عنوان الموضوع : ماهية علم الجمال باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب
ماهية علم الجمالقبل أن أجيب على هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة شاملة على مسار تطور مفهوم الجمال منذ عهد الإغريق حتى اليوم . يسمى علم الجمال في اللغات الأوروبية" Esthetic"(استتيك ) و هي مشتقة من الكلمة اليونانية "asthesis " و تعني الشعور أو الحس و يعتبر علم الجمال من أقدم العلوم التي تطرق لها الفلاسفة و المعنيون بشؤون الفن و الفكر و الأدب . و نجد في الفلسفتين الصينية و الهندية تأملات جمالية ، و كان فلاسفة الإغريق يعتبرون أن الجمال مادة الفن و إن القبح لا يصلح له ، و لهذا غلب الجمال على فنون الإغريق . و قام هؤلاء الفلاسفة، أمثال هرقليط و ديمقريط و كذلك أفلاطون بتطوير الرؤيا الجمالية، فمثلاً كان أفلاطون يعتبر الفن محاكاة للجمال، أما المتعة الجمالية فإنها تنشأ من الانسجام بين شكل العمل الفني و جمال الفكرة، كما أن الجمال الأصيل يعود إلى الفكرة الجميلة و قد طور أفلاطون مفهومه الجمالي من خلال دراسة الأفكار الذاتية و الموضوعية، ووقف ضد التجارب الفنية في عصره و تطبيقاتها، إلا أن الأفكار عن الفن كمحاكاة للجميل أثرت فيما بعد على تطور علم الجمال تأثيراً إيجابياً .
و تطور علم الجمال تطوراً طردياً مع تطور الشعوب حتى وصل إلى الشكل الحالي المعروف بعلم الجمال و قد تفرق إلى اختصاصاتٍ متعددة، من هنا نرى أن علم الجمال يعالج مسائل أساسية و هي علاقة الأشياء الجمالية مع الواقع إلى جانب قدرة الإنسان الجمالية الذاتية كمخلوق اجتماعي . و لذلك نجد محاولات كثيرة من الفلاسفة للإجابة عن هذه القضية تفاوتت نتائجها و يعود الاختلاف في إجاباتهم إلى أنهم أغفلوا عن توضيح السمات الاجتماعية و التاريخية المتغيرة للصفات الجمالية الموضوعية، فهذه كلها تتطور تاريخياً على أساس العمل البشري باعتباره إنتاجاً اجتماعيا . فالإنسان يغير الطبيعة بعمله و جهده و يطبعها بشخصيته و بقدرته الفكرية و الجسدية الخلاقة، فيصنع لنفسه عالماً مادياً ثانياً.
و الإنسان دائم الحركة يتطور و يطور في الطبيعة، فيؤثر بها و يغيرها، و يتغير هو نفسه معها بعد محاولاته العلمية، لإدراك أسرارها، و السيطرة عليها، و هنا يصبح اجتماعيا واعياً له الحس الإنساني، قادراً على إدراك الخواص الجمالية الموضوعية و تقييمها حسب ذوقه و انفعاله الذاتي . ولهذا يلعب دوراً مهماً في تطور مسيرة الجمال شيء فشيء .
من خلال المقدمة الهامة التي صدّر بها كتابه " محاضرات في الفن الجميل " يمكن أن نلاحظ في هذه المقدمة، فيما يختص بطريقة هيغل في تحليل فلسفته الفنية، انه يعرض فلسفته في الفن من خلال نقده للاتجاهات الفلسفية الرئيسية في تاريخ الفلسفة، و من خلال نقده للاتجاهات المختلفة السائدة في عصره، بمعنى أنه يطرح رؤيته من خلال تحليله النقدي لهذه الاتجاهات المختلفة التي حاولت أن تدرس الجمال و العمل الفني، و لعل السبب الذي جعل هيغل أن يلجأ إلى هذا المنهج في مقدمة كتابه الهام، هو أنه يريد أن يبين منذ البداية أنه حريص أشد الحرص على تقديم فلسفة جمالية، تكون متسقة مع فلسفته الكلية و لهذا فإن كثيراً من النقد الذي يوجه إلى كنط، هو في الحقيقة، قد ذكره من قبل في أماكن متفرقة من ظاهريات الروح، و موسوعة العلوم الفلسفية ، و تاريخ الفلسفة، و لذلك فالاختلافات بين هيغل و غيره من الفلاسفة الذين يذكرهم أيضاً، ليس خلافاً في الرؤى الجمالية فلسفة الفن و إنما هو خلاف عميق الجذور، بينه و بينهم،في رؤية الفلسفة العامة، و لعل خلافه معهم في الجمال و الفن، هو نتيجة للخلاف الجذري بينهم .
