عنوان الموضوع : دروس في مادة الفلسفة 3ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب

دروس في مادة الفلسفة 3ثانوي




المنهج التجريبي في علوم المادة مقدمة وتمهيد (نشأة العلوم التجريبية): إذا كان ميدان الرياضيات هو المفاهيم العقلية المجردة فإن ميدان العلوم التجريبية هو الواقع المحسوس والملموس وإذا كان المنهج الرياضي منهجا عقليا استنباطيا، فإن منهج العلوم التجريبية، بالضرورة تجريبيا ينطلق فيه العالم من دراسة الوقائع ليصل إلى قانون يحكمها.

وإذا عدنا إلى الواقع الذي يعد موضوعا للعلوم التجريبية وجدنا ظواهره متباينة فمنها ما يتصل بالمادة الجامدة وهذه من اختصاص علم الطبيعة (الفيزياء) ومنها ما يتصل بالمادة الحية وهذه تشكل موضوعا لعلم البيولوجيا (علم الأحياء) ومن هذه الظواهر ما يتصل بالإنسان وهي من اختصاص العلوم الإنسانية باختلاف فروعها.

تسمى هذه العلوم علوما تجريبية لأنها تتبنى المنهج الاستقرائي التجريبي في أوسع معاينة أي باعتباره منهجا ينتقل الباحث فيه من الظواهر إلى القوانين التي تحكمها.
ويمر هذا المنهج بمراحل مختلفة تبدأ بالملاحظة ثم الفرض ثم مرحلة التجريب وصولا إلى القانون وقد حدد كلود برنار هذه المراحل في قوله "الحادث يوحي بالفكرة والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها، والتجربة تحكم بدورها على الفكرة".

والمنهج التجريبي بهذا المعنى لم يكن حديث النشأة بل يعود في جذوره إلى مفكري الإسلام ويمكن أن نذكر بعضا منهم العالم والطبيب الفيلسوف ابن سينا من خلال كتابه "القانون في الطب وأبا بكر الرازي من خلال كتاب "الحاوي" ومن كبار علماء الكيمياء "جابر بن حيان" ومن علماء الطبيعة الأجلاء الحسن بن الهيثم الذي يعد أول من طبق الرياضيات في دراسة الظواهر الطبيعية.

فقد تحدث جابر بن حيان عما أسماه بالدّربة والمقصود بها اليوم التجربة واعتبارها شرطا ضروريا لقيام العلم كما تحدث عن ضرورة تحديد المعاني أو ما نسميه اليوم بتحديد المفاهيم والمصطلحات ووضع بخصوص ذلك رسالة عنوانها "الحدود".

ويرفض قبول أية حقيقة تنقل عن الغير ما لم يتثبت من صحتها تجريبيا أما لحسن ابن الهيثم الذي هو من كبار علماء الطبيعة كما قلنا سابقا فقد طبق المنهج الاستقرائي في دراسة ظاهرة الانعكاس وظاهرة الانعطاف في الضوء وانتهى إلى إبطال الرأي اليوناني القائل أن الرّؤية تتم عن طريق شعاع يصدر عن العين المبصرة. وأثبت أن الأمر يتعلق بالضوء الذي له وجود في ذاته.

ومن الأسس الهامة التي أقام عليها منهجه التأكيد على ضمان الأمانة العلمية والتحلي بالموضوعية ويقول "ونجعل غرضنا في جميع ما نستقريه ونتصفحه استعمال العدل لا إتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء".
ويعترف مفكرو الغرب أنفسهم بجهود العلماء المسلمين في البحث ومن هؤلاء جون هارمان رائل إذ يقول "كان العرب في القرون الوسطى يمثلون التفكير العلمي والحياة الصناعية العلمية الذين تمثلها في أذهاننا اليوم ألمانيا الحديثة، وخلافا للإغريق لم يحتقر العرب المختبرات العلمية والتجارب الصبورة".
ويقول بريفو brifflault "إن ما ندعوه علما قد ظهر في أوربا نتيجة لروح جديد في البحث وطرق جديدة في الاستقصاء ...والطرق التجريبية والملاحظة والقياس، والتطورفي الرياضيات في صورة لم يعرفها اليونان، هذه الروح وتلك المناهج أدخلها العرب إلى العالم الأوروبي..."إن مثل هذه الشهادات وإن كانت تدل على جهود المسلمين في البحث العلمي إلا أنها لا تجعلنا في غفلة عن التطورات الهامة التي حدثت منذ ذلك التاريخ في مجالات البحث العلمي فلقد أكمل الدرب رواد مبدعون من أمثال روجر بيكون وفرنسي بيكون، جون استورت مل وكلودبرنار.
خطوات المنهج التجريبي
ا
لملاحظة: المدلول العام لكلمة ملاحظة هو أنها مشاهدة للظواهر على ما هي عليه في الطبيعة، والملاحظة كخطوة أولى من خطوات المنهج التجريبي ليست مجرد مشاهدة حية بل هي عملية هادفة يسعى من ورائها العالم إلى تحويل الظواهر من ظواهر تحدث في الطبيعة هكذا إلى حوادث علمية.
ولهذا تختلف عن الملاحظة العادية -ونقصد بهذه الأخيرة تلك التي يمارسها الرجل العادي بشكل عفوي في حياته- في كون الأولى مقصودة أما الثانية فعابرة لا تثبت ولا تنفي شيئا.ويترتب عن ذلك أن الأولى تضيف شيئا جديدا إلى العلم في حين أن الثانية لا تضيف معرفة جديدة.
والملاحظة العلمية يمكن أن تكون حسية أي تعتمد على الحواس مباشرة لمعرفة حوادث الطبيعة وهي التي تعرف بالملاحظة المباشرة.

ويمكن أن تكون ملاحظة مسلحة وهي التي يستعين فيها الملاحظ بالآلات ووسائل يقوى بها حواسه لأن الآلات تساعد على إدراك ما لا تدركه الحواس في الظواهر وفي هذا يقول كلورد برنار "لا يستطيع الانسان أن يلاحظ الحوادث المحيطة به إلا داخل حدود ضيقة، لأن القسم الأعظم منها يقع خارج نطاق حسه، فلا يقنع بالملاحظة البسيطة، بل يوسع مدى معرفته ويزيد قوة أعضائه بآلات خاصة، كما يجهز نفسه بأدوات مختلفة تساعده على النفاذ إلى داخل الأجسام لتقييمها، ودراسة أجزائها الخفية".

شروط الملاحظة: حتى تكون الملاحظة علمية ينبغي أن تتوفر على

ثلاثة شروط أساسية :1. الموضوعية: ينبغي أن تكون الملاحظة موضوعية تنقل لنا الحوادث كما هي في الطبيعة أي أن الملاحظة ينبغي له أن يكون كآلة التصوير الفوتوغرافي ينقل لنا الظاهرة بدقة ولا يتدخل في مجرى الظاهرة.

2. الدقة: ينبغي أن لا تؤخذ الظاهرة أثناء الملاحظة على أنها بسيطة بل على العالم أن يعتقد بتداخل وتشابك الظواهر والغرض من ذلك الحرص على الملاحظة بدقة.

3. صيانة الآلات والأجهزة: مادام اللجوء إلى الوسائل التقنية شرط ضروري للبحث العلمي وهذا يعني أن الاعتماد عليها دائم ومستمر ولذا يجب على العالم أن ينتقي أدواته ووسائله بدقة كان تكون متطورة ودقيقة وأن يخضعها للمراقبة والصيانة المستمرتين لأن أي خلل في الآلة يعني تشوه الملاحظة وهذا ما ينعكس سلبا على نتائج البحث.

الفرضية: إذا كانت الملاحظة هي نقل للظاهرة من المجال الطبيعي الخام إلى المجال العلمي لتتحول الظاهرة إلى حادث علمي فإن الفرضية هي نقل الظاهرة من المجال الحسي إلى المجال العقلي ولذا تعرف الفرضية بأنها فكرة عقلية مؤقتة أو حل مؤقت للظاهرة أو كما يقول غوبلو الفرضية قفزة نحو المجهول والفرضية حل مؤقت كما قلنا يتوقف قبوله أو رفضه على ما تؤدي إليه التجربة والفرض العلمي ضروري في البحث مثلا الفرض العلمي الذي يفسر عدم ارتفاع الماء في الأنابيب فوق 10.33 م بسبب الضغط الجوي.
يقول ماخ "إن هذه الفكرة ضرورية ولولاها لما استطاع العالم أن يجرب لأن التجربة تتبع الفكرة والفكرة تعين الاتجاه العلمي وتقود المجرب فيسترشد بها في عمل التجربة" عن الفرضية مجهود عقلي يحاول وضع حد للتساؤلات التي أدى إليها الحادث المشكل le fait problème .
ويصر الكثير من فلاسفة العلم إلى إعطاء الدور الفعال للفرضية بدل الملاحظة والتجربة ومن هؤلاء كلود برنار، هنري بوانكاري وفي هذا يقول هذا الأخير: "كثيرا ما يقال يجب أن نجرب دون فكرة مسبقة وهذا غير ممكن لأنه سيجعل كل تجربة عقيمة ولو حاولنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ذلك لأن الملاحظة الخالصة ولتجربة الساذجة لا تكفيان لبناء العلم".شروط الفرض العلمي:حتى تكون الفرضية علمية يجب أن تتوفر على الشروط التالية:
1. أن تكون مستمدة من الملاحظة والتجربة وقد حدد كلود برنارد هذا الشرط بقوله "إن الأفكار التجريبية يمكن أن تولد إما لمناسبة ظاهرة نلاحظها، وإما إثر محاولة تجريبية، وإما كنتيجة متممة لنظرية سبق التسليم بها".
2. أن تكون الفرضية خالية من التناقض المنطقي في صياغته أي أن يصاغ في شكل قضية واضحة تكون قابلة للتحقق عن طريق التجربة المباشرة أو غير المباشرة، وفي هذا يقول باستور "إن أسمى الأفكار وأقرب الآراء احتمالا للصدق لا تصبح حقيقية واقعية إلا إذا كانت مطابقة للواقع".
3. أن لا تتعارض مع الحقائق العلمية المؤكدة، على أن هذا الشرط لا ينبغي أن يكون عائقا دون إطراد التقدم العلمي عن طريق مراجعته الدائمة
.3. التجربة: هي إحداث الظاهرة ضمن شروط اصطناعية أو هي اصطناع الظاهرة مخبريا بهدف التحقق من الفرض إن كان صحيحا أو خاطئا أو بهدف رؤية أفضل للظاهرة ولذا تعد من أهم المراحل في البحث العلمي لقد قال بوانكاري "التجربة هي الينبوع الوحيد للحقيقة" غير أنه يجب التمييز بين تجارب رديئة وأخرى جيدة والفرق بين الأولى والثانية هو ترتيب الوقائع وتنظيمها ومرد ذلك العقل فكما أن تكديس الحجارة لا يعني بالضرورة بناء فكذلك تكديس الوقائع لا يكون علما.والتجربة العلمية أنواع فمنها ما يتم بشكل مباشر داخل المخبر وهذه ينطبق عليها التعريف الأول ومنها ما يتم بطريقة غير مباشرة أي عن طريق الملاحظة التي تقوم مقام التجربة ونلاحظ هذا النوع بشكل جلي في ميدان علم الفلك.

