عنوان الموضوع : بكالوريا تجريبي في الفلسفة
مقدم من طرف منتديات العندليب
ثانوية احمد الونشريسي تيسمسيلت
الامتحان التجريبي في مادة الفلسفة دورة ماي 2016
عالج موضوعا واحدا على الخيار.
الموضوع الأول:
هل الأخلاق واحدة لقيامها على أساس من الثوابت؟.
الموضوع الثاني:
<<كل معارفنا الإدراكية حول هذا العالم تنبع بالضرورة من الإحساس. >> دافع عن هذه الأطروحة.
الموضوع الثالث: النص الفلسفي.
للعلوم الإنسانية (...) مشروع مؤجل نسبيا, ولكنه قار ,يقضي (...) باستعمال صورية رياضية ما. (ثم) هي تعمل بحسب نماذج أو مفاهيم تستعيرها من البيولوجيا , ومن علم الاقتصاد ومن علوم اللغة. وأخيرا فهي تتجه إلى الإنسان في نمط وجوده الذي تسعى الفلسفة إلى التفكير فيه على مستوى التناهي الجذري, في حين تريد هي استطلاع تجلياته التجريبية. وقد يكون انتشار العلوم الإنسانية هذا الانتشار الضبابي داخل فضاء ثلاثي الأبعاد هو الذي يجعل تحديد موقعها على هذا القدر من الصعوبة, وهو الذي يضفي على تموقعها في الحقل الابستيمولوجي طابعا متزعزعا لا يستقر(...).
من السهل الظن أن الإنسان قد تحرر من ذاته منذ أن اكتشف انه ليس في مركز الخليقة, ولا في مركز الكون و ربما انه ليس حتى في قمة الحياة أو غايتها القصوى. ولكن, إذا لم يعد الإنسان سيدا في مملكة الكون, وإذا لم يعد الإنسان سلطان الوجود, فان "العلوم النفسية" تكون وسائط خطرة في فضاء المعرفة. و الحقيقة أن هذه الوضعية نفسها تحكم عليها بعدم استقرار جوهري. إن ما يفسر عسر وضع"العلوم الإنسانية", وهشاشتها و عدم يقينيتها كعلوم, والفتها الخطرة مع الفلسفة, و اعتمادها الغامض على مجالات معرفية أخرى, وطابعها كعلوم هي دوما علوم ثانية بالنظر إلى غيرها, وهي دوما مشتقة من غيرها, ولكن كذلك ادعائها الكلية,(إن ما يفسر كل ذلك) ليس هو- كما يقال غالبا- كثافة موضعها القصوى, ولا هو المنزلة الميتافيزيقية لهذا الإنسان الذي تتحدث عنه(...) وإنما هو بالتأكيد تعقد التشكيل الابستيمولوجي الذي تجد العلوم الإنسانية نفسها ضمنه, و ارتباطها الدائم بالأبعاد الثلاثة, وذلك الارتباط الذي يعطيها فضاءها.
ميشال فوكو: الكلمات و الأشياء.
المطلوب: اكتب مقالة فلسفية تعالج فيها مضمون النص.
التصحيح: الموضوع الأول: هل الأخلاق واحدة لقيامها على أساس من الثوابت؟.
