفقدان الكلي او الجزئي للذكريات في بعض الحوادث ) .
- بعض امراض الذاكرة لها علاقة بالاضطرابات التي تصيب الجملة العصبية عموما والدماغ على وجه الخصوص ، فالحبسة او الافازيا ( التي هي من مظاهر فقدان الذاكرة ) سببها اصابة منطقة بروكا في قاعدة التلفيف الثالث من الجهة الشمالية للدماغ ، أو بسبب نزيف دموي في الفص الجداري الايمن من الجهة اليسرى للدماغ ، مثال ذلك الفتاة التي أصيبت برصاصة ادت الى نزيف في الفص الجداري الايمن من الجهة اليسرى للدماغ ، فكانت لا تتعرف على الاشياء الموضوعة في يدها اليسرى بعد تعصيب عينيها ، فهي تحوم حولها وتصفها دون ان تذكرها بالاسم ، وتتعرف عليها مباشرة بعد وضعها في يدها اليمنى
يقول تين Taine: " إن الدماغ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات " ، ويقول ريبو : " الذاكرة وظيفة بيولوجية بالماهية "
2-ج- النقد :ان ما يفند مزاعم انصار النظرية المادية هو ان فقدان الذاكرة لا يعود دائما الى اسباب عضوية (اصابات في الدماغ) فقد يكون لأسباب نفسية ( صدمات نفسية ) ... ثم ان الذاكرة قائمة على عنصر الانتقاء سواء في مرحلة التحصيل والتثبيت او في مرحلة الاسترجاع ، وهذا الانتقاء لا يمكن تفسيره الا بالميل والاهتمام والرغبة والوعي والشعور بالموقف الذي يتطلب التذكر .. وهذه كلها امور نفسية لا مادية .
3- التركيب ( تجاوز الموقفين ) :ومنه يتبين ان الذاكرة رغم انها تشترط اطر اجتماعية نسترجع فيها صور الذكريات ونحدد من خلالها اطارها الزماني والمكاني ، بالاضافة الى سلامة الجملة العصبية والدماغ على وجه التحديد ، الا انها تبقى احوال نفسية خالصة ، إنها ديمومة نفسية أي روح ، وتتحكم فيها مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات والميول والدوافع والشعور ..
الامثلة : إن قدرة الشاعر على حفظ الشعر اكبر من قدرة الرياضي . ومقدرة الرياضي في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية اكبر من مقدرة الفيلسوف ... وهكذا , والفرد في حالة القلق والتعب يكون اقل قدرة على الحفظ , وهذا بالإضافة إلى السمات الشخصية التي تؤثر إيجابا أو سلبا على القدرة على التعلم والتذكر كعامل السن ومستوى الذكاء والخبرات السابقة ..
III- حل المشكل:وهكذا يتضح ان الذاكرة ذات طبيعة معقدة ، يتداخل ويتشابك فيها ماهو مادي مع ماهو اجتماعي مع ماهو نفسي ، بحث لا يمكن ان نهمل او نغلّب فيها عنصرا من هذه العناصر الثلاث .
ملاحظة :يمكن في التركيب الجمع بين الموقفين ، و ليس من الضروري تجاوزهما
المقالة العاشرة :هل يمكن إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية ؟ جدلية .
I- طرح المشكلة :إن الدولة وجدت لإجل غايات ذات طابع أخلاقي ، مما يفرض أن تكون الممارسة السياسية أيضا أخلاقية ، إلا أن الواقع يكشف خلاف ذلك تماماً ، سواء تعلق الامر بالممارسة السياسية على مستوى الدولة الواحدة أو على مستوى العلاقات بين الدول ، حيث يسود منطق القوة والخداع وهضم الحقوق .. وكأن العمل السياسي لا ينجح إلا إذا أُبعدت القيم الاخلاقية ؛ فهل فعلا يمكن إبعاد الاعتبارات الاخلاقية من العمل السياسي ؟
- محاولة حل المشكلة :
1-أ- عرض الاطروحة:يرى بعض المفكرين ، أن لاعلاقة بين الاخلاق والسياسة ، لذلك يجب إبعاد الاعتبارات الاخلاقية تماماً من العمل السياسي ، وهو ما يذهب إليه صراحة المفكر الايطالي " ميكيافيلي 1469 –1527 " في كتابه " الامير " ، حيث يرى أن مبدأ العمل السياسي هو : « الغاية تبرر الوسيلة » ، فنجاح العمل السياسي هو ما يحققه من نتائج ناجحة كإستقرار الدولة وحفظ النظام وضمان المصالح الحيوية .. بغض النظر عن الوسائل المتبعة في ذلك حتى وإن كانت لاأخلاقية ، بل ويذهب الى أبعد من ذلك ، فيزعم أن الاخلاق تضر بالسياسة وتعرقل نجاحها ، وان الدول التي تبني سياستها على الاخلاق تنهار بسرعة.
ويوافقه في ذلك أيضاً فيلسوف القوة " نيتشه 1844 –1900 " ، الذي يرى أن السياسة لا تتفق مع الاخلاق في شيئ ، والحاكم المقيد بالاخلاق ليس بسياسي بارع ، وهو لذلك غير راسخ على عرشه ، فيجب على طالب الحكم من الالتجاء الى المكر والخداع والرياء ، فالفضائل الانسانية العظيمة من الاخلاص والامانة والرحمة والمحبة تصير رذائل في السياسة . وعلى الحاكم أن يكون قوياً ، لأن الاخلاق هي سلاح الضعفاء ومن صنعهم .
1-ب - الحجة:وما يبرر ذلك أن المحكوم إنسان ، والانسان شرير بطبعه ، يميل الى السيطرة والاستغلال والتمرد وعدم الخضوع الى السلطة المنظمة ، ولو ترك على حاله لعاد المجتمع الى حالته الطبيعية ، فتسود الفوضى والظلم واستغلال القوي للضعيف ، ويلزم عن ذلك استعمال القوة وجميع الوسائل لردع ذلك الشر حفاظا على استقرار الدولة ويقائها .
ومن جهة ثانية ، فالعلاقات السياسية بين الدول تحكمها المصالح الحيوية الاستراتيجية ، فتجد الدولة نفسها بين خيارين : إما تعمل على تحقيق مصالحها بغض النظر عن الاعتبارات الاخلاقية ، وإما تراعي الاخلاق التي قد لا تتفق مع مصالحها ، فتفقدها ويكون مصيرها الضعف والانهيار .
1جـ - النقد :ولكن القول أن الانسان شرير بطبعه مجرد زعم وإفتراض وهمي ليس له أي أساس من الصحة ؛ فالانسان مثلما يحمل الاستعداد للشر يحمل أيضا الاستعداد للخير ، ووظيفة الدولة تنمية جوانب الخير فيه ، أما لجوئها الى القوة فدليل على عجزها عن القيام بوظيفتها ، والا فلا فرق بين الدولة كمجتمع سياسي منظم والمجتمع الطبيعي حيث يسود منطق الظلم والقوة .
هذا ، واستقراء ميكيافيلي للتاريخ إستقراء ناقص ، مما لا يسمح بتعميم أحكامه ، فهو يؤكد – من التاريخ – زوال الدول التي بنيت على اسس أخلاقية ، غير أن التاريخ نفسه يكشف ان الممارسة السياسية في عهد الخلفاء الراشدين كانت قائمة على اساس من الاخلاق ، والعلاقة بين الخليفة والرعية كانت تسودها المحبة والاخوة والنصيحة ، مما أدى الى ازدهار الدولة لا إنهيارها .