مزايا التجربة: وأهمية التجربة بالنسبة للبحث العلمي تكمن في مزاياها ونذكر من هذه المزايا:تمكن العالم من تحليل الظواهر إلى عناصرها الأولية ومكوناتها الأساسية.
تمكن من تغير شروط الظاهرة والتلاعب بها قصد الوقوف على أسبابها الحقيقية لقد عبر كوفيه عن هذا الميزة بقوله إن الملاحظ يصغى إلى الطبيعة أما والمجرب فيسألها ويرغمها على الإجابة.
تمكن من عزل الظواهر بحكم أنها توجد متداخلة ومتشابكة في الطبيعة.
أنها تسمح بتكرار الظواهر وهذا يوفر الوقت والجهد.إحداث مركبات جديدة وهو ما نراه في الكيمياء.الاستقراء وإشكالية تبريره:إن الحديث عن خطوات المنهج التجريبي كمنهج بحث علمي يقوم أساسا على الاستقراء أثار جدلا حادا بين الحسيين التجريبيين وبين العقليين ويمكن صياغة الإشكال موضوع الجدل كالتالي أيهما أهم في الاستقراء العلمي الملاحظة والتجربة أم الفرضية؟
وبصيغة أخرى هل بناء الوقائع العلمية هو مجرد قراءة بارعة لهذه الوقائع من خلال الملاحظة الحسية الدقيقة أم أن المعرفة والاستقراء العلمي إبداع عقلي يتحدد من خلال الفرضيات؟
الموقف الحسي: يؤكد أنصار هذا الاتجاه أن البحث العلمي تقدم وتطور بفضل التجربة التي تعد عملية حسية خالصة ومن هؤلاء أصحاب المدرسة الانجليزية ممثلة بدافيد هيوم الذي لا يعترف إلا بنشاط الحواس كمصدر للمعرفة وبالنسبة لقيمة ما تمدنا به الحواس مثلا الحواس مثلا نجد أرنست ماخ الذي يذهب إلى التأكيد بأن الطبيعة بالنسبة للإنسان هي جملة العناصر التي تقدمها له حواسه،
أي أن المصدر الوحيد للمعرفة هي الحواس، فما الأشياء إلا مجرد رموز ذهنية لمركب من الإحساسات تتمتع باستقرار نسبي لأن كل الأشياء في الطبيعة تتغير ثم أن العناصر الحقيقية في الطبيعة ليست هي الأشياء ولكنها الألوان والأصوات،
والضغوط اللمسية والأمكنة والأزمنة أي كل ما نسميه بالإحساسات.الحجة: ويمكن أن نستنبط حجة هؤلاء من أن كل معارفنا مهما كانت معقدة ومهما كانت مجردة ونظرية تنحل إلى إحساسات تتكون بالملاحظة والتجربة إذن فالإحساس مصدر لمعرفتنا بما في ذلك العلمية.
النقد: مهما كانت قيمة الحواس ومهما كانت قيمة التجربة فإننا لا يمكن إنكار أو إهمال دور العقل إن المثال التالي يوضح ما نريد لقد ذكر كلود برنارد أن فرنسو هوبر (1950-1831) وهو عالم فيزيائي كان أعمى غير أنه ترك تجارب رائعة كان يتصورها ثم يطلب من خادمه أن يجريها، ولم تكن لخادمه أية فكرة علمية أي كأن هوبر هو العقل الموجه الذي يقيم التجربة، لكنه كان مضطرا إلى استعارة حواس غيره إن هذا المثال يوضح أن الاستقراء العلمي إبداع عقلي.

الاتجاه العقلي: في المقابل للاتجاه السابق يعتقد أنصار الاتجاه العقلي أن العقل أداة الخلق العلمي لقد مثل هذا الاتجاه قديما ديكارت من خلال مقولته الشهيرة أنا أفكر إذن أنا موجود ليمثل هذا الاتجاه حديثا في العلم مجموعة كبيرة من فلاسفة العلم ومنهم أنشتاين، بوانكاري.
لقد قيل "الفكرة هي مبدأ كل برهنة وكل اختراع وإليها ترجع كل مبادرة"أما ما قال أنشتاين فهو أن: "العلم هو من خلق العقل الإنساني بواسطة أفكار وتصورات اختراعات بحرية"أما بوانكاري فأكد من خلال كتاب "العلم والفرض" أن التجربة هي الينبوع الوحيد للحقيقة،
هذا أمر لا يجادل فيه أحد، لكن من التجارب ما هي جيدة منها ما هي رديئة والتجارب الرديئة مهما تكاثر عددها لا تفيد وتكفي واحدة يقوم بها عالم ممتاز مثل باستور ليقضي عليها جميعا"إن التجربة الجيدة هي التي يقودها العقل ويوجهها.
النقد: صحيح أن دور العقل ينبغي أن يكون إيجابيا وفعالا في البحث العلمي غير أن هذا ليس مبررا للقول أن المعرفة العلمية والاستقراء العلمي يعود الفضل فيه للتجربة وهذا ما جعل باشلار يوضح بأن زمن التجارب الفضولية قد ولى كما أن زمن لفروض المؤقتة قد زال،
إن العمل العلمي الحقيقي يدرك من خلال تبادل النصح والتوجيه بين العقلانية والواقعية ولا يمكن إقامة البرهان العلمي بدون أحدهما.وأيا كان الصراع حول طبيعة الاستقراء ،
فإن المنهج التجريبي الاستقرائي يقود في النهاية إلى تفسير الظاهرة أو الحادثة محل الدراسة غير أن السؤال المطروح هو هل التفسير العلمي هو تفسير بالسبب أم بالقانون؟
السببية العلمية والقانون العلمي:معنى السببية: إن فكرة السببية قديمة قدم الفكر الإنساني فلقد كان الاعتقاد أن السبب قوة خفية تحدث الظواهر والعالم الحسي يرتبط ارتباطا سببيا بهذا القوة الخفية.
غير أن هذا المفهوم لا يهمنا اليوم ولم يعد له معنى وأصبح معنى السبب في الفكر العلمي يفيد معنى العلاقات بين الظواهر أي أن السبب هو علاقة بين حادثتين وهذا هو معنى القانون إذ يقول أوغست كونت : "القانون العلمي هو العلاقة الثابتة بين مادتين أو أكثر" وقد نوه كونت بأهمية القانون العلمي كمطلب للبحث العلمي غير أن القوانين العلمية أنواع نذكر منها : القوانين السببية: و هي القوانين التي تفيد الترابط السببي بين العلة والنتيجة،
كالقول أن الماء يغلي في درجة حرارة 100م ،فهذه النتيجة تفيد الترابط السببي بين درجة الحرارة 100م و بين ظاهرة غليان الماء.قوانين تفيد خواص و تركيب الظواهر: وتعتبر هذه القوانين وصفية تقرر خواص ظاهرة معينة ضمن شروط معينة ، فالماء مظاهرة يكون كتلة جامدة صلبة إذا كانت درجة الحرارة أقل من الصفر ويكون في حالة سائلة إذا كانت درجة حرارته أكبر من 100 إضافة إلى خواص أخرى كيميائية وفيزيائية.

قوانين تفيد ثوابت عددية: كالقول سرعة الضوء تساوي 300.000 كلم/ثا.صياغة القانون العلمي: إذا كان القانون العلمي وليد منهج دقيق فهو يعبر عن الظواهر في شروط مثالية (كوجود الظواهر معزولة بعضها عن بعض، ولذا فمن البديهي أن نعتقد بأن القانون العلمي صيغة عقلية لا تطابق الواقع تمام المطابقة بل تضفي عليه نسبة الرجحان في التصديق والمطابقة وهذا ما يجعل القوانين العلمية متطورة قابلة للتصحيح.يقول ميروسون "إذا توهنا أن القوانين التي نحدد صيغها تنطبق الحتمية واللاحتمية في الفيزياء:مقدمة: إذا كان الاستقراء العلمي يهدف إلى الكشف عن الظواهر ومعرفة أسبابها القريبة وصياغتها في شكل قوانين عامة فإن الاستقراء العلمي من جهة ثانية ينتقل فيه العالم من بعض الظواهر إلى القوانين العامة وضمانة هذا الانتقال هو مبدأ الحتمية الذي ينص على أنه متى توفرت نفس الأسباب أدت إلى نفس النتائج بشكل حتمي وضروري تبعا لنظام الكون الثابت غير أن تقدم علم الفيزياء واقتحام عالم الذرة والنتائج المتوصل إليها جعل الكثير من فلاسفة العلم يرفضون هذا المبدأ والسؤال إلى يطرح نفسه.