طرح المشكلة: يعد موضوع الاخلاق من المباحث الاساسية التي انشغلت بها الفلسفة ضمن مبحث الاكسيولوجيا, وقد سعى مبحث الاخلاق الى تحديد القيم الموجهة للفعل الانساني بهدف رسم غايات هذا الفعل .فاذا كان هذا الفعل الاخلاقي يستند الى ماهية ثابتة التي تميز الانسان وهي العقل , هل يمكن القول بانها واحدة ومطلقة؟, ولكن لو تأملنا واقع المجتمعات نجد ان كل مجتمع يتصور الخير و الشر من زاوية مختلفة, هل يعني ذلك انها متغيرة و نسبية؟ امام هذا الجدل الفلسفي نطرح الاشكال التالي : هل القيمة الخلقية مطلقة وثابتة ام انها نسبية متغيرة؟ بمعنى آخر: هل الاخلاق واحدة لمجرد قيامها على اساس من المبادئ و الثوابت, ام انها متعددة و متغيرة بتغير بيئاتها و عصورها؟
محاولة حل المشكلة:
الأطروحة الأولى: القيمة الخلقية مطلقة وثابتة لا ذاتية متغيرة لان أساسها العقل و الدين وهذا ما أكده أنصار النزعة العقلية وعلماء الكلام في الفلسفة الإسلامية
الحجج: يرى أنصار النزعة العقلية بان الأخلاق ثابتة مطلقة بحكم أن العقل يتميز بالمطلقية فهو حقيقة بديهية موجودة في ماهية كل كائن وهذه الماهية ثابتة لا تتأثر بالزمان والمكان لانها مطلقة وقد دافع عن هذا الرأي افلاطون فقد جعل القانون الاخلاقي عاما للناس في كل زمان ومكان و لا يتيسر هذا إلا بإقامته على أسمى جانب مشترك في طبائع البشر و بعني به العقل , وقد اعتبر أن النفس أسمى من الجسد فهي الحاصلة على الوجود الحقيقي و ما وجود الجسد إلا وجودا ثانويا وهو الذي يحمل قواها النبيلة ويوجهها وجهة غير أخلاقية لأنه مصدر الشر يقول <<ان الخير فوق الوجود شرفا وقوة>> فهو إدراك عقلي لقيمة الخير فالحق و العدل و الحرية قيم مطلقة يجسدها الخير المطلق الموجود في عالم المثل لذلك قسم أفعال الناس الى القوة العاقلة و الغضبية و الشهوانية وان أكمل صورها العقل لأنه المدرك للعفة و الفضائل و الفضائل عنده أربعة : الحكمة فضيلة العقل و العفة فضيلة القوة الشهوانية والشجاعة فضيلة القوة الغضبية و اذا ما تحققت الفضائل الثلاثة تحقق التناسب الذي يعطينا الفضيلة الرابعة التي هي العدالة واذا ما تحققت هذه الأخيرة تحققت للنفس سعادتها وهي حالة باطنية عقلية أخلاقية يظهر فيها جمال النفس و سيطرة الجزء الإلهي .فافلاطون يعتقد ان ما نطلق عليه من احكام و قيم هو معبر عن عالم آخر نسميه عالم المثل الذي تعلمنا منه وعندما اتحدت الروح بالجسد نسي الإنسان ما تعلمه من قيم و عن طريق العقل قام الانسان باسترجاع تلك القيم وهذا ماجعل ن الاخلاق موضوعية والتسليم بالموضوعية يؤدي الى القول بمطلقية الاخلاق وهذا مايفسر وحدة الكثير من القيم بين كل الشعوب كالصدق و العدل و الامانة... وفي سياق هذه الفلسفة الأخلاقية ذاتها نجد كانط الذي اعتبر ان الإرادة الخيرة الدعامة الأساسية لكل فعل أخلاقي بل هي الشيء الوحيد الذي يمكن ان نعده خيرا في ذاته دون قيد أو شرط وهذه الإرادة تستمد خيرتها من الواجب العقلي الذي هو مبدأ داخلي ناتج عن سلطة باطنية و المتمثلة في العقل و بالتالي تكون الأخلاق منزهة من كل غرض ذاتي فعندما نقول قل الصدق ليثق فيك زملائك فهذا فعل مرتبط بغرض اما قولنا كن صادقا فهذا فعل أخلاقي لأنه أمر مطلق منزه من المنفعة