عنوان الموضوع : ما لا تعرفه...عن قصيدة الطين.. لإيليا أبي ماضي باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب

ترشة عمار - ثانوية حساني عبد الكريم - الوادي













قصيدة الطين


إنصافاً لإيليا أبي ماضي، أو لعلي الرميثي، أو لكليهما معاً





في الجزء الثالث من حديث الأربعاء عرض الدكتور طه حسين بالنقد لديوان إيليا أبي ماضي، (الجداول) ويلاحظ أن نقده يتشابه من حيث الجدية والأصالة مع نقد العقاد لقصيدة جبران الطويلة (المواكب).. ذاك النقد الذي دفع الأديبة مي زيادة إلى معاتبة العقاد، لأنه في رأيها قد قسا على جبران!

ولعلي لا أعدو الحقيقة إذا قلت: أن نقد طه حسين لأبي ماضي قد كان أشد قسوة من نقد العقاد لجبران، إذ بينما نجد العقاد قد أثنى ثناء خالصاً على أبيات قليلة في المواكب، فإننا لا نجد في نقد طه حسين أي ثناء خالص، وإنما هو هجوم عنيف في الغالب، فشعر أبي ماضي كله في رأيه مضطرب المعاني، ضعيف الموسيقى، رديء اللغة. والقصيدة الوحيدة التي أثنى عليها ثناء غير خالص، كانت قصيدة الطين، فقد أعجب بمعانيها الإنسانية، وعَدَّ ذلك دليلا على حب الشاعر للمساواة بين البشر، ولذا قال عنه "... تقرأ قصيدته الطين، فترى أنه بلغ من ذلك، ما لم يبلغه كثير من الشعراء المحدثين في الشرق العربي..."

لكنه مع ذلك التفت إلى شكل القصيدة الفني وأعلن عدم رضاه، ثم صب جام نقده على قافيتها فقال: "قصيدة الطين التي كنا نثني منذ حين على معانيها، وحسن تصويرها للمساواة، من أردأ الشعر العربي قافية، وإنباء عن السمع والذوق، ولعل عنوانها كان يحتاج إلى شيء من الذوق. فالشاعر اختار الدال الساكنة قافية لهذه القصيدة، وسكون الدال ثقيل، ينقطع عنده النفس، فإذ ا طال وتكرر في قصيدة غير قصيرة، ضاق به السامع ضيقاً شديداً. ولكن الشاعر يضيف إلى هذا الثقل الطبيعي أثقالاً أخرى فانظر إليه كيف يضيف سكوناً إلى سكون، وانقطاع نفس إلى انقطاع نفس في هذا البيت:

"لكَ في عالم النهار أمانٌ = ورؤىً والظلامُ فوقك مُمتدْ"

فهذه الدال المدغمة لا تطاق، وأنت أن قبلتها على إدغامها كلفت نفسك جهداً ثقيلاً، وأنت إن خففت الإدغام أفسدتَ اللغة إفساداً بغيضاً. فالدال من الحروف التي تكسب القافية متانة ورصانة وجمالاً، إذا تحركت بإحدى الحركات الثلاث، فإذا سكنت منحت القافية ثقلا ثقيلا لا يقبله السمع ولا يطمئن إليه الذوق..."

... ثم مضى طه حسين بعد ذلك فضرب أمثلة على قصائد دالية مشهورة محركة القافية مثل معلقة طرفة، وقصيدة الحطيئة "ألا طرقتنا بعدما هجعوا هندُ" وذلك ليدلل على صحة ما ذهب إليه من قول.

وبعد هذا النقد بسنوات عديدة، أثيرت حول قصيدة الطين ضجة كبيرة وطريفة لسنا ندري على وجه التحقيق هل تناهت إلى أسماع عميد الأدب أم لا؟!

وذلك أن الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي قد خرج على الملأ عام 1954 بقصة يقول فيها:

إنه اكتشف أن قصيدة الطين مسروقة المعاني، سطا بها إيليا أبو ماضي على قصيدة لشاعر بدوي مغمور، عاش في البادية الأردنية القرن الماضي، وأن هذا الشاعر يدعى علي الرميثي.