وأخيراً ، فالقوة أمر نسبي ، فالقوي اليوم ضعيف غداً ، والواقع أثبت أن الدول والسياسات التي قامت على القوة كان مصيرها الزوال ، كما هو الحال بالنسبة للانظمة الاستبدادية الديكتاتورية .
2-أ-عرض نقيض الاطروحة : وخلافا لما سلف ، يعتقد البعض الاخر أنه من الضروري مراعاة القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية ، سواء تعلق الامر بالعلاقة التي تربط الحاكم والمحكومين على مستوى الدولة الواحدة ، أو على مستوى العلاقات بين الدول . ومعنى ذلك ، أن على السياسي أن يستبعد كل الوسائل اللااخلاقية من العمل السياسي ، وأن يسعى الى تحقيق العدالة والامن وضمان حقوق الانسان الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما دعا إليه أغلب الفلاسفة منذ القديم ، فهذا " أرسطو " يعتبر السياسة فرعاً من الاخلاق ، ويرى أن وظيفة الدولة الاساسية هي نشر الفضيلة وتعليم المواطن الاخلاق . ثم حديثا الفيلسوف الالماني " كانط 1724 –1804 " ، الذي يدعو الى معاملة الانسان كغاية في ذاته وليس كمجرد وسيلة ، كما دعا في كتابه " مشروع السلام الدائم " الى إنشاء هيئة دولية تعمل على نشر السلام وفك النزاعات بطرق سلمية وتغليب الاخلاق في السياسة ، وهو ما تجسد – لاحقا – في عصبة الامم ثم هيئة الامم المتحدة ، كما دعا الى ضرورة قيام نظام دولي يقوم على الديمقراطية والتسامح والعدل والمساواة بين الشعوب والامم . ومن بعده ألـحّ فلاسفة معاصرون على أخلاقية الممارسة السياسية ، أبرزهم الفرنسي " هنري برغسون 1856 – 1941 " و الانجليزي " برتراند رسل 1871 –1969 " .
2-ب-الحجة: إن الدولة خصوصاً والسياسة عموما ً إنما وجدتا لأجل تحقيق غايات أخلاقية منعدمة في المجتمع الطبيعي ، وعليه فأخلاقية الغاية تفرض أخلاقية الوسيلة . كما أن ارتباط السياسة بالاخلاق يسمح بالتطور والازدهار نتيجة بروز الثقة بين الحكام والمحكومين ، فينمو الشعور بالمسؤولية ويتفانى الافراد في العمل .
ثم ان غياب الاخلاق وابتعادها من المجال السياسي يوّلد انعدام الثقة والثورات على المستوى الداخلي ، أما على المستوى الخارجي فيؤدي الى الحروب ، مع ما فيها من ضرر على الامن والاستقرار وإهدار لحقوق الانسان الطبيعية ، وهذا كله يجعل الدولة تتحول الى أداة قمع وسيطرة واستغلال .
2-جـ النقد :لا يمكن إنكار أهمية دعوة الفلاسفة الى أخلاقية الممارسة السياسية ، إلا ان ذلك يبقـى مجرد دعوة نظرية فقط ، فالقيم الاخلاقية وحدها – كقيم معنوية – لا تكفي لتجعل التظيم السياسي قوياً قادراً على فرض وجوده وفرض احترام القانون ، ولا هي تستطيع ايضاً ضمان بقاء الدولة واستمرارها ، وهو الامر الذي يؤكد صعوبة تجسيد القيم الاخلاقية في الممارسة السياسية .
3-التركيب :وفي الواقع أنه لا يمكن الفصل بين الاخلاق والسياسة ، لذلك فغاية الممارسة السياسية يجب أن تهدف الى تجسيد القيم الاخلاقية وترقية المواطن والحفاظ على حقوقه الاساسية ، دون إهمال تحقيق المصالح المشروعة التي هي اساس بقاء الدولة وازدهارها .
III– حل المشكلة :وهكذا يتضح ، أنه لا يمكن إطلاقا إبعاد القيم الاخلاقية من الممارسة السياسية رغم صعوبة تجسيدها في الواقع . ومن جهة أخرى ، فالاخلاق بدون قوة ضعف ، والقوة بدون أخلاق ذريعة للتعسف ومبررللظلم . وعليه فالسياسي الناجح هو الذي يتخذ من القوة وسيلة لتجسيد القيم الاخلاقية وأخلاقية الممارسة السياسية .
المقالة الخامسة :هل الشعور كافٍ لمعرفة كل حياتنا النفسية ؟ جدلية .
I – طرح المشكلة :ان التعقيد الذي تتميز به الحياة النفسية ، جعلها تحظى باهتمام علماء النفس القدامى والمعاصرون ، فحاولوا دراستها وتفسير الكثير من مظاهرها . فاعتقد البعض منهم ان الشعور هو الاداة الوحيدة التي تمكننا من معرفة الحياة النفسية ، فهل يمكن التسليم بهذا الرأي ؟ او بمعنى آخر : هل معرفتنا لحياتنا النفسية متوقفة على الشعور بها ؟
II – محاولة حل المشكلة :
1-أ- عرض الاطروحة :يذهب انصارعلم النفس التقليدي من فلاسفة وعلماء ، الى الاعتقاد بأن الشعور هو أساس كل معرفة نفسية ، فيكفي ان يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكلٍ واضح على كل ما يحدث في ذاته من احوال نفسية او ما يقوم به من افعال ، فالشعور والنفس مترادفان ، ومن ثـمّ فكل نشاط نفسي شعوري ، وما لا نشعر به فهو ليس من انفسنا ، ولعل من ابرز المدافعين عن هذا الموقف الفيلسوفان الفرنسيان " ديكارت " الذي يرى أنه : « لا توجد حياة أخرى خارج النفس الا الحياة الفيزيولوجية » ، وكذلك " مين دو بيران " الذي يؤكد على أنه : « لا توجد واقعة يمكن القول عنها انها معلومة دون الشعور بها » . وهـذا كله يعني ان الشعور هو اساس الحياة النفسية ، وهو الاداة الوحيدة لمعرفتها ، ولا وجود لما يسمى بـ " اللاشعور " .
1-ب- الحجة :ويعتمد انصار هذا الموقف على حجة مستمدة من " كوجيتو ديكارت " القائل : « أنا أفكر ، إذن أنا موجود » ، وهذا يعني ان الفكر دليل الوجود ، وان النفس البشرية لا تنقطع عن التفكير الا اذا انعم وجودها ، وان كل ما يحدث في الذات قابل للمعرفة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ، اما اللاشعور فهو غير قابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود .
اذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع ان نقول عن الانسان السّوي انه يشعر ببعض الاحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرار من خصائص الشعور .
ثـم إن القول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا يتناقض مع حقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، فلا يمكن الجمع بين النقيضين الشعور واللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر .
وأخيرا ، لو كان اللاشعور موجودا لكان قابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لا نشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا لأنه نفسي ، وماهو نفسي باطني وذاتي . وهذا يعني ان اللاشعور غير موجود ، وماهو موجود نقيضه وهو الشعور .