هل مبدأ الحتمية ضروري فعلا في علم الفيزياء أم أنهليس ضروريا بل يمكن تعويضه بمبادئ أخرى؟الاتجاه الحتمي: ظل الكلاسيكيون يعتقدون جازمين إن العلم يقوم أساسا على مبدأ الحتمية فكل الظواهر تسير بمقتضى حتمية دقيقة واعتبر لابلاس وبواسون أن الكون نفسه آلة تسير بمقتضى قوانين حتمية،
ويكفي معرفة هذه القوانين حتى نتنبأ بشكل حتمي ودقيق بحدوث الظواهر قبل وقوعها وفي هذا يقول لابلاس: "لو أن عقلا تطلع في لحظة ما، على سائر القوى التي تحرك الطبيعة وعلى الحالة الخاصة بالكائنات التي تؤلفها لا بل لو كان له من السلعة ما يستطيع به أن تخضع هذه المعطيات للتحليل لاستطاع أن يلم في قاعدة واحدة بحركات أكبر الأجسام في الكون وبحركات أخف الذرات، فلا شيء يكون محلا للارتياب بالنسبة إليه ويكون المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينية".إن تأكيد مبدأ الحتمية في العلم ضرورة قاد إليها البحث العلمي في مراحل السابقة والهدف من ذلك ضمان الدقة المطلقة لنتائج العلم لقد قال بوان كاري: "العلم حتمي بالبداهة وهو يضع الحتميات موضوع البديهيات التي لولاها ما أمكن له أن يكون"النقد: إذا مبدأ الحتمية ضروري في الفيزياء ويصدق أكثر في عالم الظواهر الكبيرة غير أن تقدم علم الفيزياء نفسه أفضى إلى نتائج مغايرة كما هو الحال في فيزياء الصغائرMicro physique كما أننا يجب أن نميز بين نوعين من الحتمية:
أولاالحتمية العلمية التي ترفض الصدفة وتدفع الجهل.
ثانياالحتمية المطلقة الكونية: والتي تعد في حد ذاتها فكرة ميتافيزيقية تقضي على كل مبادرة إنسانية في الفهم على حد تعبير جون أولمو وهذه الأخيرة سيطرت على فيزياء القرن التاسع عشر.اللاحتمية: في المقابل للطرح السابق توصل الكثير من الفيزيائيين إلى نتائج هزت مبدأ الحتمية ومن ذلك ما أفضت إليه بحوث "ماكس بلانك" من أن الذرة المشعة لا تصدر طاقتها بصفة منتظمة أو متصلة يمكن إخضاعها لمبدأ الحتمية،بل بصفة غير منتظمة وفي شكل صدمات.أما الثاني فهو العلم الأمريكي هايز نبرغ الذي توصل إلى تأكيد استحالة قياس كمية حركة الجسيم داخل الذرة وتحديد موقعه في آن واحد مما يؤدي إلى استحالة التنبؤ الدقيق والحتمي بكمية الحركة والموقع في آن واحد.ومعنى ذلك أن مبدأ الحتمية لم يعد ضروريا على الاطلاق ويجب الانتقال بالفيزياء من الحتمية إلى اللاحتمية.النقد: إن رفض الحتمية يؤدي مباشرة إلى الوقوع في الصدفة التي تعد تبريرا للجهل أكثر ما هي مصدر للعلم.التركيب: قادت هذه الإشكالية في علم الفيزياء إلى اجتهادات كبيرة كان لها الأثر الإيجابي في علم الفيزياء منها:التمييز في الحتمية بين حتمية علمية ضرورية في البحث وحتمية كونية ينبغي رفضها.اهتدى العلماء إلى حساب الارتياب في القياسات كطريقة لتحقيق أكبر مقدار من الدقة إضافة إلى ذلك مبدأ حساب الاحتمال الذي جاء ليدعم مبدأ الحتمية.
مشكلة الحتمية والغائية في البيولوجيا:
مفهوم علم البيولوجيا الحية: يختص علم البيولوجيا بدراسة الظواهر الحية سواء كانت نباتية أم حيوانية.
خصائص الظاهرة الحية: تشترك الظاهرة الحية مع الظاهرة الفيزيائية في كونهما مادتين تشغلان حيزا من المكان،
تقبلان الملاحظة والدراسة الموضوعية.
ومع ذلك فهما يختلفان إذ تتميز الظاهرة الفيزيائية بجملة من الخصائص يمكن إجمالها فيما يلي:الظاهرة الحية معقدة: تتسم الظاهرة الحية بدرجة غالية من التعقيد،
يظهر ذلك في ترابطها مع غيرها من الظواهر مما يصعب عزلها ودراستها علميا وبشكل مستقل.
الظاهرة الحية حية: أي تقوم بجملة من الوظائف الحيوية وكل دراسة علمية مطالبة بدراسة الظاهرة الحية في هذا الإطار الحيوي ومن جملة الوظائف الحيوية التي تميز الظاهرة الحية: التغذي: وظيفة حيوية تتمثل في أخذ مواد من الطبيعة وتحويلها عن طريق التمثيل أو الهضم إلى مواد قابلة للاستهلاك.

التكاثر: وظيفة حيوية تتمثل في نزوع الكائن آليا أو غريزيا في مرحلة من مراحل النمو إلى إعطاء كائن يحمل نفس المواصفات النوعية [استمرار النوع].

النمو: وظيفة حيوية تتمثل في انتقال الكائن من مرحلة إلى مرحلة تكون مصحوبة بجملة من التغيرات والمظاهر.

التنفس: وظيفة حيوية يقوم بها الكائن الحي تتمثل في أخذ الأكسجين وطرح ثاني اكسيد الكربون أو أخذ الأكسجين الذي تستعمله لخلية في الاحتراق لإنتاج الطاقة الضرورية...

الإطراح: عملية حيوية قوامه طرح المواد التي لا يحتاجها الجسم إلى الخارج...الخ.أسباب تأخر علم البيولوجيا وحدود التجربة فيه :إذا عدنا إلى تاريخ البيولوجيا نجده قد تأخر في الظهور قياسا إلى علم الفيزياء ويذكر رواد هذا العلم أن الدعوة الفعلية إلى ظهور علم البيولوجيا ترتبط بالبيولوجي كلود برنار في كتابة " مدخل إلى الطب التجريبي " مع أننا نعتقد أن جهود المسلمين كانت سباقة إذا مارسوا الطب بصورة تجريبية رغم أنهم لم ينظروا لهذه الممارسة ،
ومهما يكن من أمر فأسباب تأخر علم البيولوجيا كثيرة نذكر منها :طبيعة الظاهرة الحية ذاتها .نقص الوسائل والأجهزة .ارتباط البيولوجيا بالخرافة .
مشكلة الحتمية والغائية في البيولوجيا :أ) ضبط المشكلة : رغم أسباب التأخر التي طالت علم البيولوجيا إلا أن دعوة كلود برنار كانت مثمرة ( دراسة بول الأرانب )
في تحول علم البيولوجيا إلى علم تجريبي غير أن إمكانية التجريب هذه أدت إلى طرح المشكلة إبستومولوجية هامة هي : كيف يمكن دراسة المادة الحية؟ بلغة أخرى هل تدرس بنفس الكيفية التي تدرس بها المادة الجامدة أم بكيفية خاصة ؟
بلغة أخرى هل تدرس الظاهرة البيولوجية في نطاق حتمي آلي كما لو كانت ظاهرة فيزيائية أم تدرس في نطاق غائي خاص ؟ يعبر البيولوجي الفرنسي كينو عن هذه المشكلة بقوله : " إن فهم أو تفسير الغائية العضوية هي المشكلة الرئيسية في البيولوجيا، وحتى في الفلسفة ، وعلى هذا الشأن ينقسم البيولوجيون إلى مدرستين تعتقد كلاهما اعتقادا راسخا في متانة دعائمها مما لا يترك أي مجال للاتفاق

"ب) الموقف الحتمي الآلي : يذهب كلود برنار إلى أن الدراسة العلمية للظواهر الحية لا يكون إلا في نطاق حتمي ذلك أن الظواهر الحية هي نفسها الظواهر الجامدة يقول: " إن المظاهر التي تبدو في الظواهر الحية هي نفسها المظاهر التي تتجلى في الظواهر الجامدة إنها تخضع لنفس الحتمية .
إن طابع التشابه بين الظاهرة الحية والظاهرة الفيزيائية قوي ويتعلق أصلا بالمكونات الاختلاف الوحيد بينهما يظهر في درجة التعقيد الذي يعد اختلافا في الدرجة وليس اختلافا في النوع أي أن اختلاف عرض وليس جوهري هذا ما تكشفه التجربة ،
ذلك أن تحليل المادة الحية يوصلنا إلى مكونات طبيعية ثم إن التفاعل الذي يتم على مستوى المادة الحية هو نفسه تفاعل كيميائي .... إلخ النقد: يكشف هذا التوجه على نزعة علمية تطمح إلى تحقيق الدقة الملاحظة في الفيزياء غير أن هذه النزعة أخطأت أكثر من مرة فهي لم تراع خصائص الظاهرة الحية .
أخضعت الظاهرة للمنهج في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون العكس.
وصلت إلى نتائج لم تشمل كل الظواهر الحية. II- الموقف الغائي:في المقابل للطرح السابق يذهب الغائيون ذوي التوجه الحيوي إلى القول أن الظاهرة الحية من طبيعة خاصة وينبغي أن نراعي هذه الخصوصية أثناء الدراسة ومن هذه الخصوصية أثناء الدراسة ومن هذه الخصوصية نذكر أنم الظاهرة الحية تتميز بطابع من النظام والانسجام والدقة والتي تفرض دراستها في نطاق غائي.ويضرب دونوي مثلا لذلك إذا أخذنا أنبوبا
ووضعنا فيه صفين من الكرات إحداها سوداء والأخرى بيضاء في كل صف 1000 كرية فإذا حركنا الأنبوب لتختلط فإن احتمال انتظامها ضعيف يقدر بـ 0.489-14 .يكشف المثال أن التفاعل في المادة الحية ليس تفاعلا أعمى ولا يفسر في نطاق مبدأ الحتمية.النقد: يصدق هذا بكل تأكيد على الظواهر الحية الأكثر تعقيدا ذلك أن نشاط الخلايا مثلا يتم في نطاق الاختصاص.ومن العبث أن نلغي الدور والوظيفة الخاصة بالخلايا غير أن المبالغة في هذا الطرح تؤدي إلى اعتبارات ميتافيزيقية تعيق العلم يقول كلورد برنارد ناقدا الاتجاه الغائي: "إن التفسير الغائي عقيم شبيه بعذراء تقدم نفسها قربانا للآلهة"