...وقد أحدثت هذه القصة دوياً هائلاً في الأوساط الأدبية يوم ذاك...وأذيعت من محطة الشرق الأدنى، ثم نشرت في السائح وفي صحف أخرى ولا أظنها تقل عن خمس عشرة صحيفة..."

"الشبه واضح بين القصيدتين"

...والحق أن من يتأمل في المقطوعة البدوية التي أوردها العزيزي للشاعر علي الرميثي، على أنها أصل قصيدة الطين، فإنه لن يخطئ التشابه غير الطبيعي بينها وبين قصيدة أبي ماضي. فبينما نجد على الرميثي يقول فيها مبكتاً قريبه الثري الذي يتكبر عليه لفقره:

"يا خوي ما احنا فحمة ما بها سنى = ولا أنت شمساً تلهب الدوّ بضياه" (الدو: الفلا أو الصحراء

نجد أبا ماضي يقول:

"يا أخي لا تمِلْ بوجهكَ عني = ما أنا فحمة ولا أنتَ فرقدْ"

وبينما نرى الرميثي يقول:

"لصار ما تاكل ذهب يوم تبلى = يا خوي وش نفع الذهب لو تقناه"

نرى أبا ماضي يقول:

"أنتَ لا تأكل النضارَ إذا جعتَ = ولا تشرب الجمان المنضّدْ"

وبينما نرى الرميثي يقول:

"نحلم حلوماً حلوة يوم نرضى = وتمر يوم السعد ما بان طاه"

نجد أبا ماضي يقول:

"ولقلبي كما لقلبكَ أحلامٌ حسانٌ فإنه غير جلمد"

وبينما نجد الرميثي يقول:

"كليتنا للترب نمشي ونحيا = ولا توهمك يا الضَبع نفسك بمشهاه"

نجد أبا ماضي يقول:

أنت مثلي من الثرى وإليهِ = فلماذا يا صاحبي التيه والصدْ"

وبينما نرى الرميثي يقول:

هذا القمر والشمس والنجم تعلا = ومخومسك مثل الخرابيش تنصاه"

ترى أبا ماضي يقول:

قمرٌ واحدٌ يطلّ علينا = وعلى الكوخ والبناء الموطـّدْ

...وهكذا يمكننا أن نمضي بالمقارنة بيتاً بيتاً بين القصيدتين!

رأي أبي ماضي والناعوري

...وقد وقعت التهمة على نفس الشاعر أبي ماضي وقع الصاعقة، فهو فضلاً عن إنكاره الشديد لها، قد أخذ يدبج بجريدته "السفير" المقالات الأدبية، ليهاجم بها العزيزي بأقذع الألفاظ.

ولعل من أبرزها جميعاً المقال الذي نشره في العدد التسعين من السمير عام 1955 فبعد أن هاجم فيه العزيزي بألفاظ عنيفه، وعيّره بأنه معلم صبيان! حام حول التهمة قائلاً: ... قصيدة الطين، ليس لها أخت ولا ضرة في الشعر العربي كله، قديمه وحديثه..."

ويصور لنا عيسى الناعوري في كتابه (إيليا أبو ماضي) وقع القصة على نفس الشاعر المهجري، وردة الفعل عنده، وحدة المعركة بينه وبين خصومه آنذاك...

وإذا كان عبد المسيح حداد قد وقف بجريدته السائح إلى جانب العزيزي يؤازره ويناصره، فأن الناعوي نفسه قد وقف إلى جانب الشاعر أبي ماضي، فكان من أكبر الذائدين عنه التهمة.

وقد حاول الناعوي في دفاعه عنه أن يطعن في قصة العزيزي معتمداً على شيئين رئيسيين: الأول أن الرواة الذين نقل العزيزي عنهم القصيدة كانوا قد أصبحوا في ذمة الله حين خرج العزيزي على المحافل الأدبية بالقضية! والشيء الثاني: أنه سأل عن وجود شاعر بدوي يدعى على الرميثي، بعض أدباء الأردن المعروفين مثل عبد الحليم عباس وحسني فريز والبدوي الملثم فأبدى كل منهم استنكاره واشمئزازه من الحكاية. والناعوري بهذا الطعن حاول أن يوحي بأن القصيدة البدوية منحولة، نظمها العزيزي نفسه أو غيره، ونسبها إلى علي الرميثي المزعوم!