1-جـ- النقد :ولكن الملاحظة ليست دليلا على وجود الاشياء ، حيث يمكن ان نستدل على وجود الشئ من خلال آثاره ، فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية او التيار الكهربائي ، ورغم ذلك فاثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما .
ثم ان التسليم بأن الشعورهو اساس الحياة النفسية وهو الاداة الوحيدة لمعرفتها ، معناه جعل جزء من السلوك الانساني مبهما ومجهول الاسباب ، وفي ذلك تعطيل لمبدأ السببية ، الذي هو اساس العلوم .
2-أ- عرض نقيض الاطروحة : بخلاف ما سبق ، يذهب الكثير من انصار علم النفس المعاصر ، ان الشعور وحده ليس كافٍ لمعرفة كل خبايا النفس ومكنوناتها ، كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالانسان لا يستطيع – في جميع الاحوال – ان يعي ويدرك اسباب سلوكه . ولقد دافع عن ذلك طبيب الاعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسي " سيغموند فرويد " الذي يرى أن : « اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الادلة التي تثبت وجود اللاشعور » . فالشعور ليس هـو النفس كلها ، بل هناك جزء هام لا نتفطن – عادة – الى وجوده رغم تأثيره المباشر على سلوكاتنا وأفكارنا وانفعالاتنا ..
2-ب- الحجة :وما يؤكد ذلك ، أن معطيات الشعور ناقصة ولا يمكنه أن يعطي لنا معرفة كافية لكل ما يجري في حياتنا النفسية ، بحيث لا نستطيع من خلاله ان نعرف الكثير من أسباب المظاهرالسلوكية كالاحلام والنسيان وهفوات اللسان وزلات الاقلام .. فتلك المظاهر اللاشعورية لا يمكن معرفتها بمنهج الاستبطان ( التأمل الباطني ) القائم على الشعور ، بل نستدل على وجودها من خلال اثارها على السلوك . كما أثبت الطب النفسي أن الكثير من الامراض والعقد والاضطرابات النفسية يمكن علاجها بالرجوع الى الخبرات والاحداث ( كالصدمات والرغبات والغرائز .. ) المكبوتة في اللاشعور.
2جـ - النقد :لا شك ان مدرسة التحليل النفسي قد أبانت فعالية اللاشعور في الحياة النفسية ، لكن اللاشعور يبقى مجرد فرضية قد تصلح لتفسير بعض السلوكات ، غير أن المدرسة النفسية جعلتها حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل في الحياة النفسية من الشعور الى اللاشعور ، الامر الذي يجعل الانسان اشبه بالحيوان مسيّر بجملة من الغرائز والميول المكبوتة في اللاشعور.
3- التركيب :وهكذا يتجلى بوضوح ، أن الحياة النفسية كيان معقد يتداخل فيه ماهو شعوري بما هو لاشعوري ، أي انها بنية مركبة من الشعور واللاشعور ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها .
III– حل المشكلة :وهكذا يتضح ، أن الانسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا ادراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه الا من خلال التحليل النفسي ، مما يجعلنا نقول أن الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حيتنا النفسية
الطريقة: الجدلية
الدرس: الشغل و التنظيم الاقتصادي
الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟
تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟ .
يرى أنصار النظام الليبرالي ـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد الطلب قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي تقوم على مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم سميث أحد منظري الليبرالية دعه يعمل أتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم هاتين الحركتين و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ، وما يميز هذا النظام أنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ، و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ، لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ .
أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ، وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ كما أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب المادي على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية العالمية بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في شكل لا يعرف حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا فإنه لا يوجد تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها) .
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ ويرى ماركس أن المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها : الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ وكذلك التخطيط المركزي بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار الفلاحي وفتح المجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة فائض الإنتاج والصراع الطبقي وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام الاشتراكي يعتمد كلية على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتحت الدولة المجال أمام نظام النقابات وذلك لحماية حقوق العمال وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيه بالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام الشيوعي ومنها ما هو وسط بين الطرفين .
لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج الاقتصادية ، كما أن توجه الدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق و الانفتاح على العالم وهذا ما يؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ .
إن النظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما ينظر للحياة الاقتصادية نظرة مادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، غير أن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتني بالنواحي الإنسانية عناية خاصة فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعد عامة لتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و المجتمع وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحيالملكية لقوله أرضا ميتة فهي له)، ولكن قيدها بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كل شيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإسلام حرم كل أنواع الربا و الغش و الاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة ولا العدالة الاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال و البنون زينة الحياة الدنيا و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )
الطريقة:جدلية الدرس: الطبيعة والثقافة.
الإشكالية: هل الثقافة ما يضيفه الإنسان إلى الطبيعة أم هي ما يقابلها به؟.
نشأ الفرد في أحضان الطبيعة وخضع لمؤثراتها وقوانين التطور الطبيعي وتكيف مع شتى المؤثرات الطبيعية مثل بقية الكائنات الحية ولأن الوجود الإنساني قائم في أساسه على الجدلية بين الثقافة والطبيعة, والإنسان بحكم طبيعته مطالب بتحقيق وجوده من خلال تأثيره على محيطه وهكذا عندما يقذف بالفرد في الجماعة فانه يأخذ في اكتساب ألوان من التصرفات المختلفة بحيث أنه يتصل بالثقافة وتراثها ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا الإشكال التالي:هل هذا الاتصال هو عبارة عن أشياء يضيفها الإنسان إلى الطبيعة أم يقابلها به ؟
يرى أنصار الاتجاه الذي ينادي بالإضافة أن الطبيعة ليست الحياة البيولوجية ولا الفيزيولوجية التي يولد عليها الفرد فحسب بل أيضا البيئة الفيزيائية التي يستقر فيها المجتمع، إن الثقافة متعددة المفهوم, فهي في اللغة الفرنسية تعني العناية بالأرض أي بفلاحتها وزراعتها ويفهم من هذا أن الأرض من غير ما يضاف إليها من نشاط إنساني لا تنتج شيئا يستجيب لمطالب الإنسان، فالثقافة إذا هي ما يضاف إلى الطبيعة الجغرافية من نباتات أو أنها تتمثل في منتجات الأرض, وإذا نظرنا نظرة الانثروبلوجيين قلنا بان الثقافة ما تنطوي عليه من لغة وتقنية ومؤسسات اجتماعية كثيرة تبقى مدة طويلة بعد موت الأفراد الذين أنتجوها وفي هذا السياق يقول جوزيف فغتر أن الأفراد يذهبون ويجيئون ولكن الثقافة تبقى مستقرة) وكأن الثقافة كل مستقل بذاته له كيانه وقيمته باعتبار أنها (صفة الكائنات الإنسانية مهما كان المكان الذي يحيون فيه أو أسلوبهم في الحياة ) على حد تعبير هوسكو فيتز، فالفرد زاد على البقعة الجغرافية أشياء يسميها بعضهم بالبيـــئة الاصطناعية وهي التي عملت على تخليده انه خالد في الطبيعة بانتاجاته الفنية ومؤلفاته الأدبية والعلمية ومعتقداته الدينية، إلا أن الثقافة تفقد معناها بانعدام الجنس البشري ونجد مارغريت مد إحدى الأنثروبيولوجيات في أمريكا ترى أن الثقافة عبارة عن (استجابة الإنسان لإشباع حاجاته الأساسية فهي عبارة عن الوسائل التي يلجأ إليها الإنسان ليعيش معيشة مريحة في العالم) إذا فالثقافة تسمح للمكتسب بالتلاؤم مع الوسط الطبيعي وتبقى جزءا أساسيا من الحياة الإنسانية.