التركيب: يتجه علماء البيولوجيا اليوم إلى دراسة الظواهر الحية في نطاقين حتمي وغائي كما لو كانت الظاهرة ضمن معلم يراعي الظاهرة في حتميتها وفي غائيتهالتحليل النفسي عند فرويديرى فرويد أن الجهاز النفسي بناء ثلاثي التكوين، وأن كل جانب في هذا التكوين يتمتع بصفات وميزات خاصة، ، هذه الجهات أو الجوانب الثلاثة هي: (الهو) ، و(الأنا) ، و(الأنا الأعلى). أما(الهو): فذلك القسم الأولي المبكر الذي يضم كل ما يحمله الطفل معه منذ الولادة من الأجيال السابقة وانه يحمل ما يسميه فرويد الغرائز ومن بينها غرائز اللذة والحياة والموت.وهو يعمل تحت سيطرة ما يضمه منها.
وما هو موجود فيه لا يخضع إذن لمبدأ الواقع أو مبادئ العلاقات المنطقية للأشياء بل يندفع بمبدأ اللذة الابتدائي، وكثيراً ما ينطوي على دوافع متضاربة.انه لا شعوري وهو يمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان.
وأما(الأنا): فينشأ ويتطور لأن الطفل لا يستطيع أن يشبع دوافع (الهو) بالطريقة الابتدائية التي تخصها، ويكون عليه أن يواجه العالم الخارجي وان يكتسب من بعض الصفات والمميزات وإذا كان (الهو) يعمل تبعاً لمبادئه الابتدائية الذاتية، فإن(الأنا) يستطيع أن يميز بين حقيقة داخلية وحقيقة واقعية خارجية.
فالأنا من هذه الناحية يخضع لمبدأ الواقع، ويفكر تفكيراً واقعياً موضوعياً ومعقولاً يسعى فيه إلى أن يكون متمشياً مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة.
هكذا يقوم (الأنا) بعملين أساسين في نفس الوقت:أحدهما أن يحمي الشخصية من الأخطار التي تهددها في العالم الخارجي، والثاني أن يوفر نشر التوتر الداخلي واستخدامه في سبيل إشباع الغرائز التي يحملها(الهو) وفي سبيل تحقيق الغرض الأول يكون على الأنا أن يسيطر على الغرائز ويضبطها لأن إشباعها بالطريقة الابتدائية المرتبطة معها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الشخص.
فالاعتداء على الآخرين بتأثير التوتر الناشئ عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى ردّ الآخرين رداً يمكن أن يكون خطراً على حياة المعتدي نفسه وهكذا يقرر الأنا (متى) و(أين) و(كيف) يمكن لدافع ما أن يحقق غرضه ـ أي أن على (الأنا) أن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب لنشره.
وهكذا يعمل الأنا طبقاً لمبدأ (الواقع) مخضعاً مبدأ اللذة لحكمه مؤقتاً.ونأتي إلى الجانب الثالث وهو الأنا الأعلى: هنا نجد أنفسنا أمام حاضن للقيم والمثل الاجتماعية والدينية التي ربى الطفل عليها في بيته ومدرسته ومجتمعه. (فالأنا الأعلى) يمثل الضمير المحاسب، وهو يتجه نحو الكمال بدلاً من اللذة، ولهذا (الأنا الأعلى) مظهران، الضمير والأنا المثالي.
يمثل الأول الحاكم بينما يمثل الثاني القيم.فإذا أردنا تلخيص هذا البناء الثلاثي الداخلي للشخصية كما يراه بعض العلماء قلنا ما يلي:إن الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات تكيف الشخصية مع البيئة، كما ينظم ويضبط الدوافع التي تدفع بالشخص إلى العمل،
ويسعى جاهداً إلى الوصول بالشخصية إلى الأهداف المرسومة التي يقبلها الواقع، والمبدأ في كل ذلك هو الواقع.إلا أنه مقيد في هذه العمليات بما ينطوي عليه (الهو) من حاجات، وما يصدر عن (الأنا الأعلى) من أوامر ونواهي وتوجيهات فإذا عجز عن تأدية مهمته والتوفيق بين ما يتطلبه العالم الخارجي وما يتطلبه (الهو) وما يمليه (الأنا الأعلى) كان في حالة من الصراع يحدث أحياناً أن يقوده إلى الاضطرابات النفسية.منهجية تحرير مقالة فلسفية اختيار موضوع الامتحان - الانتباه إلى كلّ أجزاء الموضوع دون استثناء، و القيام بتحديد دلالاتها، كلّ جزء على حدة.

- الكشف عن العلاقات القائمة بين هذه الحدود ( حسب منطق الموضوع ).
- الاهتمام بصيغة الموضوع ( لكي نتعرّف على المطلوب ).فترة القراءة الكلية للموضوع
- هي في الواقع لحظة تأمل في الموضوع، قصد اكتشاف الأطروحة التي يعرضها، أو الإشكالية التي يريد طرحها...الخ. ومن ثم لابد أن نعيد قراءة الموضوع قراءة واعية تمكن من فهمه في كل أبعاده.- فهم السؤال المطروح وتحديد المطلوب من خلال الانتباه إلى صيغة المساءلة.- استخلاص تصميم عام للمقال حسب تدرج متماسك.
- استحضار المادة المعرفية التي تقتضيها معالجة الموضوع استحضارا وظيفيا. منهجية تحرير مقالة فلسفي إن منهجية الكتابة في مادة الفلسفة هي مجموع الخطوات العامة التي تهيكل الموضوع، وتشكل العمود الفقري لوحدته وتماسكه.
*المقدمةيتطلب بناء مقدمة لمقال فلسفي وتحريرها تمثلا لوظائفها نذكر منها بالخصوص:
- إبراز دواعي طرح المشكل الفلسفي الذي يتعلق به الموضوع مثل رصد تناقض، أو رصد مفارقة أو مساءلة رأي شائع، وهذا ما يمثل على وجه التحديد وظيفة "التمهيد". التّمهيد، الذّي يمكن أن يكون بالتّعرّض إلى مثال أو إلى وضعيّة معيّنة، بالإمكان أن نطرح بصددها السّؤال المقترح في الموضوع. تجنّبوا، بصفة كلّية، خاصّة تلك العبارات الجوفاء التّي لا تعني شيئا ك: " خلق اله الإنسان وميزه عن بقية المخلوقات...أو : هذه مشكلة من أهم المشاكل الفلسفية...إلخ".
- صياغة الإشكالية صياغة تساؤلية متدرجة تتمحور حول نواة الإحراج الأساسية التي يحيل إليها نص الموضوع وتكون هذه الصياغة متدرجة توحي بمسار التفكير في الموضوع المطروح دون أن تكشف مسبقا عن الحل الذي يتجه إليه التفكير .تجنب ما يلي:

- تفادي مزالق من قبيل صياغة إشكالية لا تتلاءم مع المطلوب في صيغة الموضوع، أو تقديم مقال مبتور (بدون مقدمة حقيقية) أو السقوط في عرض سلسلة من الأسئلة لا رابط منطقي بينها.
- تجنّبوا، بصفة كلّية، خاصّة تلك العبارات الجوفاء التّي لا تعني شيئا ك: " خلق اله الإنسان وميزه عن بقية المخلوقات...أو : هذه مشكلة من أهم المشاكل الفلسفية...إلخ".*التّحرير:- على التّعبير أن يكون واضحا و بسيطا، بحيث يكوم بإمكان كلّ قارئ ( حتّى و لو لم يكن منشغلا بالفلسفة ) أن يفهمه دون جهد و دون عناء.