· الفن أعلى أشكال الجمال :
الفن _ أو جمال الفن كما يجري وعيه في عقل الإنسان، هو موضوع اهتمام هيغل .و تبعاً لمزاجه هو و لاحتياجات فلسفته، بدا هيغل ميالاً لاعتبار ذلك الجمال الذي نبدعه بوعي منا كأعلى أشكال المطلق أو الروح و لهذا يضع هيغل جمال الطبيعة خارج إطار جمالياته : " ... يبدوا أننا محقون في افتراضاتنا أن جمال الفن هو أعلى من الطبيعة فجمال الفن جمال مبدع، مولود جديد للعقل، و بمقدار ما يبدوا الروح و نتاجه أعلى من الطبيعة و ظواهرها، كذلك يبدوا الفن أعلى من جمال الطبيعة " . جمال الفن عند هيغل هو تألق الروح ، و هو أكثر إشراقا من جمال الطبيعة . هو لم يكون إذا في وضع من يقول مع
جويس كيلمر J.Kilmer : أظن أني لن أرى أبداً قصيدة لها جمال الشجر ........القصائد يصنعها المجانين من أمثالي، لكن الله وحده قادر على صنع الشجر أما لهيغل فإن الله هو الروح، و الروح يجد في الإنسان أكمل حضور له .
في نتاجات الفن يمكننا أن نتلمس هذا الحضور المثالي لله، للروح على نحو أدق بكثير و أعمق بكثير مما نجده في ظواهر الطبيعة . و في الحقيقة فإن المضمون الروحي للجمال يرتفع مع ارتفاع مستوى الكائنات، أي مع تطورها العضوي. فالزهرة هي أكثر جمالاً من الساقية ،و الحيوان هو أكثر جمالاً من الزهرة، و الإنسان هو أكثر جمالاً من الحيوان، رغم أن الجمال الحقيقي هو نتاج الفن تعبيري عن الروح :
الفن كتجسيد حسي للفكرة هو جزء ن العقل المطلق، إلى جانب الدين و الفلسفة . إذاً واحد من ثلاثة أشكال تتحقق فيها حرية الروح و يجري التعبير عنه . هو أول ظهور للمطلق ، هو تعبير محسوس عن الحقيقة . ويجتمع الفن مع الدين و الفلسفة في نفس الإطار إذاً و لا يتميز الفن إلا في شكله، أي في تعبيره المحسوس و في طواعية أخيلته، الأمر الذي يحيل الفكرة شيئاً يمكن التقاطه بالحس [1] . .((هذه المجالات الثلاثة التي تمتلك، بشكل أساسي، مضموناً واحداً و هو المطلق و لا يتميز واحدها عن الآخر إلا في شكل تقديم ذلك المضمون إلى الوعي الإنساني ... هذا الشكل من الإدراك الحسي يبدوا ملائماً للفن، بمعنى أن الفن هو الذي يقدم الحقيقة للوعي عبر المظهر الحسي، غير أنه مظهر يترك خلف الظاهر معنى أعلى و أكثر قيمة رغم أنه ليس مطلوب منه، حسب وظيفته، أن يعبر بالحس عن الطابع العلائقي الكلي للفكرة )) .