...وقد رد العزيزي على طعن الناعوري في صحة القصيدة البدوية بأن قام بإرسال أسماء خمسة شعراء ورواة أحياء مع إرسال صورهم إلى مجلة الأديب عام 1955 وقال أنهم جميعاً يحفظون القصيدة البدوية المنسوبة إلى علي الرميثي.

ثم قام بنشر كتيب عام 1956 بعنوان (فريسة أبي ماضي) ترجم فيه للشاعر البدوي المغمور، وشرح قصيدته الشبيهة بقصيدة الطين، وأورد له أيضاً قصيدة ممتازة أخرى طويلة تبلغ خمسة وخمسين بيتاً، قال أن البدو يلقبونها بشيخة القصيد لحسنها!

وأذكر أنني سألت العزيزي قبل مدة وجيزة: كيف يمكن أن تكون قصيدة الرميثي قد وصلت إلى الشاعر أبي ماضي، وهو الذي عاش معظم حياته في مصر وفي أمريكا؟! فأجاب بأنه ثبت لديه أو والد إيليا أبي ماضي كان يتجر مع البدو في منطقة مأدبا، وأنه لا يزال إلى اليوم للشاعر أبي ماضي أقارب في منطقة مأدبا، يحتفظون باسم العائلة، وإذن فمن المؤكد – حسب رأيه – أن القصيدة قد تسربت إلى أبي ماضي عن طريق والده أو أحد أقاربه!... والمعروف أن مأدبا مدينة تقطنها الآن عشائر بدوية مسلمة، وعشائر بدوية مسيحية منها عشيرة العزيزي نفسه.

كيف نتلمس الحقيقة؟

لا ريب أن الباحث الحالي لا يستطيع أن يقطع بالرأي في القضية. فالشاعر أبو ماضي قد غادر دنيانا وهو ينكر القصة جملة وتفصيلا، ويؤكد أنها مختلقة، والعزيزي هو الآن (سنة 1983 ) شيخ في التاسعة والسبعين، ولا يزال يؤكد صحة القضية بحرارة وحماسة فائقتين. وموقف الناعوري منها ما زال ثابتاً لم يتغير! ومعنى ذلك أنه على الرغم من مرور أكثر من (ربع قرن) على القضية فإنه لم يطرأ عليها خلال ذلك ما يظهر دعوى فريق على فريق!

وإذن فالباحث لا مناص له من محاولة تلمس الحقيقة من خلال مناقشة أقوال الفريقين والاستئناس بالسلوك الأدبي لكلا الطرفين الرئيسيين فيها، وهما الشاعر أبو ماضي والباحث روكس العزيزي.

أما حجة الناعوري بأن الذين روى عنهم العزيزي القصيدة كانوا قد توفوا حين طلع بالقضية، فيضعفها إرسال العزيزي أسماء خمسة شعراء ورواة أحياء مع صورهم إلى مجلة الأديب على نحو ما قلنا... وأما قوله: أنه سأل بعض أدباء الأردن مثل عبد الحليم عباس وحسني فريز والبدوي الملثم عن الشاعر على الرميثي، فأبدى كل منهم استنكاره، فمن خلال درايتي الوثيقة بأدب هؤلاء أستطيع أن أقول: أنهم ليسوا من الباحثين في الأدب الشعبي الأردني وذلك على النقيض من العزيزي الذي قصر حياته القلمية الطويلة على نشر التراث البدوي الأردني. وإذن فجهل هؤلاء بـعلي الرميثي لا يعني بتاتاً أنه لم يوجد، أو أن ليس له قصيدة بدوية تشبه قصيدة الطين!