إن هذا الرأي رغم كل الحجج والأدلة لم يصمد للنقد لأن الواقع يشهد أن الإنسان لم يترك زمام مصيره للطبيعة بل أراد أن تكون له اليد الطولى في تقرير مصيره واستطاع بذلك الخروج من دور التاريخ الطبيعي إلى دور التاريخ الحضاري.
وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار الاتجاه المنادي بالتضاد بحيث يرون أن الإنسان ما كان ليوجد ذلك الصرح الثقافي إلا من اجل التكيف مع البقعة الجغرافية ومن مظاهر
التكيف الدفاع ضد العوامل الفيزيائية القاسية من برودة وحرارة وجبال وبحار, وكذلك خرق ستار الألغاز الطبيعية وتجاوزها.
إن تطور العلوم وظهور الأديان أعطت السيطرة للإنسان فتطور الفرد ثقافيا واجتماعيا جعله ينفصل شيئا فشيئا من آثار البيئة فهو يحاول دائما ابتداع الكثير من الوسائل التي تمكنه من مغالبة سيطرتها ضمانا لبقائه واستقرارا لحياته وقد استطاعت المجتمعات أن تقهر الطبيعة وتذلل صعوباتها فشقت الأنفاق وجففت البحيرات وعمرت الصحاري وغيرت مجاري الأنهار, وكذلك نجد أن الثقافة تغير الكثير من ميولنا الفطرية وتعدل اتجاهاتنا حتى تتمشى في وفاق مع المجتمع ذلك لان معظم الصفات الطبيعية توجد عند الطفل في شكل قدرات كامنة والبيئة الثقافية هي التي تنميها وتغذيها وقد أمكن لحد كبير التدخل في عامل الوراثة وإخضاعه للرقابة الاجتماعية بفضل ما توفره الثقافة من شروط وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الثقافة تقف في وجه الخصائص البيولوجية الفيزيولوجية كمراقب صارم كأنها تنافس الطبيعة ويجدر بنا إذا أن نقابل الثقافة بالطبيعة وذلك من خلال المنجزات الايجابية التي حققها الإنسان فقد كان اقل من الطبيعة فأصبح أعظم منها, لا يعنيه غضبها ولا رضاها لقد أنقذه الدين من الخوف والعجز العقلي كما أن الفن ساعده على الانفلات من الواقع بفضل الخيال من اجل الترويج على النفس وتسليتها.
هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد لأنه لا يمكن نفي الرأي الأول بالإضافة إلى ذلك نجد آن العلاقة تارة في صورة إضافة, وتارة أخرى في صورة مقاومة.
انه من العسير علينا الوقوف على الحد الفاصل بين الثقافة والطبيعة فالتباين الذي يخيل لنا انه موجود بينهما ليس بالتباين المطلق لأن القوانين التي تسيطر على نمو الحياة الطبيعية هي نفسها التي تسيطر على تكوين الحياة الثقافية.
وخلاصة القول يمكننا أن نقول أن الثقافة تبدو علاقتها بالطبيعة تارة في صورة إضافة وتارة أخرى في صورة تضاد وصراع غير انه لا يجب علينا أن نقابل الثقافة بالطبيعة مقابلة مطلقة لأنهما كل متكامل ومتشابك يستعصي التمييز فيه بين الفطري من جهة والمكتسب من جهة أخرى.
قال البروفيسور شاربل عميد كلية الحقوق في جامعة فيينا:<<إن البشرية لتفخر بانتساب محمد إليها ذلك الأمي الذي استطاع أن يأتي بشريعة سنكون نحن الأوربيون اسعد ما نكون, لو وصلنا إلى قمتها بعد ألفي عام >>
يقول مالك بن نبي في كتابه (مشكلة الثقافة):<< الثقافة هي ذلك الدم في جسم المجتمع يغذي حضارته و يحمل أفكاره (الصفوة)كما يحمل أفكار(العامة)و كل من هذه الأفكار منسجم في سائل واحد من الاستعدادات المتشابهة والاتجاهات الموحدة والأذواق المتناسبة>>.
الطريقة:جدلية
الدرس:العادة وأثرها على السلوك.
الإشكال:هل العادة مجرد ميل أعمى أم أنها سلوك إيجابي؟
إن حياة الإنسان لا تقتصر على التأثر بل تتعداها إلى التأثير ويتم له ذلك بتعلمه مجموعة من السلوكات بالتكرار وفي أقصر وقت ممكن والتي تصبح فيما بعد عادات أو هي كما يقول أرسطو طبيعة ثابتة وهي وليدة التكرار،إن العادة تحتل جانبا كبيرا في حياة الفرد ولهذا فقد اختلف الفلاسفة في تفسير العادة وأثرها،ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي:هل اكتساب العادات يجعل من الإنسان مجرد آلة أم أنها تثري حياته؟،أو بالأحرى هل العادة مجرد ميل أعمى أم أنها تمثل سلوك إيجابي في حياة الفرد؟.
يرى أصحاب الرأي الأول(جون جاك روسو،بافلوف،كوندياك).أن للعادة آثار سلبية على حياة الأفراد،فهي تسبب الركود وتقضي على المبادرات الفردية والفاعلية وتستبد بالإرادة فيصير الفرد عبدا لها فسائق السيارة الذي تعود على السير في اليمين يواجه صعوبة كبيرة إذا ما اضطر إلى قيادة سيارته في اليسار ففي مثل هذه الحالة تتعارض العادات القديمة مع العادات الجديدة،كذلك أنها تضعف الحساسية وتقوي الفعالية العفوية على حساب الفعالية الفكرية،فالطبيب يتعود على ألا ينفعل لما يقوم به من تشريحات والمعاينة المستديمة لمشهد البؤس فيما يقول روسو(إن كثرة النظر إلى البؤس تقسي القلوب)،وقد نبه الشاعر الفرنسي سولي برودوم: (أن جميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا بحركاتهم آلات)ثم إن العادة تقضي على كل تفكير نقدي إنها تقيم في وجه الإنسان عقبة إبستيمولوجية خطيرة فالحقيقة التي أعلن عنها الطبيب هانري حول الدورة الدموية في الإنسان ظل الأطباء يرفضونها نحو أربعين سنة لأنهم اعتادوا على فكرة غير هذه ولقد بين برغسون بأن روتينات الأخلاق المشتركة ما هي سوى المبادرات القديمة التي جاء بها الأبطال والقديسون.وللعادة خطر في المجال الاجتماعي حيث نرى محافظة العقول التقليدية على القديم و الخرافات مع وضوح البراهين على بطلانها إنها تمنع كل تحرر من الأفكار البالية وكل ملاءمة مع الظروف الجديدة ،فالعادة إنما هي رهينة بحدودها الزمنية والمكانية التي ترعرعت فيها وهذا ما جعل روسو يقول(إن خير عادة للطفل هي ألا يعتاد شيئاً).