و على هذا، فالجمال رغم تميزه الميتافيزيقي، هو مزيج يصل بين الفكرة العقلانية و الرد الحسي -- أي المضمون و الشكل . و هو ليس التقاطا لتجربة نوعية يجتمع فيها المضمون و الشكل على نحو جوهري و تكشف من خلال وحدتهما الجمالية – الميتافيزيقية عن حقيقة الحياة . و الفن حسب هيغل ، هو تعبير حسي عن مضمون مثالي، و لفظة مثالي لا تنسب إلى العمل الفني الناجز الذي يندمج فيه المضمون و الشكل فيتحولان إلى بيان بالسياق المثالي للحياة . لفظة مثالي تنسب ، تحديداً، إلى المضمون قبل تحولاته اللاحقة . يقول هيغل : "مضمون الفن هو الفكرة ، أما شكل عرضها فيقوم في أشكال الحس أو صور المخيلة " .
هذا التصور يلقي ظلاً من الشك على جدية تأكيد هيغل في أن غاية الفن تقوم في ذاته، و في أن الفنان يعبر عن مجمل الحياة . لكن الحقيقة هي أن هذا الفصل بين المضمون و الشكل إنما يرتب جملة نتائج هامة . هو يستكمل في تحديد هيغل للفن كرمز حسي لمضمون ميتافيزيقي . و هو يقود هيغل إلى اعتبار الفن نوعاً من التمهيد للفلسفة و محكوم عليه بالتالي بالموت ، أي باستيعابه في الفلسفة .
وهكذا بات ممكناً لهيغل أن يقدم نظريته في أنواع الفن في ثلاث مراحل حسب مستوى العلاقة القائمة بين المضمون و الشكل.
إن الحالة العامة هي التي أوصلت الفن إلى ما هو عليه، فالإنسان لم يعد يقتنع بصياغات الفن، و إنما أصبح يبحث عن أشكال مجردة و محددة ، ولذلك فالإنسان أصبح يتحدث عن الفن بشكل مجرد، أكثر من تذوقه و إبداع الفن، و هذا نتيجة ميل الإنسان المعاصر إلى صياغة كل شيء في صورة قواعد متقنة . و قد أدت هذه الحالة العامة للعالم إلى ظهور فن جديد هو " النثر " الرواية، التي تستفيد و تقترب أكثر من الفلسفة بوصفها أرقى أشكال الفكر . و لهذا فإن نهاية الفن عند هيغل تعني المصالحة بين الشعر و الفلسفة .
يرتبط تحليل هيغل الجمالي ارتباطا وثيقاً برؤيته الفلسفية و السياسية و الاجتماعية، و من ثمَّ فأنه لا يمكن عزل الحضارة عن الفن لديه، فلذلك فإن كل سمات نسقه الفلسفي الميتافيزيقي تظهر في رؤيته للفن بشكل واضح . و هو يضع الفن في صف واحد مع الدين و الفلسفة، و يصبح الفن بذلك أحد الطرق لمعرفة حقائق الروح الكلية .
تنبع حاجة الإنسان إلى النشاط الجمالي من رغبة الإنسان في معرفة ذاته، و التعبير عنه و تلبية احتياجات عميقة لدية، و لذلك يربط هيغل النشاط الجمالي بالأشكال المتنوعة للممارسات الإنسانية، و يربطه بالعالم المحيط بالإنسان، و الأشياء تحتفظ بوجودها المستقل الحر في العلاقة الجمالية، لأن الإنسان حين يتلقى العمل فأنه يتأمله دون أن يستهلكه كما هو الحال في الموضوعات التي يتعامل معها الإنسان تعاملاً عملياً بهدف سد حاجته الرئيسية مثل الجوع و العطش . و المقصود بالجمال عند هيغل هو الجمال الفني الذي تبدعه الروح الإنسانية، و ليس الجمال الطبيعي، و لذلك فهو يرفض النزعة الطبيعية في الفن الذي تبغي تقليد الطبيعة أو تصويرها كما هي .
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
موضوع قيم شكرا لك
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========