- ينبغي أن لا نصوغ أكثر من فكرة واحدة في فقرة.الأمثلة و الإحالات المرجعيّة: استعمال سندات فلسفيةجدير بنا أن نستخدم، في مقالتنا، بعض الأمثلة، إما كمنطلق للتّحليل ( المثال، هنا،هو وسيلة تمكّن من استخراج مفاهيم و علاقات بين مفاهيم )،
و إما في نهاية عرض برهاني و نظري على فكرة، حتّى نقوم بتجسيدها و ببلورتها ( إعطاءها مضمونا ). لكن لا يجب أن يغيب عن أعيننا هنا، أنّ المثال لا يمكن اعتباره دليلا أو حجّة.
إن وظيفة المثال تكمن في تجسيد تفكير نظريّ مجرّد، أو في إثارته ( التّفكير )، و ليس في تعويضه.جدير كذلك، أن نقوم بالإحالة إلى بعض المرجعيّات الفلسفيّة المعروفة، و ذلك بفضل جملة من الشّواهد التّي يشترط فيها أن تكون أمينة و موضوعة بين ضفرين.ما يهمّ هنا، هو أن تكون هذه الشّواهد مدرجة و مندمجة في إطار المقالة ( دون أن تكون مسقطة و متعسّفة ) و متبوعة في نفس الوقت بتوضيحات تبرز دلالة هذه الشّواهد و تحدّد العلاقة التّي يمكن أن تقوم بينها و بين المشكل المطروح. *الخاتمةتتمثل وظيفة الخاتمة إذن في صياغة تأليفية للحلّ الذي أسسه مسار التفكير خلال جوهر المقال.
وبذلك فقط تكون الخاتمة متجاوبة مع المقدمة من حيث المضمون ومن حيث الشكل. يتعلق الأمر هنا باستخلاص تأليفي لمكاسب التفكير في المشكل الذي يحيل إليه الموضوع وصياغة جواب إيجابي دقيق عن هذا المشكل.و يجب أن نقوم فيها بعرض الاستنتاج المتوصل إليه، لأجل ضبط العناصر التّي مكّنتنا من الإجابة عن الإشكال المطروح.ويمكن الاستفادة في بناء الخاتمة من الأسئلة الموجهة التالية:- ما هو أهم ما يمكن الاحتفاظ به من مسار التفكير السابق ( خلال جوهر المقال ) ؟
- أي تغيير وأي إثراء أو تعميق حصل في تمثلنا للمشكل في ضوء مسار التفكير السابق ؟تتمثل وظيفة الخاتمة إذن في صياغة تأليفية للحلّ الذي أسسه مسار التفكير خلال جوهر المقال. وبذلك فقط تكون الخاتمة متجاوبة مع المقدمة من حيث المضمون ومن حيث الشكل.مقالة في معالجة مضمون النصالكشف عن المشكل الذّي تمثّل أطروحة النص حلاّ له. و يكون ذلك إمّا:بشكل مباشر: " ما هو السّؤال الذّي تقدّم الأطروحة حلاّ له ؟
".بشكل غير مباشر: " ما هي الأفكار و المواقف المعارضة لأطروحة النّص ؟ إذا كانت الأطروحة خاطئة، فما هو الموقف البديل الذّي يمكننا إثباته ؟
ألا يمكن البرهنة على صحّة أطروحة مناقضة لأطروحة النّص ؟ "

بالاستناد إلى الإجابات التّي نقدّمها عن هذه الأسئلة، نحاول البحث عن السّؤال الذّي يمكن أن يقبل، كإجابات ممكنة عنه، في نفس الوقت، أطروحة النّص من جهة و الأطروحات المناقضة لها من جهة أخرى.استخراج الإشكاليّة بطريقة غير مباشرة يقتضي تشكيل مفارقة تحتوي مواجهة بين أطروحات متضادّة.الكشف عن أطروحة النّص:تبيّن الحلّ الذّي يقترحه الكاتب لتجاوز مشكل معيّن" ماذا يثبت الكاتب ؟ ماذا يطرح ؟ عن ماذا يدافع ؟ ما هي الفكرة التّي يريد التّوصّل إليها ؟ بماذا يريد إقناعنا ؟ ماذا يريد أن يفهمنا ؟ ما هي، في آخر الأمر، الفكرة الأشدّ أهمّية و حضورا في النّص ؟
"تمثّل الحلّ أو الإمساك ب: أطروحة النّص و الوسائل التّي استعملها الكاتب في عمليّة الإثبات و البرهنة.التّساؤل عن قيمة الأطروحة:ينبغي إذن، بصفة إجماليّة،
أن نقوم بالبرهنة ( و ليس فقط بالإقرار ) على أنّ أطروحة النّص أكثر قيمة من جملة الآراء المعارضة لها. أو بتوضيح كيف أنّ أطروحة النّص محدودة و نسبيّة ( إمكان نقدها ) و ثانيا إبراز دواعي استبدالها بأخرى.
و يمكن أن نقوم بهذه العمليّة النّقديّة في رحلتين:النّقد الدّاخلي للنّص: الكشف عن مواطن ضعفه و إثارة الانتباه إلى بعض المقاطع التّي تغيب فيها الدقّة اللاّزمة و الوقوف على وجود بعض الافتراضات اللاّ مبرهن عليها أو حتّى الخاطئة الخ..
و يكون ذلك أيضا بتبيان الإستتباعات السّلبيّة للحلّ الذّي يقدّمه النّص.النّقد الخارجي للنّص: و يكون بمواجهة أطروحة النّص بأطروحة أخرى مناقضة يقع البرهنة عليها ( من المستحسن أن تكون مستمدّة من مرجعيّة فلسفيّة معروفة، معاصرة لكاتب النّص أو لاحقة له ).و لا يجب، في هذا المجال،
إهمال النّص و لا الإشكال الذّي يطرحه.الخاتمة:تكون ذلك بحوصلة كلّ الأفكار الهامّة التّي انتهى إليها جوهر الموضوع تحليلا و تقييما و تقديم إجابة تبعا للنتائج المتوصل إليها .

نرجوا منك ان تستفيدوا


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

اللغة


o من الدلالات إلى الإشكالية:

تعتبر اللغة في نظر العامة مرادفا للكلام، بالإضافة إلى اعتبارها مجموعة من الكلمات، كل كلمة تقابل شيئا معينا و تدل عليه، لكن إذا قمنا بمقارنة سريعة بين كل من اللغة و الكلام، سننتهي إلى أن اللغة ليست هي الكلام، فهذا الأخير فردي خاص و هو حدث زماني قابل للزوال و التجدد في حين أن اللغة من حيث هي أصوات و حروف و كلمات تبقى ثابتة و ذات طابع اجتماعي عام. و هكذا يمكن القول أن الكلام شكل من أشكال اللغة و ليست اللغة كلها، ذلك أن التواصل يمكن أن يتم بأشكال أخرى غير كلامية إلا أنها لا ترقى إلى مستوى التواصل الكلامي.
إن تحديد معنى اللغة يتطلب أيضا الوقوف على الدلالة المعجمية لهذه الكلمة، ففي اللسان العربي نجد أنها مشتقة من اللغن و اللغو و تعني الكلام الغير مفيد، أما في لسان العرب لابن منظور فهي كلمات يعبر بها قوم عن أغراضهم، و يركز ابن منظور على البعد التواصلي للغة، و في اللسان الفرنسي نجد كلمة ******** من اللاتينية lingua التي تعنـي الكـلام و الخطاب، أما الكلمة اليونانية logos فلها معان متعددة كاللسان و الكلام و الخطاب و العقل، و يفهم معناها من خلال السياق الذي وردت فيه.
إن هذه التعاريف تبقى محدودة و غير دقيقة، و لهذا لابد من الوقوف علـى الـدلالة الفلسفية و العلمية للغة.
إذا عدنا إلى المعجم الفلسفي لالاند نجده يحدد معنيين للغة:
المعنى الخاص : هي وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا و خارجيا.
المعنى العام : كل نسق من العلامات يمكن من التواصل.
أما إذا عدنا إلى معجم اللسانيات لاروس فإننا نجده يحدد اللغة: « هي القدرة على التواصل بواسطة نسق من العـلامات الصوتية "اللسـان" و هي قـدرة تتطلب وظيفة رمـزية و مراكز عصبية متخصصة وراثيا ».
نستخلص مما سبق: أن اللغة من حيث هي كلام لا يمكن أن تكون إلا خاصة بالإنسان، فهو الكائن القادر على إنتاج الفكر و التعبير عنه كلاميا.
2إن اللغة تعتمد العلامات و الرموز اللسانية و لا يمكن أن تمارس إلا داخل المجتمع.
3إن اللغة تتطلب مراكز عصبية و هذا يعني أن كل إنسان يكون قادرا مبدئيا على الكـلام و استعمال العلامات و الرموز اللسانية.
إن مفهوم اللغة يتخذ طابعا إشكاليا من خلال ما يتضمنه من مفارقات و تقابلات.
إن اللغة ذاتية و موضوعية فردية و اجتماعية فطرية و مكتسبة، كما أنها أداة لإنتـاج الفكـر و تبليغه في نفس الوقت. من خلال ما سبق يتأسس الطابع الإشكالي لمفهوم اللغة، فهل اللغة ظاهرة خاصة بالإنسان ؟ أم أنها مشتركة بين الإنسان و الحيوان ؟ كيف يتم إنتاج الدلالة و المعنى في اللغة ؟ و ما الفرق بين العلامة اللسانية و الرمز اللساني ؟ هل تعتبر اللغة عن فكر جاهز أم عن فكـر يتشكـل باستمـرار، و كيف تقوم اللغة بوظيفة التواصل ؟ هل يتم ذلك بشكل شفاف و واضح أم أن اللغة ما هي إلا وسيلة للإخفاء و الكتمان ؟.
o اللغة كخاصية إنسانية:

إن التساؤل عما إذا كانت اللغة ظاهـرة خاصة بالإنسـان أم أنها مشتـركة ما بين الإنسـان و الحيوان نابع من ملاحظة بعض المظاهر التواصلية لدى الحيوان، الشيء الذي يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن هناك لغة خاصة بالحيوانات و لكننا نحن بني البشر لا نستطيـع فهمها، و في هذا الإطار يبقى الموقف الفلسفي لديكارت أساسيا و جوهريا في حسم الخلاف حول هذه الإشكالية.
تحليل نص الكلام خاصية إنسانية لديكارت ص 13
أ- أطروحة النص:
إن الموقف الذي يتبناه ديكارت فيما يخص إشكالية هل اللغة خاصية إنسانية أم أنها مشتركة بين الإنسان و الحيوان . هو أن اللغة لا يمكن أن تكون إلا قدرة خاصة بالإنسان، هذه القدرة تتمثل في الكلام المرتبط في التعبير عن الفكر و هذه القدرة تنعدم عند الحيوانات.
هذا الموقف يتأسس على تصور ديكارت لمن هو الإنسان، إن الإنسان يتحدد في نظر ديكارت باعتباره جوهرا مفكرا قادرا على إدراك ما يجعل ذاته مختلفة و متميزة عن موجودات العالم الخارجي.