لكن رغم هذه الحجج لا ينبغي أن نجعل من هذه المساوئ حججاً للقضاء على قيمة العادة فهناك قبل كل شيء ما يدعو إلى التمييز بين نوعين من العادات (العادات المنفعلة والعادات الفاعلة).ففي الحالة الأولى الأمر يتعلق باكتساب حالة أو بمجرد تلاؤم ينجم عن ضعف تدريجي عن الفكر،وفي الحالة الأخرى يتعلق الأمر بالمعنى الصحيح لقيمة للعادة في الجوانب الفكرية والجسمية ولهذا فإن للعادة وجه آخر تصنعه الإيجابيات.
على عكس الرأي الأول فإذا كانت العادة طبيعة ثابتة تقل فيها الفاعلية وتقوى فيها العفوية والرتابة،إلا أن هذه الطبيعة المكتسبة ضرورية لتحقيق التلاؤم والتكيف بين الإنسان وبيئته فلا يمكن لأي شخص أن يعيش ويتكيف مع محيطه دون أن يكتسب عادات معينة ثم أن المجتمع ذاته لا يمكن أن يكون دون أن يفرض على أفراده مجموعة من العادات التي ينبغي أن يكتسبوها كلهم،ومثال ذلك أن يتعلم الضرب أو العزف على آلة موسيقية أخرى وقد بين*آلان*في قوله[]إن العادة تمنح الجسم الرشاقة والسيولة).وإن تعلم عادة معينة يعني قدرتنا على القيام بها بطريقة آلية لا شعورية وهذا ما يحرر شعورنا وفكرنا للقيام بنشطات أخرى فحين نكتب مثلاً لا ننتبه للكيفية التي نحرك بها أيدينا على الورقة بل نركز جل اهتمامنا على الأفكار،إذاً فإن عاداتنا أسلحة في أيدينا نستعملها لمواجهة الصعوبات والظروف الأخرى،وكذلك نجد من تعلم النظام والعمل المتقن والتفكير العقلاني المنطقي لا يجد صعوبات كبيرة في حياته المهنية على خلاف غيره من الأشخاص وكل هذا يجعلنا نقر بإيجابية العادة.
بالرغم من إيجابيات العادة إلا أنها تشكل خطراً عظيما في بعض الأحيان،وهذا ما نبه إليه رجال الأخلاق الذين لهم تجارب عدة في تبيين سلبيات العادة فنبهوا مراراً على استبداد العادة وطغيانها،فمن تعلم عادة أصبح عبدا لها،وعلى الرغم من الفوائد التي تنطوي عليها فإن لها أخطار جسيمة.
إن العادة تكون إيجابية أو سلبية وفقا لعلاقتها بالأنا،فإذا كانت الأنا مسيطرة عليها فإن العادة في هذه الحالة بمثابة الآلة التي نملكها ونستعملها حينما نكون بحاجة إليها وقت ما نريد،لكن العادة قد تستبد بالأنا(الإرادة) فتكون عندئذ عائقا حقيقيا ومن ثم يكون تأثيرها سلبيا بالضرورة.
وخلاصة القول أن السلوك الإنساني مشروط بمجموعة من العوامل الفطرية والمكتسبة و تشكل العادة أهم جانب من السلوك المكتسب،ولتحقيق التوافق بين الشخص ومطالب حياته المادية و المعنوية أو هي كما يقول شوفالي[]إن العادة هي أداة الحياة أو الموت حسب استخدام الفكر لها) أو بتعبير أحسن أن يستخدمها الفكر لغاياته أو أن يتركها لنفسها
مقال استقصاء بالرفع حول العادة و الإرادة.
________________________________________
الموضوع: فند القول: العادة تعزز الإرادة.
مقدمة :طرح المشكلة
العادة هي اكتساب قدرة على أداء عمل بطريقة آلية مع الاقتصاد في الوقت و الجهــــد. و اعتبار العادة سلوكا آليا جعل البعض ينظر إليها على أنها عائق للإرادة، غير أن البعض يرى في العادة سلوكا معززا للإرادة. و تبدو هذه الأطروحة باطلة فما هي مبررات إبطالها؟
عرض الأطروحة: العادة تعزز الإرادة:
إن العادة فعل إيجابي يوفر للإنسان الجهد الفكري والعضلي فيؤدي إلى السرعة في الإنجاز والدقة مع الإتقان في العمل. إن العادة قد تمكننا من إنجاز أكثر من عمل في وقت واحد.
- العادة تؤدي إلى الدقة و الإتقان في العمل و نتبين ذلك بشكل جلي عند الضارب على آلات الراقنة أو في الصناعات التقليدية ، و العادة تمكننا من التكيف مع المواقف الجديدة، وتساعد على اكتساب عادات شبيهة ... كما أنها تحرر الانتباه و الفكــر و تجعله مهيئا لتعلم أشياء جديدة و بذا تكون العادة دافعا للتطور.
- في المجال النفسي والاجتماعي: يمكن التعود على سلوكات إيجابية مثل ضبط النفس، وكظم الغيظ ... و مما سبق نستنتج أن العادة ليست مجرد سلوك يقتصر على تكرار حركات روتينية رتيبة دائما لأن العادة تقدم لنا ما لم تقدمه الطبيعة فهي تنوب مناب السلوك الغريزي و تجعل المرء أكثر استعدادا لمواجهة المواقف الجديدة. لذا قيل: "لو لا العادة لكنا نقضي اليوم كاملا للقيام بأعمال تافهة". و هذا ما جعل تيسير شيخ الأرض يقول:" إن الإرادة هي قضية عادة".
نقد أنصار الأطروحة: العادة عائق للإرادة.
إن الآلية المجسدة في العادة تشل حركة التفكير وتقضي على الإرادة وروح الخلق والإبداع. كما أنها تعطل في الإنسان حركة البحث لأن الفرد وفي دائما لما تعلمه واعتاد عليه. إن الطبيعة البشرية تميل إلى الفعل السهل وتتجنب الأفعال الصعبة خوفا من جهد الإبداع وخطر التقدم.
-العادة تقتل الروح النقدية: إن العادة تقف في وجه المعرفة كعقبة ابستمولوجية، إن التاريخ يذكر أن كوبرنيك أحرق لأنه جاء بفكرة مخالفة لما تعوده الناس آنذاك من أن الأرض هي مركز الكون و غاليلي هدد بالموت إن لم يتراجع عن فكرته من أن الأرض تدور.
للعادة خطر في المجال الاجتماعي: ذلك أنها تمنع كل تحرر من الأفكار و العادات البالية إنها تقف ضد كل تقدم اجتماعي و ما صراع الأجيال سوى مظهر لتأثير العادة في النفــــوس و العقول...إلخ.
- في المجال الأخلاقي: نجد الطابع الآلي للعادة يقضي على بعض الصفات الإنسانية الرفيعة مثل أخلاق الشفقة، الرحمة ... فالمجرم المحترف لهذا الفعل لا يكترث لعواقب إجرامه وما تلحقه من أضرار نفسية ومادية بضحاياه.
- و قال الشاعر الفرنسي سولي برودوم "الجميع الذين تستولي عليهم قوة العادة يصبحون بوجوههم بشرا و بحركاتهم آلات".