و المستجيب لصوت الضمير يحمل الخير في ذاته هو الواجب من اجل الواجب و لا يتغير مع النتائج اذ لايعقل ان يصبح ذات يوم الصدق شرا و الكذب خيرا فالخلاق مبادئ ثابتة و مطلقة وعليه وضع كانط قواعد أساسية للسلوك الاخلاقي: أولها افعل كما لو كان على مسلمة فعلك ان ترتفع الى قانون طبيعي عام وثانيها افعل الفعل بان تعامل الإنسانية في شخصك وشخص كل إنسان سواك, وثالثهما اعمل بان تكون إرادتك باعتبارك كائنا عاقلا هي بمثابة تشريع عام.يقول كانط << فليست الأخلاق هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون سعداء بل هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة>>
اما اصحاب الاساس الشرعي فالقيمة الخلقية عندهم مرتبطة بالدين وبما ان الدين الزام متعال الهي و مقدس فهو تشريع سماوي للمبادئ و المعاملات الاخلاقية, فالدين هو بعد اخلاقي نستند اليه في تقويم افعالنا الخلقية وفق قيم العمل بالخير و الفضيلة و الانتهاء عن الشر و الرذيلة وهذا ما يؤكده ابن حزم فالخير والحسن ما امر الله به والشر و القبح هو ما نهى الله عنه وكاضافة لذلك نجد كل من المعتزلة والاشاعرة ينطلقون من هذه الحقيقة و يدركون ان الشريعة الاسلامية هي مصدر القيمة الخلقية الا انهما يختلفان فالمعتزلة ترى ان العقل هو قوام الفعل الخلقي و الدين جاء مخبرا عما في العقل فالقيم الخلقية مرتبطة بطبيعة الانسان العاقلة اما الاشاعرة فيعتقدون بان العقل لا يملك هذه القدرة على التمييز بين الخير و الشر فالخير ما امر الله به و الشر ما نهى الله عنه وما دور العقل الا الخضوع لتعاليم الشرع ومن هذا المنطلق اذا كان الاسلام دين يصلح لكل زمان و مكان كانت القيمة الخلقية مطلقة و ثابتة و لا اختيار لإرادة الإنسان أمام الإرادة الإلهية
نقد: فعلا يجدر بالاخلاق ان تكون ثابتة مطلقة بحكم ان نسبيتها سيؤثر عليها, لكن التسليم بكون الاخلاق واحدة في جوهرها على نحو ما بينه انصار الدين و العقل لا يحل المشكلة لان ذلك لا يفسر تعددها و تنوعها وكل منظومة اخلاقية تزعم لنفسها الصواب كما ان العقل احكامه متناقضة و متفاوتة فأخلاق الواجب مثالية للغاية ، و صورية ، تخاطب الانسان المجرد لا الانسان الواقعي ، يرى الفيلسوف الالماني شوبنهاور و هو أحد تلامذة كانط" ان الواجب الكانطي ... يصلح لعالم الملائكة لا لعالم البشر"
كما ان الدين تختلف شرائعه السماوية فاي دين نعتمد, ضف الى ذلك ان كثير من المسائل تظهر مع تطور الحياة الاجتماعية و العلمية.
الاطروحة الثانية: القيمة الخلقية نسبية ومتغيرة لان اساسها المنفعة والمجتمع وكلاهما متغير و نسبي وهو ما يؤكده علماء الاجتماع و انصار المنفعة
الحجج: يرى انصار النزعة الاجتماعية بان نسبية القيم من تنوع المجتمعات فأساس القيم الخلقية هو (المجتمع) ، فالخير ما يتماش مع العرف الاجتماعي ، و الشر ما يتنافى معه ، هذا ما تراه المدرسة الوضعية مع اميل دوركايم ، و ما يدعم هذا الموقف هو أن الفرد كائن اجتماعي بالطبيعة ، لا يستطيع العيش خارج الجماعة فهو بمثابة الجزأ من الكل ، انه مدين للمجتمع بكل مقوماته النفسية و العقلية و السلوكية ، يتأثر ببيئته ، و يتصرف حسب الجماعة التي ينتمي اليها فلولا الغير لما كان بحاجة الى أخلاق .