ب- كيف يدافع ديكارت عن الموقف الذي يتبناه ؟ اعتمد ديكارت آلية المقارنة بين الإنسان و الحيوان و استخلص من هذه المقارنة مجموعة من الحجج عزز بها موقفه، و تتمثل فيما يلي:
مهما بلغت غباوة الإنسان فإنه يستطيع أن يؤلف كلمات يعبر بها عن (موقفه) أفكاره في حين مهما بلغ الحيوان درجة عليا في سلم التطور فإنه لا يستطيع أن يفغل ذلك.
يقارن ديكارت بين الببغاء و قدرته على النطق و بين الإنسان، و يلاحظ أن هناك فرقا جوهريا بينهما، و يتمثل في أن الإنسان يعي ما ينطق به في حين أن الببغاء يفعل ذلك دون وعي، فالإنسان يستطيع أن يبتكر نسقا تواصليا إما في شكل إشارات أو علامات صوتية في حين أن الحيوانات لا تستطيع فعل ذلك.
إن اللغة في نظر ديكارت ترتبط بالفكر و بالعقل و الحيوانات لا عقل لها و بالتالي لا لغة لها، فكل ما تستطيع الحيوانات أن تفعله هو أن تعبر حركيا عن انفعالاتها الطبيعية.
ماذا نستخلص من هذا النص ؟
نستخلص مما سبق أن اللغة في نظر ديكارت لا يمكن أن تكون إلا ظاهرة خاصة بالإنسان ذلك أنه الكائن الوحيد القادر على التفكير و ممارسة مختلف العمليات الذهنية التي تنتج من خلالها الدلالة و المعنى التي تتوقف على القدرة على الإبداع.
إن هذا الموقف الديكارتي يتماشى مع التعريف الخاص الذي قدمه لالاند للغة، لكن لو انطلقنا من التعريف العام الذي يعتبر اللغة كل نسق من العلامات يمكن من التواصل، هل سننتهي إلى نفس النتيجة التي انتهى إليها ديكارت ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي القيام بمقارنة بين التواصل الإنساني و التواصل الحيواني.
إن التواصل الحيواني يتخذ شكلا غير كلامي "الإيحاءات، الحركات، تعابير حسية، الأصوات" موضوعه واحد و محدد ينتج عنه سلوك و هو غيرقابل للإرسال و إعادة الإرسال إلا بعد المعـاينة و التحقق: إن التواصل الحيواني خال من الإبداع لأنه يقوم على البرمجة الوراثية.
أما التواصل الإنسـاني فيمكن أن يكون كـلاميا أو غير كـلامي و مواضيعه متعددة و يمكن أن ينتج عنه إما سلوك أو حوار، في حين أن التواصل الحيواني قائم على الإشارة أو الحركة و من ثم ينتج عنه سلوك فقط، إن التواصل الإنساني متعدد المواضيع، قابل للإرسـال و إعادة الإرسال، كما أنه يقبل التجزيء إلى وحدات صوتية (فونيمات) و وحدات دلالية قابلة للتفكيك و إعادة التفكيك، أما التواصل الحيواني فموضوعه واحد يرتبط بما هو غريزي "الغذاء، العطش، التوالد" كما أن الحركة أو الإشارة تتخذ معنى إجمالي لا يقبل التفكيك أو التجزيء.
نستخلص مما سبق أن التواصل الإنساني يمكن أن يتخذ طابعا غير كلامي و لكنه يبقى محدودا و إن كان مجال استعماله واسعا و يتطلب شروطا محددة لابد من توفرها حتى تتم عملية التواصل اللغوي، و لهذا صار الشكل اللغوي الكلامي هو الشكل الأساسي للتواصل عند الإنسان، لأنه لا يخضع لأية شروط و يوفر ما لا توفره أشكال التواصل الأخرى، و لهذا صار التواصل الإنساني يقوم على التواصل أو الأسماء أو ما يسميه علماء اللغة بالعلامات و الرموز اللسانية.
o العلامة و الرمز اللسانيان:

ماذا تعني العلامة بمعنـاها العـام ؟ و ما معنى العـلامة اللسانية ؟ و ما الفرق بيـن الرمز و العلامة ؟ و ما دور العلامة و الرموزظ اللسانية في العلاقة بين الإنسان و الواقع ؟.
إن العـلامة تتضمن فكـرتين إحداهما فكرة الشيء الممثل و الأخرى فكرة الشيء الممثل له، و يقوم الأولى بإثارة الفكرة الثانية في الذهن، فيتم استحضار هذه الفكرة عن طريق التمثل الذهني، إن أهمية العلامة تتمثل في إثارتها للنشاط الذهني و هناك أنواع من العلامات، هناك العلامات الطبيعية كالدخان مثلا الذي يعتبر علامة طبيعية تدل على وجود النار.
هناك أيضا علامات اصطناعية مثل علامات المرور، و هناك أسضا العلامات التجارية، أما النوع الثالث من العلامات فهو ما يسمى بالعلامات اللسانية، و تعتبر عـلامات ثقافية لأنها حاملة لفكر و تحيل على ثقافة محددة، فهل هناك فرق بين العلامة و الرمز ؟ إن طرح السؤال المتعلق بالفرق بين العـلامة و الرمز يحيلنا إلى مسألة العـلاقة بين الـدال و المدلول، الإسم و المسمى بالعالم الخارجي
أو علاقة الأسماء بالأشياء، هناك تصورين لهذه العلاقة: لقد اعتبر أفلاطون أن العلاقة بينهما علاقة طبيعية لأن الإسم في نظره يعكس حقيقة المسمى أو خصائصه و مميزاته الطبيعية، أما علماء اللغة و الفلاسفة المعاصرين فقد اعتبروا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلول هي علاقة اعتباطية، فما معنى الاعتباطية ؟.
إنها تعني أن العلاقة بين الإسم و المسمى لا يمكن تبريرها من الناحية العقلية أو المنطقية.
إن الاعتباطية تعني أيضا أن العلاقة بين الإسم و المسمى أو الدال و المدلول هي علاقة قسرية و القسرية هنا تتضمن معنيين:
إن الإسم لا يعكس حقيقة المسمى.
أن العلاقة بينهما لا تراعى فيها أية اعتباطات ذاتية أو عقلية كما أن الاعتباطية لا تعني أن الذات المتكلمة لها الحرية في التصرف في النظام اللغوي بل على العكس من ذلك، إن النظـام اللغوي يفـرض على الـذات المستعملة له احتـرام القـواعد و الضوابط التي تنظمه، فما دور العلامات و الرموزظ اللسانية ؟ و ما علاقتها بالعالم الخارجي ؟ و قبل ذلك ما الفرق بين العلامة و الرمز ؟.
إن الرمز ينتمي إلى مجال العلامات و لكنه علامة تستخدم بمعنى خاص و إذا كانت العلاقة بين العلامة و بين ما تحيل إليه علاقة اعتباطية، فإن العلامة التي تستخدم رمزا تحافظ على علاقة طبيعية بينها و بين ما ترمز إليه دون أن يكون هناك تطابق كلي بينهما و كمثال على ذلك العلامة اللسانية "الثعلب أو الأسد" فحينما نستعملها في سياق عام فإن الحديث يكون عن حيوانات لها نمط عيش خاص بها و لكن حينما نستخدمها كرموز كأن نقول عن شخص بأنه ثعلب أو إنه أسد، فنحن لا نعني أن هذا الشخص تحول إلى حيوان، بل نقصد أنه يشترك مع كل منهما في خاصية معينة و هي خاصية توجد في طبيعة كل منهما: المكر و الشجاعة و من هنا نستخلص أن الـرمز يشترك في خاصية طبيعية بينه و بين ما يـرمز إليه، فما دور العـلامات و الرموز اللسانية ؟.
إن كون العلامة اللسانية تقوم على الصوت تجعلها مختلفة و متميزة و مختلفة عن باقي العلامات لأن ارتكازها على هذا المكون الصوتي يجعلها متحررة من الارتباط المباشر بالأشياء المادية أو بالإدراك الحسي لما يتم التواصل بشأنه، و يمكن القول إن دور العلامة اللسانية لا تحيل على شيء مادي بل تحيل على معنى الشيء الذي يجعلها تلعب دور الوسيط ما بين الإنسان و العالم الخارجـي. [ إن الأسماء تغنينا عن إحضار الأشياء بذكر أسمائها، "الفارابي" ].
إن العلامات و الرموز تشكل عالما موازيا للعالم الخارجي هو ما يمكن تسميته بالنظام اللغوي الرمزي بل يصبح بديلا للأشياء المادية، نحن إذن لا نتعامل مع الأشياء و الموجودات كما هي بل كما يحددها النظام اللغوي، إن هذا الأخير يعيد تشكيل العلاقات و تصنيف الموجودات حتى يستطيع التحكم في موجودات و مكونات العالم الخارجي، و بهذا المعنى يمكن القول إن النظام اللغوي كما يفرض نفسه على الإنسان الذي يستخدمه يفرض نفسه أيضا على العالم الخارجي، و على هذا الأساس يمكن القول إننا نتعامل مع الواقع كما يدركه الفكر من خلال اللغة. و من هنا تطرح إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر؟.
o اللغة، الفكر، التواصل:

