عنوان الموضوع : البعد الاجتماعي للذاكرة
مقدم من طرف منتديات العندليب

كان لكتابات عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي موريس هالبواكس (Mauric Halbwachs) تأثيرات واضحة على الأبحاث الحديثة حول الذاكرة في مجال العلوم الثقافية , حيث تبلورت عبرها نظرية الذاكرة الجمعية, والتي تعتبر أن عملية التذكر الفردية لا يمكن أن تنشأ أو أن تتم إلا ضمن إطار اجتماعي معين; فعلى عكس التصورات العلمية السائدة في عصره, والتي كانت تنظر إلى الذاكرة وعملية التذكر الفردية كوظيفة بيولوجية محضة, ربط هالبواكس في دراساته حول الذاكرة الجمعية الذكريات الشخصية للفرد بالمجتمع الذي ينتمي إليه, واعتبر أن الإطار الاجتماعي ـ والذي تنشئه ثقافة مجتمع ماـ يسهر على وضع نسق جمعي يجعل الخبرات الفردية قابلة للتذكر و للتفسير.
في كتابه mémoire" sociaux de la cadres Les" (1) الصادر سنة 1925م, قام هالبواكس بشرح
" الطابع الاجتماعي للتذكر الفردي", فحسب هالبواكس, فإن استناد الأفراد في تجديدهم للماضي إلى الإطارات المرجعية الاجتماعية, يجعل ذكرياتهم ذات طابع مرجعي ـ جمعي.
لم تعد الذكريات الفردية إذن متمركزة ومنحصرة في داخل الفرد بل أضحت تملك مكانا لها ضمن المنظومة الاجتماعية كنتيجة لتفاعل هذا الفرد مع محيطه الاجتماعي, فعن طريق الحوار مع الآخرين ( مثلا مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو غيرهم) يتسنى للمرء تذكر محطات وتجارب هامة في حياته.

يتألف المجتمع البشري من مجموعات اجتماعية مختلفة تمتلك كل واحدة منها على حدة رصيد داخلي و مشترك بين أفرادها للذاكرة وللمعرفة. يعتبر هالبفكس الذاكرة المشتركة لجماعة بشرية معينة, شرطا لا محيد عنه لوجود هذه الجماعة نفسها, حيث أن هذه الجماعة البشرية تأسس هويتها عبر فعل التذكر, هذه الهوية الجماعية هي إذن نتيجة للتفسير المشترك للماضي الخاص بهذه الجماعة, بعبارة أخرى تتشكل الهوية المافوق فردية عند الاستدعاء المشترك لماضي تلك المجموعة الاجتماعية. على هذا الأساس يمكن القول أن الذاكرة الجمعية هي ذاكرة الذاكرات الجماعية أو مجموع هاته الذاكرات في مجتمع بشري ما. وهنا أيضا تتجلى بوضوح وظيفة الذاكرة الجمعية, كما يراها هالبواكس, ألا وهي تأسيس "هوية" المجتمع وضمان سيرورتها.

من جهة أخرى, تجدر الإشارة إلى أن معظم النصوص العربية (القليلة) التي تعرضت لهذه المسألة, تخلط بين مفهومي الذاكرة الجماعية (2) والذاكرة الجمعية (3). مما يجعل عملية التفريق بين المستويين الجماعي والجمعي لمفهوم الذاكرة في تلك النصوص ضربا من العبث. هذا اللا تدقيق الاصطلاحي مرده على ما يبدو إلى عدم وجود كتابات مرجعية أو ترجمات معمقة حول الماهية السوسيوتقافية لمفهوم الذاكرة باللغة العربية.
إن الفرق الجوهري بين مفهوم الذاكرة الجماعية ومفهوم الذاكرة الجمعية لدى هالبواكس ـ كما تمت الإشارة إليه آنفا ـ يتجلى في كون الذاكرة الجماعية خاصة بجماعة وحيدة معينة داخل مجتمع ما. أما الذاكرة الجمعية فهي ذاكرة مشتركة بين مختلف الجماعات المكونة للمجتمع, وبعبارة أخرى الذاكرة الجمعية هي مجموع كل هاته الذاكرات الجماعية.

كان لموريس هالبواكس إذن السبق في التنظير للذاكرة كظاهرة مجتمعية وثقافية وبالتالي تفسيرالثقافة والهوية كنتيجة لفهم نشط للذات وكامتلاك جمعي للماضي وليس كنتاج للوراثة البيولوجية كما عبر عنها معاصروه كأستاذه إميل دوركايم وأيضا فرويد.
تعرضت نظرية هالبفاكس لنقد شديد خصوصا من قبل زملائه في جامعة ستراسبورغ, حيث تم اعتبارها "تعميم غير مشروع لظاهرة نفسية فردية محضة". الشيء الذي دفع بهالبواكس من جديد إلى إعادة تقديم وشرح تصوره حول الذاكرة الجمعية كظاهرة مجتمعية بشكل مفصل في كتابه collective" "La mémoire (4), والذي اشتغل عليه أزيد من خمسة عشر سنة, لكنه صدر غير مكتملا سنة ١٩٥٠م .

في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ضلت كتابات هالبواكس التنظيرية حول الذاكرة الجمعية في طي النسيان, أيضا لم يتلقى الجانب السوسيوثقافي للذاكرة بصفة عامة أي اهتمام يذكر.
أما اليوم فلا يمكن الحديث في مجال العلوم الثقافية حول هذه الظاهرة المجتمعية والثقافية دون الرجوع إلى الإطار التنظيري الذي أسسته كتابات هالبولكس حول الذاكرة الجمعية. والجدير بالذكر أن نظرية هالبواكس قد شكلت المنطلق الرئيسي للمؤرخ الألماني المعاصر يان أسمان ((Jan Assman في تأسيسه لنظريته "الذاكرة الحضارية" (5) والتي يمكن اعتبارها امتدادا لنظرية الذاكرة الجمعية في ميدان العلوم الثقافية.
في يوليو من سنة ١٩٤٤م ثم اعتقال موريس هالبواكس من طرف جهاز الجستابو النازي ورحل إلى معسكر الاعتقال الشهير بوخنفالد (6) ـ في وسط شرق ألمانياـ , حيث أعدم هناك في مارس سنة ١٩٤٥م.


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


=========


>>>> الرد الثاني :


=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========