وأما قول العزيزي: إن والد الشاعر أبي ماضي كان يتاجر مع بدو منطقة مأدبا، موطن الشاعر الرميثي، فيعوزه الإثبات المادي القاطع! على أنني مع ذلك لا أستغربه ولا أستبعده، فالمعروف أن كثيراً من اللبنانيين كانوا يتجرون مع البدو مطلع هذا القرن (العشرين)، ومنهم على سبيل المثال والد جبران خليل جبران، زعيم أدباء المهجر إذ أن صديقه ميخائيل نعيمة يذكر لنا في كتابه عنه أن والده كان يتاجر مع البدو، وأنه كثيراً ما كان يصطحب جبران معه وهو صغير، كما يذكر أن جبران كان يحفظ بعض الشعر البدوي وأنه كان معجباً بمقطوعة بدوية كان كثيراً ما يتغنى بها في نزهاته ومطلعها يقول" "يا زين على دروب الهوى ضعنا."

وإذن فمتاجرة والد إيليا مع البدو ليست غريبة على أي حال وتبعاً لذلك فوصول شعر بدوي عن طريقه إلى ابنه ليس بعيداً أيضاً!

وأما إيحاء الناعوري بأن "القصيدة البدوية منحولة، نحلها العزيزي"، هو أمر ينبغي افتراضه ومناقشته حقاً. فإنني بعد (تحري) دقيق لحياة العزيزي الأدبية واطلاعي على كل ما كتب تقريباً أستطيع أن أؤكد بأنني لم ألمح أي شيء يجرح الثقة فيه، ولم أعثر له طوال حياته الأدبية الحافلة على سابقة شبيهة بدعواه على أبي ماضي، ولم أجد له أي شعر بدوي من نظمه، مع أنه ظهر لي (العام الماضي) أنه ينظم الشعر الفصيح العمودي، وذلك حين نشر كتابه (جمد الدمع) بمناسبة وفاة زوجته...

يقابل هذا أن في حياة الشاعر أبي ماضي سابقة شبيهة بالتهمة الموجهة إليه، وذلك حين اكتشف الدكتور أحمد زكي أبو شادي مصادفة أن قصيدة أبي ماضي (هي) ليست سوى ترجمة حرفية لقصيدة بالإنجليزية تحت عنوان "نخب الفارس"

وقد أثبت الناعوري في كتابه السابق كلا القصيدتين، وقابل بينهما، واعترف أنه لام أبا ماضي على فعلته.

... وإذن فما الذي يمنع أبا ماضي من أن يكون قد نقل معاني القصيدة البدوية إلى الفصحى بقصيدة (الطين)، كما نقل عن الإنجليزية قصيدة (نخب الفارس) بقصيدة (هي)؟

... ومع أن هذا قد يرجح صحة دعوة العزيزي في القضية، إلا أنه من الإنصاف للحقيقة أن نذكر أن العزيزي كان وما يزال من أخلص أنصار الدكتور أحمد زكي أبي شادي، خصم الشاعر أبي ماضي في المهجر، وإذن فالترجيح أيضاً ينبغي أن نشفعه بالقول: والله أعلم!


تعقيب: أرجّح أن يكون الشاعر علي الرميثي هو السابق لنظم القصيدة، لكن هذا ليس إدانة للشاعر أبي ماضي، إذ قد يكون حفظها صغيراً دون أن يعرف ناظمها، ثم أراد – ربما لشدة إعجابه بها - أن يبرزها في صيغة عصرية بحيث يسهل فهمها على غير الملمّين باللهجة والمفردات البدوية. فإن صح هذا الإحتمال يكون قد أضاف للعربية الفصحى قصيدة جميلة يشكر عليها. ويبقى إيليا أبو ماضي أحد أركان النهضة الأدبية ولن تتأثر مكانته المرموقة بحادثة أو اثنتين من هذا القبيل. كما أفلح هذا الجدل بإبراز شاعر آخر هو علي الرميثي الذي أطل علينا رقيقاً نابهاً من وراء السنين، ورب ضارة نافعة.

---------------------------------------

عمان – توفيق أبو الرب
مجلة العربي – العدد 294
إعداد بتصرف: محمود عباس مسعود









..دعواتكم




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


شكرااااااااااااااااااااااا


=========


>>>> الرد الثاني :

شكرا علي الموضوع المهم

=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========