إن الطفل يكون فكرته عن الخير و الشر بالتدريج اعتمادا على أوامر و نواهي أفراد مجتمعه ، سواء في الاسرة او المدرسة يقول دوركايم " عندما يتكلم ضميرنا فان المجتمع هو الذي يتكلم فينا " بمعنى أن الضمير الفردي ما هو الا صدى للضمير الجمعي . و على هذا الأساس لا يمكن للفرد ان يبتكر لنفسه قيما و أخلاقيات بل يأخذها جاهزة من المتجر الاجتماعي كما يأخذ ملابسه من المحل التجاري ،"فليس هناك سوى قوة اخلاقية واحدة تستطيع ان تضع القوانين للناس هي المجتمع"
و يرى ليفي برول أن الأخلاق ظاهرة اجتماعية ، تنضم العلاقة مع الغير و تمنح قوانينها للفرد بواسطة التربية ، و الخير و الشر يتحددان بمدى اندماج الفرد في الجماعة أو عدم اندماجه فيها . فالاندماج هو مقياس الخير ، وعدم الاندماج هو مقياس الشر . و بما أن لكل مجتمع عادات و تقاليد و نظم خاصة كانت القيمة الخلقية أيضا نسبية و متغيرة ولهذا تختلف الاخلاق من مجتمع لاخر فلا توجد اخلاق وانما توجدعادات خلقية وبالتالي فهي ليست مبادئ ثابتة بل سلوكات متغيرة.
اما انصار المنفعة فيرون ان مصدر القيمة الخلقية المنفعة بمعنى أن الخير هو اللذة و الشر هو الالم و العبرة بالنتائج و ليس بالمبادئ ، و الدليل على ذلك واقعي حيث أن الناس يميلون الى اللذة و ينفرون من الألم بحكم طبيعتهم. فاللذة و المنفعة هي الخير الأقصى و إن الألم و المضرة هما الشر الأقصى و حجتهم في ذلك انه إذا عجز الإنسان عن تحقيق اللذة تألم وإذا تألم كان شقيا و العكس صحيح. فقد ذهب الفيلسوف اليوناني ارستيب إلى أن اللذة هي صوت الطبيعة و أن الغريزة هي المحرك الأول لأفعال الإنسان وجعل معيار اللذة و الألم هي معيار القياس لخيرية الأفعال و شريتها .وجاء بعده ابيقور و اتفق مع سلفه من حيث أشاد الناس للذة و لكنه حرص على أن يعدل منه بحذق فرأى أن اللذة هي الخير الأعظم إلا أنها لها أحيانا عواقب لا تكون خيرا فنادي بضرورة اجتناب اللذات التي تجر وراءها ألاما لأنها عائقة لتحقيق السعادة و عارض ارستيب الذي اعتبر أن اللذة مطلقة تحت قاعدة <<خذ اللذة التي لا يعقبها الألم و اجتنب الألم الذي لا يتبعه شيء من اللذات و تجنب اللذة التي تحرمك من لذة أعظم منها أو يترتب عنها الم و تقبل الألم الذي يخلصك من الم أعظم منه>> كما اعلي ابيقور من اللذات الروحية حتى أصبحت الأخلاق عنده بمثابة تهذيب للأخلاق كالصداقة و الحكمة.ويعد جرمي بنتام من بين رواد المذهب النفعي في العصر الحديث حيث يرى أن الناس بطبائعهم يسعون وراء اللذة و يجتنبون الألم كالحيوان مع امتيازهم عن الحيوان لاستخدامهم العقل لان العقل هو الذي يحكم على الفعل الخير إذ يعود بلذة مستمرة و الفعل الشر الذي يؤدي إلى زيادة الألم و هو يقيس اللذات من حيث صفاتها الذاتية كالشدة و المدة و الثبات و قرب المنال و القدرة على إنتاج لذات أخرى و خلوها من الألم كما تقاس بالنظر إلى آثارها الاجتماعية حيث ينبغي على الفرد مراعاتها لان منفعة المجموع شاملة للمنافع الفردية وهو ما يسميه بعامل الامتداد الذي يوليه أهمية كبيرة فاللذة يجب أن تشمل عدد ممكن من الأفراد, فالمنفعة الشخصية مرتبطة بالمنفعة العامة غير ان الفرد لا يفعل الخير للغير إلا إذا حصل من ورائه على نفع لنفسه, وهنا تظهر النزعة التجريبية في مذهب بنتام لان معيار الأخلاق عنده مرهون بنتائج الأفعال و أثارها .و ما دانت المنفعة متغيرة و مختلفة من شخص لآخر ومن مكان لآخر كانت القيمة الخلقية نسبية.