- في المجال الحيوي: إن العادة قد تسبب تشوهات جسمانية بفعل التعود على استعمال عضو دون آخر، أو التعود على تناول مادة معينة كالتدخين مثلا أو المخدرات ... لأن العادة بعد تكونها تصبح طبيعة ثانية - كما يقول أرسطو – مما يجعل إزالتها أمرا صعبا.
- في المجال الاجتماعي: قد ترسخ العادات الاجتماعية وتسيطر على سلوك الإنسان ، ومن هنا يصعب تغيير العادات البالية حتى ولو ثبت بطلانها بالحجة والدليل مثل محاربة الخرافات والأساطير. هذه السلبيات وغيرها توحي بأن العادة فعل يحافظ على الماضي من أفعال وأفكار، وتقف في كثير من الأحيان أمام التقدم والتطور وهو ما جعل ج ج روسو J. J. Rousseau يدعو صراحة إلى تجنب اكتساب أي عادة كانت أصلا حيث قال: " خير عادة يتعلمها الطفل هي أن لا يعتاد شيئا ".
التأكيد على الإبطال: حجج شخصية تبطل القول أن العادة تعزز الإرادة.
إن العادة عندما تستبد بالإنسان تجعل سلوكه متحجرا جامدا ، و بذلك في تعيق الإرادة عن أداء وظيفتها و المتمثلة في التجديد و الإبداع و هو جوهر الإنسان. فالإنسان يتميز بالتغيــر و التطور. و العادة تحول دون ذلك. و منه فالإرادة تعني القضاء على العادة.
الخاتمة حل المشكلة: على ضوء ما سبق ننتهي إلى أن الأطروحة القائلة بأن العادة تعزز الإرادة أطروحة باطلة و لا يمكن الدفاع عنها. الأستاذ م/ب
نص السؤال :
يقول هنري بوان كاريه : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » أطروحة فاسدة وتقرر لديك الدفاع عنها فما عسا ك أن تفعل ؟
الإجابة النموذجية : طريقة استقصاء بالوضع
طرح المشكلة :
إن الفرضية هي تلك الفكرة المسبقة التي توحي بها الملاحظة للعالم ، فتكون بمثابة خطوة تمهيدية لوضع القانون العلمي ، أي الفكرة المؤقتة التي يسترشد بها المجرب في إقامته للتجربة . ولقد كان شائعا بين الفلاسفة والعلماء من أصحاب النزعة التجريبية أنه لم يبق للفرضية دور في البحث التجريبي إلا أنه ثمة موقف آخر يناقض ذلك متمثلا في موقف النزعة العقلية التي تؤكد على فعالية الفرضية و أنه لا يمكن الاستغناء عنها لهذا كان لزاما علينا أن نتساءل كيف يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة؟ هل يمكن تأكيدها بأدلة قوية ؟ و بالتالي تبني موقف أنصارها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة :
يذهب أنصار الاتجاه العقلي إلى أن الفرضية كفكرة تسبق التجربة أمر ضروري في البحث التجريبي ومن أهم المناصرين للفرضية كخطوة تمهيدية في المنهج التجريبي الفيلسوف الفرنسي كلود برنار ( 1813 – 1878 ) و هو يصرح بقوله عنها « ينبغي بالضرورة أن نقوم بالتجريب مع الفكرة المتكونة من قبل» ويقول في موضع أخر « الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع و إليها ترجع كل مبادرة » وبالتالي نجد كلود برنار يعتبر الفرض العلمي خطوة من الخطوات الهامة في المنهج التجريبي إذ يصرح « إن الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتحكمها والتجربة تحكم بدورها على الفكرة » أما المسلمة المعتمدة في هذه الأطروحة هو أن " الإنسان يميل بطبعه إلى التفسير و التساؤل كلما شاهد ظاهرة غير عادية " وهو في هذا الصدد يقدم أحسن مثال يؤكد فيه عن قيمة الفرضية و ذلك في حديثه عن العالم التجريبي " فرانسوا هوبير" ، وهو يقول أن هذا العالم العظيم على الرغم من أنه كان أعمى فإنه ترك لنا تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجربها ،،ولم تكن عند خادمه هذا أي فكرة علمية ، فكان هوبير العقل الموجه الذي يقيم التجربة لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره وكان الخادم يمثل الحواس السلبية التي تطبع العقل لتحقيق التجربة المقامة من أجل فكرة مسبقة . و بهذا المثال نكون قد أعطينا أكبر دليل على وجوب الفرضية وهي حجة منطقية تبين لنا أنه لا يمكن أن نتصور في تفسير الظواهر عدم وجود أفكار مسبقة و التي سنتأكد على صحتها أو خطئها بعد القيام بالتجربة .
نقد خصوم الأطروحة :
هذه الأطروحة لها خصوم وهم أنصار الفلسفة التجريبية و الذين يقرون بأن الحقيقة موجودة في الطبيعة و الوصول إليها لا يأتي إلا عن طريق الحواس أي أن الذهن غير قادر على أن يقودنا إلى حقيقة علمية . والفروض جزء من التخمينات العقلية لهذا نجد هذا الاتجاه يحاربها بكل شدة ؛ حيث نجد على رأس هؤلاء الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل ( 1806 - 1873 ) الذي يقول فيها « إن الفرضية قفزة في المجهول وطريق نحو التخمين ، ولهذا يجب علينا أن نتجاوز هذا العائق وننتقل مباشرة من الملاحظة إلى التجربة »وقد وضع من أجل ذلك قواعد سماها بقواعد الاستقراء متمثلة في : ( قاعدة الاتفاق أو التلازم في الحضور _ قاعدة الاختلاف أو التلازم في الغياب – قاعدة البواقي – قاعدة التلازم في التغير أو التغير النسبي ) وهذه القواعد حسب " مل " تغني البحث العلمي عن الفروض العلمية . ومنه فالفرضية حسب النزعة التجريبية تبعد المسار العلمي عن منهجه الدقيق لاعتمادها على الخيال والتخمين المعرض للشك في النتائج – لأنها تشكل الخطوة الأولى لتأسيس القانون العلمي بعد أن تحقق بالتجربة – هذا الذي دفع من قبل العالم نيوتن يصرح ب : « أنا لا أصطنع الفروض » كما نجد "ما جندي" يرد على تلميذه كلود برنار : «اترك عباءتك ، و خيالك عند باب المخبر » . لكن هذا الموقف ( موقف الخصوم ) تعرض لعدة انتقادات أهمها :
- أما عن التعرض للإطار العقلي للفرض العلمي ؛ فالنزعة التجريبية قبلت المنهج الاستقرائي وقواعده لكنها تناست أن هذه المصادر هي نفسها من صنع العقل مثلها مثل الفرض أليس من التناقض أن نرفض هذا ونقبل بذاك .
- كما أننا لو استغنينا عن مشروع الافتراض للحقيقة العلمية علينا أن نتخلى أيضا عن خطوة القانون العلمي – هو مرحلة تأتي بعد التجربة للتحقق من الفرضية العلمية - المرحلة الضرورية لتحرير القواعد العلمية فكلاهما – الفرض ، القانون العلمي – مصدران عقليان ضروريان في البحث العلمي عدمهما في المنهج التجريبي بتر لكل الحقيقة العلمية .