إن إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر تحتمل افتراضين؛ إما أن نعتبر أن كلا منهما يوجد باستقـلالية عن الآخر و هـذا الموقف عند الفلسفة الكـلاسيكية و كمثال على ذلك موقف ديكـارت و برجسون، و إما أن نعتبر أن العلاقة بينهما علاقة تلاحم و تداخل بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر، و هذا الموقف نجده لدى الفلاسفة المعاصرين و اللسانيات الحديثة.
و تتخذ إشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر الصيغة التالية: هل للفكر وجود سابق على اللغة ؟ أم أن الفكر و اللغة متلازمان ؟ بحيث لا يمكن أن نفصل أحدهما عن الآخر.
نجد الموقف الأول الذي يعتبر كلا منهما مستقلا عن الآخـر عند كـل من ديكـارت و برجسون.
ينطلق ديكارت من اعتبار الفكر جوهرا لا ماديا هو مبدأ كل وجود، و لهذا فهو سابق على اللغة التي تعتبر من طبيعة مادية، و لهذا يعتبر ديكارت أننا في حاجة إلى أداة لإخراج الفكر إلى حيز الوجود و جعله مدركا من قبل الآخرين، و هـذه الأداة هي اللغة، أما بـرجسون و إن كان يتبنى نفس الموقف الذي يتخذه ديكارت من علاقة الفكر باللغة إلا أنه يعتبر أن هذه الأخيرة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر. إن برجسون يعتبر أن اللغة الإنسانية باعتبارها علامات و رموز ذات طبيعة مادية و أنها لا تغطي موضوعات العالم المادي إلا من خلال نقل الكلمة لتدل على أكثر من شيء.
لقد اعتبر برجسون أن اللغة الإنسانية عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و هي على نوعين: المادة الجامدة و المادة الحية. إن العقل البشري حينما يتعامل مع المادة الجامدة يمكن أن يحقق تقدما معرفيا كما هو الحال في العلوم التجريبية، غير أنه حينما يتعامل مع المادة الحية فإنه يتعامل معها بنفس الطريقة التي تعود على التعامل بها مع المادة الجامدة، الشيء الذي يؤدي في نظره إلى قتل عنصر الحياة فيها و لهذا يدعو برجسون إلى توسيع مجال اللغة ليشمل لغة الحدس، و هي لغة خاصة غير قابلة للنقل ذلك أنها تعتمد على التجربة الذاتية الخاصة، فمثلا لكي ندرك ما هو الحزن أو الفرح لا يكفي أن توصف لنا هذه الحالة لأن الوصف سيكون غير أمين، و لهذا لابد أن يعيش الإنسان التجـربة بنفسه، ضد هـذا الموقف الـذي يفصل بين اللغة و الفكـر نجد موقف الفلسفة المعـاصرة و اللسانيات الحديثة التي تؤكد على أن الفكر لا وجود له إلا في شكل لغوي، و لا وجود للغة خالية من المعنى و الدلالة.
نجد هذا الموقف عند دي سوسير و إيميل بنفنسن و مرولوبوتي و كريستيفا، إلا أن كلا منهم يدافع عن هذا الموقف من زاوية خاصة، فبالنسبة لدي سوسير يعتبر أن العـلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة تلاحم و تداخل و يشبه هذه العلاقة بورقة العملة النقدية، بحيث لا يمكن تمزيق الوجه الأول دون أن يتمزق الوجه الثاني.
أما مرلوبوتي، فينظر إلى العلاقة بين اللغة و الفكر من زاوية أخرى: علاقة اللغة بكل من الفكر و الكلام، فلا وجود لفكر قبل اللغة، إنهما متزامنان ففي الوقت الذي يصنع فيه الفكر اللغة فإن اللغة تحتوي معاني ذلك الفكر و ينتقد الموقف الديكارتي الذي يفصل الفكر عن اللغة، فاللغة في نظره لا يمكن أن تكون أداة للتعبير عن الفكر و ما يدل على ذلك هو أن التفكير في صمت هو في الواقع ضجيج من الكلمات، فالتفكير الداخلي هو لغة داخلية.
إن الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر هي إشكالية التواصل بمعنى هل تعبر اللغة عن الأفكار بشكل شفاف و واضح، أم أن اللغة مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان ؟.
يعتبر جاكبسون أن كل عملية تواصلية أو حدث كلامي يتكون من 6 عناصر، هناك السيـاق و يشير عـادة إلى الظـروف و المناسبة التي يتم فيها هذا الحدث الكـلامي، المرسل و المرسل إليه و بينهما رسالة أي المعلومات المتبادلة، الاتصال أي عملية التوصل المباشر بتلك المعلومات المرسلة بطريقة شفوية أو كتابية.
و أخيرا ما نسميه بالسند و هو ما يمكن من فك رموز الرسالة.
إذا توفرت هذه العناصر الستة المكونة للعملية التواصلية، فإن جاكبسون يعتبر أن اللغة تقوم بعملية التواصل بشكل شفاف و واضح لكن هل فعلا تكون اللغة دائما شفافة و واضحة أم أنها مجرد وسيلة للإخفاء و الكتمان.
إن هـذا ما يوضحه "ألوليفي دوكو" من خـلال النص الذي سنتناوله "اللغة بين الكشف و الإخفاء".

تحليل نص "اللغة بين الكشف و الإخفاء" ص 21
في هذا النص ينتقد "ألوليفي دوكو" فكرة التواصل كما حددتها اللسانيات في بداية نشأتها مع دي سوسير، و إذا كان هذا الأخير يعتبر أن التواصل يتحدد في نقل المعلومة أو الخبر من طرف لآخر فإن دوكرو يعتبر هذا التعبير ضيقا جدا و لا يعطي للتواصل كل معانيه.
إن كل تواصل قابل لأن يتخذ دلالات متنوعة خصوصا و أنه يتم داخـل مجتمع معين و بما أن العلاقات الاجتماعية علاقات متعددة و متنوعة فإن عملية التواصل تتخذ أيضا نفس الدلالة و لهذا فإن اللغة لا تتخذ فقط كوسيلة للتواصل، إنها تحدد الإطار المرجعي لهذا التواصل. ذلك أنه داخل مجتمع توجد مجموعة من المحرمات الشيء الذي يجعل عملية التواصل بمثابة قواعد لعب يومية تحدد ماهو مباح و ماهو ممنوع هذا بالإضافة إلى الطقوس التحريمية التي يتضمنها كل نظام لغوي الشيء الذي يفرض على الأراد أو الذوات المتكلمة أن تنشأ إلى التعبير الضمني الذي ينفي المسؤولية عن الذات المتكلمة هذا بالإضافة إلى كون هذه الأخيرة تلجأ إلى تفادي كل نقد أو اعتراض يمكن أن يعرضها للسخرية أو المحاسبة من قبل الآخرين، و هذا ما يسميه دوكرو بآليتي الإخفاء و الإضمار.
من خلال ما سبق تناولنا في هذا الدرس كون اللغة ظاهرة خاصة بالإنسان ذلك أن هذا الأخير هو الكائن الوحيد القادر على التفكير و بالتالي فهو في حاجة إلى إبداع علامات و رموز لسانية يستطيع من خلالها عن فكره و هي قابلة للتنوع و الاختلاف و التعدد باختلاف المجتمعات البشرية، كما تنـاولنا علاقة العـلامات و الرموز اللسانية بالواقع من خلال البحث في العـلاقة بين الكلمـات و الأشياء و الأسماء و المسميات و انتهينا إلى أن هناك موقفين من هذه العلاقة، الموقف الأفلاطوني نسبة إلى أفلاطون الذي يعتبر العلاقة بينهما طبيعية في حين أن موقف الفلسفة الحديثة و اللسانيات المعاصرة تعتبر أن العلاقة بينهما علاقة اعتباطية، أما بخصوص العلاقة بين اللغة و الفكر فقد تطرقنا إلى موقفين:
موقف الفلسفة الكلاسيكية التي يمثلها كل من ديكارت و برجسون اللذين اعتبرا أن العلاقة بينهما هي علاقة انفصال ذلك أن الفكر من طبيعة روحية لا مادية في حين أن اللغة من طبيعة مـادية و على هذا الأساس اعتبر ديكارت أن اللغة مجرد أداة للتعبير عن الفكر في حين اعتبرها برجسون أداة عاجزة عن الإحاطة بكل موضوعات الفكر و لذلك اقترح أن يشمل مفهوم اللغة الحدس باعتباره لغة خاصة غير قابلة للنقل.
ضد هذا الموقف نجد موقف اللسـانيات الحديثة و الفلسفة المعـاصرة التي اعتبرت أن اللغة و الفكر متداخلان بحيث لا يمكن الفصل بينهما فلا وجود لفكر بدون لغة و لا وجود للغة خالية من الفكر و الدلالة.
أما الوجه الآخر لإشكالية العلاقة بين اللغة و الفكر فهي إشكالية التواصل، إن هذه الإشكالية نـابعة أساسا من تحديد معنى التـواصل فحينما يتم التركيز على التـواصل باعتبـاره نقلا للأفكـار و المعلومات كما حدده جاكبسون فإن اللغة تقوم بوظيفة التواصل بشكل شفاف و واضح كلما توفرت العوامل المكونة لعملية التواصل، لكن حينما يتخذ التواصل أبعادا متعـددة تصبح اللغة إطـارا محددا لهذه العملية التواصلية، و من ثم تصبح اللغة أداة للإخفـاء و الكتمان.