النقد: فعلا الواقع يبين بان الاخلاق نسبية متغيرة الا ان هناك قيم اخلاقية مكا يدل تاريخها تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصور المشترك كالعدالة و الفضيلة والكرم... مما يدل على ثباتها , رغم أن الناس تدفعهم طبيعتهم النفعية الى وضع المصلحة فوق كل اعتبار غير أن هذا ليس مبررا كافيا يجعل المنفعة مقياسا للسلوك الأخلاقي ، كونها خاصية ذاتية تختلف باختلاف الميول و الرغبات ، فاذا خضع الناس لها اصطدمت مصالحهم بعضها البعض ، و عمت الفوضى في المجتمع فما ينفع البعض قد يضر بالبعض الآخر ، و ليس كل شيئ فيه لذة خير بالضرورة أضف الى ذلك ان ربط الأخلاق بالمنفعة يحط من قيمتها لأنه ينزلها إلى مستوى الغرائز وتصبح من في مصاف الحيوان , وقد أهملت الجوهر الحقيقي الذي يتمتع به الإنسان ألا وهو العقل. كما ان للمجتمع تأثير في الفرد ، لكن هذا لا يعني أن كل ما يقوله المجتمع أخلاقي بالضرورة ، و الا كيف نفسر لجوء المصلحين إلى تغيير ما في مجتمعاتهم من عادات بالية و قوانين جائرة ، و كيف نفسر اختلاف أفراد المجتمع الواحد في أخلاقهـــــــــــــــــم.
التركيب: مما سبق ذكره يمكن القول ان الاخلاق ثابتة في مبادئها , متطورة في تطبيقاتها بمعنى ان الاخلاق غاية ووسيلة في نفس الوقت فهي غاية عندما يهدف الانسان ان تكون حياته في مستوى الاستقامة وفي نفس الوقت عبارة عن وسيلة ليصل الانسان الى هذه الغاية وعلى هذه الصورة تكون الاخلاق مبادئ من جهة انها قيم مطلقة وتكون سلوكا من جهة انها قيم نسبية.
حل المشكلة: إنطلاقا من هذا التكامل في الأسس التي تبنى عليها القيمة الخلقية يمكن القول أن الأخلاق في مبادئها مطلقة و ثابتة ، و في المعاملات تكون نسبية و متغيرة حسب المقتضيات .و أن تبق ارادة الخير هي المسيطرة على جميع أفعالنا يقول شوبنهاور :" من السهل ان نبشر بالاخلاق ولكن من الصعب ان نضع اساس لها ".
الموضوع الثاني : "كل معارفنا الادراكية حول هذا العلم تنبع بالضرورة من الاحساس".دافع عن هذه الاطروحة.
طرح المشكلة: يعرف الانسان بانه حيوان عاقل ومن ثمة كان الكائن الوحيد الذي يعرف ويدرك , معنى هذا ان الادراك عقلي عنده. لكن الواقع و الممارسة يظهر لنا عكس ذلك اذ لولا العينين لما عرفنا الالوان ولولا السمع لما ادركنا الاصوات مما يؤكد ان جوهر الادراك حسي فكيف يمكن الدفاع عن هذه الاطروحة التي تعتقد ان معارفنا الادراكية حول هذا العالم مصدرها الاحساس؟ وكيف يمكن اثبات مشروعيتها و تبنيها؟
محاولة حل المشكلة:
عرض الاطروحة والبرهنة عليها : ترى النظرية الحسيـــة ان معارفنا الإدراكية تنبع كلها من الإحساس وبه تتحدد علاقتنا بالعالم الخارجي . قد ذهب الرواقيون و على رأسهم زينون الى القول أن العقل لا يمكن له أن يؤسس معرفة ان لم يستمدها من الحس ودليلهم في ذلك ان الحواس هي النافذة التي نطل بها على العالم الخارجي ، ومن فقد حاسة ، فقد المعاني المتعلقة بها ، فالبرتقالة مثلا ، يصل إلينا لونها عن طريق البصر ، و رائحتها عن طريق الشم ، و طعمها عن طريق الذوق ، وملمسها عن طريق اللمس ، فلو تناول هذه البرتقالة كفيف البصر يدرك