- كما أن عقل العالم أثناء البحث ينبغي أن يكون فعالا ، وهو ما تغفله قواعد "جون ستيوارت مل "التي تهمل العقل و نشاطه في البحث رغم أنه الأداة الحقيقية لكشف العلاقات بين الظواهر عن طريق وضع الفروض ، فدور الفرض يكمن في تخيل ما لا يظهر بشكل محسوس .
- كما أننا يجب أن نرد على "جون ستيوارت مل" بقولنا أنه إذا أردنا أن ننطلق من الملاحظة إلى التجربة بالقفز وتجاهل الفرضية فنحن مضطرين لتحليل الملاحظة المجهزة تحليلا عقليا و خاصة إذا كان هذا التحليل متعلق بعالم يتصف بالروح العلمية . يستطيع بها أن يتجاوز تخميناته الخاطئة ويصل إلى تأسيس أصيل لنظريته العلمية مستعملا الفرض العلمي لا متجاوزا له .
الدفاع عن الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى الدفاع مرة أخرى عن الأطروحة القائلة : « إن التجريب دون فكرة سابقة غير ممكن ... » ، ولكن بحجج وأدلة جديدة تنسجم مع ما ذهب إليه كلود برنار أهمها :
- إن الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل أكثر مما يرجع إلى تأثير الأشياء يقول " ويوال " : « إنا لحوادث تتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يحي الفكر المبدع .» والفرض علمي تأويل من التأويلات العقلية .
- إن العقل لا يستقبل كل ما يقع في الطبيعة استقبالا سلبيا على نحو ما تصنع الآلة ، فهو يعمل على إنطاقها مكتشفا العلاقات الخفية ؛ بل نجد التفكير العلمي في عصرنا المعاصر لم يعد يهمه اكتشاف العلل أو الأسباب بقدر ما هو اكتشاف العلاقات الثابتة بين الظواهر ؛ والفرض العلمي تمهيد ملائم لهذه الاكتشافات ؛ لأن الفرض من قبيل الخيال ومن قبيل واقع غير الواقع المحسوس ، ألم يلاحظ أحد الفلكيين مرة ، الكوكب "نبتون" قبل " لوفيري " ؟ولكنه ، لم يصل إلى ما وصل إليه " لوفيري " ، لأن ملاحظته العابرة لم تسبق فكرة أو فرض .
- لقد أحدثت فلسفة العلوم تحسينات على الفرض – خاصة بعد جملة الاعتراضات التي تلقاها من النزعة التجريبية - ومنها : أنها وضعت لها ثلاثة شروط ( الشرط الأول يتمثل : أن يكون الفرض منبثقا من الملاحظة ، الشرط الثاني يتمثل : ألا يناقض الفرض ظواهر مؤكدة تثبت صحتها ، أما الشرط الأخير يتمثل : أن يكون الفرض كافلا بتفسير جميع الحوادث المشاهدة، - ومع ذلك ، يبقى الفرض أكثر المساعي فتنة وفعالية ، بل المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها سواء كانت صحته مثبتة أو غير مثبتة ، لأن الفرض الذي لا تثبت صحته يساعد بعد فشله على توجيه الذهن وجهة أخرى وبذلك يساهم في إنشاء الفرض من جديد ؛ فالفكرة إذن منبع رائع للإبداع مولد للتفكير في مسائل جديدة لا يمكن للملاحظة الحسية أن تنتبه لها بدون الفرض العلمي .
حل المشكلة :
نستنتج في الأخير أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار دور الفرضية أو استبعاد آثارها من مجال التفكير عامة ، لأنها من جهة أمر عفوي يندفع إليه العقل الإنساني بطبيعته ، ومن جهة أخرى وهذه هي الصعوبة ،تعتبر أمرا تابعا لعبقرية العالم وشعوره الخالص وقديما تنبه العالم المسلم الحسن بن الهيثم ( 965 - 1039 ) - قبل كلود برنار _ في مطلع القرن الحادي عشر بقوله عن ضرورة الفرضية « إني لا أصل إلى الحق من آراء يكون عنصرها الأمور الحسية و صورتها الأمور العقلية » ومعنى هذا أنه لكي ينتقل من المحسوس إلى المعقول ، لابد أن ينطلق من ظواهر تقوم عليها الفروض ، ثم من هذه القوانين التي هي صورة الظواهر الحسية .وهذا ما يأخذنا في نهاية المطاف التأكيد على مشروعية الدفاع وبالتالي صحة أطروحتنا
المقالة الثامنة :هل يمكن اعتبار القوة وسيلة مشروعة لنيل الحقوق ؟ الطريقة : جدلية
طرح المشكلة : إن العدالة مبدأ أخلاقي سامي ، سعت المجتمعات قديمها وحديثها الى جعلها واقعا ملموسا بين افرداها ، ولا يمكن ان يحصل ذلك الا اذا أُعطي كل ذي حق حقه ، والحق هو الشيئ الثابت الذي لا يجوز إنكاره طبيعيا كان او اجتماعيا او اخلاقيا . الا ان المفكرين والفلاسفة اختلفوا في الوسائل التي تمكننا من نيل هذه الحقوق ، فاعتقد البعض منهم بأن القوة وسيلة مشروعة لتحقيقها ، فهل يمكن اعتبار القوة – حقيقة – آداة مشروعة لنيل الحقوق ؟ بمعنى : هل يمكن تأسيس الحقوق على أساس القوة ؟
محاولة حل المشكلة :
1-أ- الاطروحة : لقد ذهب فريق من الفلاسفة الى اعتبار القوة آداة مشروعة لنيل الحقوق ، واساس سليما يمكن ان تقوم عليه هذه الحقوق ، ونجد من بين هؤلاء المفكر الايطالي " ميكيافيلي " الذي يرى أن : « الغاية تبرر الوسيلة » ، حتى وان كانت الوسيلة لا اخلاقية ، فإذا كان الانتصار ومن ثـمّ نيل الحقوق هو ضالة الحاكم وهدفه ، فلابد من استعمال القوة اذا كان الامر يستدعي ذلك . اما الفيلسوف الانجليزي " توماس هوبز " فيرى ان القوي هو الذي يحدد الخير والشر . بينما الفيلسوف الهولندي " سبينوزا " يرى : « أن كل فرد يملك من الحق بمقدار ما يملك من القوة » كما أشاد الفيلسوف الالماني " نيتشه " بإرادة القوة حلى حساب الضعفاء . ونجد – في الاخير –. الفيلسوف الالماني المادي " كارل ماركس " الذي يذهب الى ان الحقوق ماهي الا مظهرا لقوة الطبقة المسيطرة اجتماعيا والمهيمنة اقتصاديا . وعليه فالقوة – حسب هؤلاء – آداة مشروعة بل وضرورية لنيل الحقوق .
1-ب- الحجة : وما يؤكد مشروعية القوة كوسيلة لاكتساب الحقوق هو تاريخ المجتمعات الانسانية نفسه ؛ إذ يثبت بأن كثيرا من الحقوق وجدت بفضل استخدام القوة ، فقيام النزاعات والثورات انتهت في معظمها بتأسيس الكثير من الحقوق ، التي صارت فيما بعد موضع اعتراف من طرف الجميع ، مثال ذلك أن الكثير من الشعوب المستعمرة استردت حريتها – كحق طبيعي – بفعل الثورة المسلحة أي القوة العسكرية .
كما ان المجتمع الدولي حاليا يثبت بأن الدول التي تتمتع بحق النقض ( الفيتو) في مجلس الامن هي الدول القوية اقتصاديا واجتماعيا .