كل صفاتها الالونها ، فالكفيف لا يدرك الألوان ، و الأصم لا يدرك الأصوات ، فلولا الحواس لما كان للأشياء الخارجية وجودا في العقل إذن فكرتنا عن العالم الخارجي ليست سوى مجموعة من الإحساسات تحولت بحكم التجربة الى تصورات ،فالمعرفة تكتسب بالتدريج عن طريق الاحتكاك بالعالم الخارجي و ما تحدثه الأشياء من آثار حسية و بالتالي لا وجود لأفكار فطرية أو مبادئ قبلية سابقة عن التجربة يقول جون لوك J.Loock (لنفرض أن النفس صفحة بيضاء فكيف تحصل على الأفكار ؟ إني أجيب من التجربة ، و منها تستمد كل مواد التفكير و التجربة اكدت لنا ان مجموع الاحساسات التي اتلقاها عن الشيء تمثل في مجموعها صورة الشيء (ماهيته) فلون الصبورة وشكلها وصلابتها في مجموعها تمثل ماهية الصبورة و بالتالي احساسي بالصبورة هو ادراكي لها
عرض خصوم الاطروحة ونقدهم: غير ان هناك معارضون للاطروحة يعتقدون ان مصدر العمليات الادراكية لا تنبع من الإحساس بل من العقل كما جاء في رأي العقلييـن لان الحواس لا تدرك الحقيقة و لا تحقق معرفة مجردة التي يحتاجها التفكير ، التفكير يقوم على الكليات و هي صور مجردة تدرك بالعقل لكن عندما نفكر لا نصيب دائما مما يعني أن الفكر غيرمعصوم من الخطأ فمثلما تخطا الحواس يخطا العقل اذ لم يعد كما كان سابقا الايمان بالحقائق التي تحمل الضدق في ذاتها واصبحت الحقائق في المنظور العلمي نسبية ، و الحواس رغم أنها لا تقدم لنا معرفة يقينية أحيانا ، الا أنها تبقى ضرورية من أجل الاتصال بالعالم الخارجي
دعم منطق الاطروحة بحجج شخصية: ان افكارنا و تصوراتنا وما نحمله من معاني و مفاهيم ما هي الا انعكاس لما رايناه و شاهدناه و اكتسبناه في الواقع لان العمليات العقلية تتخذ من الواقع الحسي سبيلا لها و الادراك بدون حواس عملية شبه مستحيلة و الادراك مرتبط بالموضوع فلا شيء يوجد في العقل الا و قد سبق وجوده في الحس , فالحواس هي النافذة التي ينفذ منها الضوء الى العقل الذي هو عبارة عن مرآة تعكس صور الخبرة الحسية يقول دافيد هيوم "ان الالوان و الاصوات و الحرارة و البرودة كما تبدوا لحواسنا لا تختلف في طبيعة وجودها كما تكون عليه حركة الاجسام و صلابتها."
حل المشكلة: نستنتج في الاخير ان المعرفة الادراكية مصدرها الاحساس أي ان الادراك جوهر حسي فكل فكرة نملكها انام تم تحصيلها بالتجارب الحسية وعليه نحكم بصحة الاطروحة القائلة : ان كل معارفنا الادراكية حول هذا العالم تنبع بالضرورة من الاحساس يقول دافيد هيوم:" انا لست الا حزمة من الادراكات الحسية , كل الافكار نسخ مباشرة او غير مباشرة من الانطباعات الحسية ", و بالتالي اثبات مشروعيتها و امكانية تبنيها.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
بارك الله فيك .. عودة مباركة الى المنتدى
=========
>>>> الرد الثاني :
ولكن أين تصحيح الموضوع الثالث ؟
=========
>>>> الرد الثالث :
طال غيابك يا أم ريهام ..........................
=========
>>>> الرد الرابع :
مرحبا بك أخيتي بين يدي المنتدى
أختك الأستاذة عيسى فاطمة
=========
>>>> الرد الخامس :
مشكور اخي على الموضوع الرائع
=========