1-جـ- النقد : لا ننكر ان بعض الحقوق تـمّ نيلها عن طريق القوة ، لكن ذلك لا يدعونا الى التسليم أنها – أي القوة – وسيلة مشروعة للحصول على جميع الحقوق ، لأن ذلك يؤدي الى انتشار قانون الغاب فيأكل بموجبه القوي الضعيف ، وبالتالي تفسد الحياة الاجتماعية وتهدر الكثير من الحقوق .
اضافة الى ذلك فالقوة امر نسبي أي متغير ، فالقوي اليوم ضعيف غداً والعكس صحيح ، ولأجل ذلك فإن الحق الذي يتأسس على القوة يزول بزوالها .
2-أ- نقيض الاطروحة : خلافا للموقف السابق ، يذهب فريق من الفلاسفة الى الاعتقاد أن القوة لا يمكن ان تعتبر وسيلة سليمة ومشروعة لنيل الحقوق ، ولا ينبغي بأي حال من الاحول ان تكون اساسا للحقوق . و الذين يدافعون عن هذه الوجهة من النظر الفيلسوف الفرنسي " جان جاك روسو " الذي يقول : « إن القوة سلطة مادية ، ولا أرى بتاتا كيف تنجم الاخلاقية من نتائجها » ، فالقوة بهذا المعنى لا يمكن ان تصنع الحق ، ولعل هذه ما ذهب اليه الزعيم الهندي " غاندي " عندما بـيّـن أن استخدام القوة في سبيل نيل الحقوق ماهو سوى مجرد فلسفة مادية لا اخلاقية ، حيث يقول : « اننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصوم ، ولكن بمدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل » . وعلى هذا الاساس فالقوة غير مشروعة في نيل الحقوق .
2-ب – الحجة : لأنه من التناقض الحصول على حقوق تمتاز بأنها اخلاقية بوسائل لا اخلاقية " القوة " ، فالحقوق من القيم التي تتأسس علها العدالة ، وعليه فالعدل والحق من المبادئ الاخلاقية ومن ثـمّ لا يجوز تحقيقهما بوسائل لا اخلاقية ، لأن أخلاقية الغاية تفرض بالضرورة اخلاقية الوسيلة .
كما ان ثبات الكثير من الحقوق يستبعد تأسيسها على القوة او الاعتماد عليها في تحصيلها ، لأنها متغيرة ، وكل ما تأسس على متغير كان متغيرا بالضرورة .
ثم ان تاريخ المجتمعات يوكد – من جهة أخرى – أن نسبة كبيرة من الحقوق التي يتمتع بها الافراد ، لم يعتمد على القوة في نيلها وتحصيلها .
2- النقد : ولكن القول ان القوة ليست مشروعة في نيل الحقوق ، لا يمنع من كونها وسيلة مشروعة للدفاع عن هذه الحقوق ضد مغتصبيها ، او للمطالبة بها ان اقتضت الضرورة .
3- التركيب : ان الحقوق - من حيث هي مكاسب مادية ومعنوية يتمتع بها الافراد يخولها لهم القانون وتفرضها الاعراف – لا يمكن ارجاعا الى اساس واحد نظرا لتعدد اسسها ، فمنها ما يتأسس على طبيعة الانسان ذاتها ، ومنها ما يتأسس على اساس اجتماعي من حيث ان المجتمع هو الذي يمنحها لأفراده ، ومنها ما يتأسس على ايماننا الباطني بها واحترامنا لها .
حل المشكلة : وهكذا يتضح انه لا يمكن اعتبار القوة اساسا سليما للحقوق ، ولا وسيلة مشروعة لنيلها ، وإن كان ذلك لا يمنعنا من اللجوء الى القوة للدفاع عن الحقوق او المطالبة بها
اللاشعور (خاصة بشعبة الآداب والفلسفة)
المقدمة
تصدر عن الإنسان سلوكات مختلفة لها ظاهر يراه أكثر الناس وباطن يشكل الحياة النفسية والتي يعتبر اللاشعور أحد أجزائها فإذا كان من الشائع إرجاع الحياة النفسية إلي الشعور فإن بعض الأخر يربطها باللاشعور
والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف نبرهن على أن اللاشعور حقيقة علمية ؟
التحليل :
عرض منطق الأطروحة
إن الأطروحة القائلة "اللاشعور حقيقة علمية أطروحة فلسفية وعلمية في آن واحد حيث أثار بعض الفلاسفة العصر الحديث إلى وجود حياة نفسية لاشعورية ومنهم شوزنهاور كما ارتبطت هذه الأطروحة بمدرسة التحليل النفسي والتي أسسها فرويد واللاشعور قيم خفية وعميقة وباطني من الحياة النفسية يشتمل العقد والمكبوتات التي تشكله بفعل الصراع بين مطالب الهو وأوامر ونواهي الأنا الأعلى وبفعل اشتداد الصراع يلجأ الإنسان إلى الكبت ويسجن رغباته في اللاشعور
الدفاع عن منطق الأطروحة
إن هذه الأطروحة تتأسس على أدلة وحجج قوية تثبت وجودها وصحتها ومن أهم هذه الأدلة التجارب العيادية التي قام بها علماء الأعصاب من أمثال شاركوا الذين كانوا بصدد معالجة مرض الهستيريا وبواسطة التنويم المغناطيسي ثم الكشف عن جوانب اللاشعورية تقف وراء هذا المرض ومن الأدلة والحجج التي تثبت اللاشعور الأدلة التي قدمها فرويد والمتمثلة في الأحلام وفلتات اللسان وزلات القلم والنسيان وحجته أنه لكل ظاهرة سبب بينما هذه الظواهر لانعرف أسبابها ولا نعيها فهي من طبيعة لاشعورية وهي تفريغ وتعبير عن العقد والمكبوتات ومن الأمثلة التوضيحية افتتاح المجلس النيابي الجلسة بقوله << أيها السادة أتشرف بأن أعلن رفع الجلسة >>
نقد منطق الخصوم
إن أطروحة اللاشعور تظهر في مقابلها أطروحة عكسية <<أنصار الشعور >> ومن أبرز دعاة هذه الأطروحة ديكارت الذي قال <<أنا أفكر أنا موجود>> والإنسان في نظره يعرف بواسطة الوعي عالمه الخارجي وعالمه الداخلي <<الحياة النفسية >> ونجد أيضا سارتر الذي قال << السلوك في مجري الشعور >>ولكن هذه الأطروحة مرفوضة لأن علم النفس أثبت أن أكثر الأمراض النفسية كالخوف مثلا ينتج دوافع لاشعورية ومن الناحية الواقية هناك ظواهر لانشعر بها ولا يفسرها الوعي ومن أهمها الأحلام.
الخاتمة :
حل الإشكالية
ومجمل القول أن الحياة النفسية تشمل المشاعر و الانفعالات والقدرات العقلية وقد تبين لنا أن الحياة النفسية أساسها اللاشعور وقد أثبتنا ذلك أما الذين ربطوا الحياة النفسية بالشعور فقد تمكنا الرد عليهم ونقد موقفهم ومنه نستنتج الأطروحة القائلة اللاشعور أساس الحياة النفسية أطروحة صحيحة ويمكن الدفاع عنها .