=========


>>>> الرد الثاني :

الحرية

الحريــــة *** إلى أي مدى يمكن للمجتمع أن يحدد حرية الفرد ؟؟؟ *** مقدمة : يعتبر موضوع الحرية من اهم مواضيع الفلسفة ، وقد نال إهتماما من طرف الفلاسفة نظرا لتعلقه بالشخصية الانسانية وهو من اصعب المواضيع واعمقها ومما زاد تعقيده ظهور علم الاجتماع الذي يعتبر الفرد جزءا من المجتمع الذي ينتمي اليه وهذا ما يؤدي الى تقيد الحرية الفردية بإخضاع السلوك الفردي إلى سلوك الجماعة فإلى اي مدى يمكن التسليم بهذا الرأي ؟؟ التوسيع : الحرية هي تجاوز كل الاكراهات الداخلية والخارجية أي القدرة على التخلص الارادي من مختلف الضغوط التي يمليها المجتمع إلا أن علماء الاجتماع يشككون في هذه الامكانية فالحتميات الاجتماعية في رايهم تعبر بالارادت الفردية وتبطلها طالما أن الافراد لا يستطيعون الاستغناء عن مقومات المجتمع الذي يشكل الاطار العام الذي ينتمون إليه فالانسان إجتماعي بالطبع . إثبات وجود الموضوع : ويمكن ان تتاكد من هذه الحقيقة من خلال توضيح مختلف المظاهر التي تعكس سيطرة المجتمع على افراده فالعادات والتقاليد تشكل قيدا كبيرا امام حرية الافراد وبمبادراتهم الشخصية ،فتقف سدا منيعا امام رغباتهم في التميز والاختلاف كماان الفرد يحتاج الى الاتصال بغيره فيتقيد بالوسائل التي يختارها في التخاطب والمعاملة ولذلك اللهجة المتداولة وبالاضافة الى ذلك فان المجتمع يحتضن الفرد منذ طفولته ليقدم له التربية الاسرية ثم يعرض عليه في المدرسة القيم العامة ليؤهله الى الاندماج الاجتماعي كما تشكل الاخلاق مظهر آخر لهيمنة المجتمع وسيادته على الافراد فيصبح السلوك الفردي خاضعا للمعايير الاخلاقية التي يجب مراعاتها اما القوانين والتنظيمات السياسية والاقتصادية والارادية فهي التي تحدد اساليب المشتركة في الحياة الاجتماعية .** بيان قيمة الموضوع : لا شك ان بعض المظاهر الاجتماعية تشكل قيدا حقيقيا للافراد وذلك عندما يتعذر عليهم التعبير عن إمكاناتهم الفردية وإستقلال شخصيا تهم داخل المجتمع لأن ظروفهم الأجتماعية تعيق هذه المحاولات حينما تتميز مظاهر التخلف والفوضى ويمكن مع ذلك ان يبقى المجتمع في حد ذاته مجالا لممارسة الحريات اذ ينبغي التميز بينه وبين الظروف الاجتماعية المكونة له والتي تبقى قابلة للتغير إذا أراد الافراد ذلك ،فالمجتمع لايشكل سجنا للافراد ولكنه يستطيع ان يكون حصنا يحمي حرياتهم الفردية ويطور مواهبهم ويعمق اعتقاداتهم وثقافاتهم **الخاتمة : يتبين لنا من هذا أنه يستحيل على الفرد ممارسة الحرية ألانسانية في صورتها المطلقة فالحرية إجتماعية بطبيعتها طالما انها تمارس داخل المجتمع لأنها ليست مجرد حقيقة فلسفية وذلك ان قيمتها الفعلية تكمن في مدى قدرتنا على تحدي القيود والتحرر منها بإستمرار .

=========


>>>> الرد الثالث :

الذاكرة


•الذاكرة • يقول ريبو( ان الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية وظاهرة بسيكولوجية بالعرض )
◘ مقدمة : تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسبات تجاربنا السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة ،بل ان الإنسان يتميز بقدرته اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر والماضي معا وهذا ما يسمى الذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع معرفتنا أنه ماضي وقد اختلف الفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ الذكريات هل هي عضوية لها مكان معين في الدماغ أم هي قدرة عقلية نفسية ؟ هل يمكن تفسير الذاكرة بالإعتماد على النشاط العصبي ؟ هل تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج الى غير ذلك ؟ ♠ ق1/ يحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا وربطها بخلايا الدماغ إن ملاحظات ريبو على حالات معينة مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة [ الفتاة التي أوصيبت برصاصة في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف عل المشط الذي كانت تضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد له أن اتلاف بعض الخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة الى فقدان جزئي أوكلي للذاكرة وجعلته يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة عامة لللجهاز العصبي أساسها الخاصية التي تمتلكها العناصر المادية في الإحتفاظ بالتغيرات الواردة عليها كالثني في الورقة لقد تأثرت النظرية المادية بالكرة الديكارتية القائلة بأن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم وأن الذكريات تترك أثر في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على أسطوانات التسجيل ، وكأن المخ وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات ، لذا يرى ريبو أن الذكريات مسجلة في خلايا القشرة الدماغية نتيجة الآثار التي تتركها المدركات في هذه الخلايا و الذكريات الراسخة هي تلك التي استفادت من تكرار طويل لذا فلا عجب إذا أبدا تلاشيها من الذكريات الحديثة الى القديمة بل ومن العقلية إلى الحركية بحيث أننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال والحركات ، ولقد استطاع ريبو أن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات بل ويعد 600مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الإنطباعات التي تأتينا من الخارج مستفيدا مما أثبتته بعض تجارب بروكامن أن نزيفا دمويا في قاعدة التلفيف من ناحية الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وأن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحية الجدارية يولد العمى النفسي وغيرها ولكننا نجد ان هناك الكثير من حالات فقدان الذاكرة تسببه صدمة نفسية وليس له علاقة بإتلاف خلايا الدماغ وأن الذكريات التي فقدت سرعان ما تعود بعد التعافي من تلك الصدمة كما أنه لو كان الأمر كما يرى ريبو وأن الدماغ هو مكان تسجيل الذكريات لترتب على ذلك أت جميع المدركات والمؤثرات التي يستقبلها يجب ان تحتفظ في الدماغ ولوجب تذكر كل شيء .... لذا جاءت النظرية المادية الحديثة لتؤكد أن الذاكرة لا تحتفظ إلا بجزء من هذه المؤثرات وهذا يدل عل أن عملية الاحتفاظ بالذكريات تخضع لنوع من الانتقاء ولكن هذا يطرح مشكلة فهل هو وظيفة نفسية أم مادية عضوية في الدماغ ، وهل هذا الانتقاء إرادي أم لاإرادي ؟ ومن البداية فإن كل النظريات المادية الحديثة تعترف بتعقد وصعوبة سير أغوار الدماغ لدى الإنسان مما يجعلها فرضيات تحتاج الى الكثير من الأدلة ... ولا مانع هنا أن نستعرض بعضها حيث تقوم الأولى على مفهوم الترميز الغائي أو الو ضيفي للدماغ التي تعتقد أن التنظيم العالي للدماغ البشري يمكن أن يكون له دور في تثبيت الذكريات وذلك بتيسير ترابط بعض المعلومات الواردة ومنع ترابط بعضها الأخر أما الفرضية الثانية فتقوم على مفهوم الترميز الكهربائي حيث هناك نوعان من النشاط الكهربائي للجملة العصبية أحدهما ذو إيقاع سريع يحث النيترونات داخل الأعصاب وهو المسؤول التذكري واخر ذو إيقاع بطيء لاعلاقة له بالتذكر وثالثا مفهوم الترميز البيوكيميائي حيث انصب جهد علماء الوراثة على نوع من الجزئيات الموجودة في الدماغ الحامض الريبي النووي لإعتقادهم أنه له علاقة بالذاكرة حيث أجرو تجاربة على حيوان درب على أداء حركي معين ثم أخذت خلاصة دماغه وحقنت في حيوان أخر لم يتلقى أي تدريب فلوحظ أن أثار التعليم قد ظهرت في سلوكه .♣ مناقشة : إن مجموع هذه الفرضيات لم تكشف بكيفية قاطعة عن نوعية العلاقة الموجودة بين الذاكرة والمعطيات المختلفة للدماغ نظرا للصعوبات الكبيرة التي تواجه التخريب .♥ ق2/ تؤكد النظرية النفسية عند برغسون أن وظيفة الدماغ لاتتجوز المحافظة على الآليات الحركية أما الذكريات فتبقى أحوال نفسية محضة لذا فهو يرى أن الذاكرة نوعان ـ ذاكرة حركية تتمثل في صور عادات آلية مرتبطة بالجسم وهي تشكل مختلف الأعمال الحركية التي تكتسب بالتكرار . ـ وذاكرة نفسية محضة مستقلة عن الدماغ ولا تتأثر باضطراباته وهي الذاكرة الحقة التي غاب على المادين إدراك طبيعتها لأنها مرتبطة بالجسم وهي ليست موجودة فيه .... إنها ديمومة نفسية أي روح ويعرف لالاند الذاكرة بأنها وظيفة نفسية تتمثل في بناء حالة شعورية ماضية .♦ مناقشة : إن التميز بين نوعين للذاكرة يغرينا بارجاع الذاكرة الحية الى علة مفارقة ( روح) فالذاكرة مهما كانت تبقى دائما وظيفة شعورية مرتبطة بالحاضر وتوضف الماضي من أجل الحاضر والمستقبل أيضا ويرى ميرلوبانتي أن برغسون لايقدم لنا أي حل للمشكل عندما استبدل الأثار الفيزيولوجية المخزنة في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة في اللاشعور وهو لم يفسر لنا كيف تعود الذكريات الى سطح اللاشعور عن طريق إثارتها كمعطيات ماضية ، إذا كان ريبو أعاد الذاكرة الى الدماغ ، وإذا كان برغسون أرجعها الى النفس فإن هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها الى مجتمع يقول : ( ليس هناك ما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من خارج....فالزمرة الاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي جميع الوسائل لإعادة بنائها) ويقول أيضا : ( انني عندما أتذكر فإن الغير هم الذين يدفعونني الى التذكر ونحن عندما نتذكر ننطلق من مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضي بل هي تجديد لبنائها وفقا لتجربة الجماعة واعتبر بيار أن الذاكرة اجتماعية تتمثل في اللغة وأن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي ولايوجد ماضي محفوظ في الذاكرة الفردية كما هو .... إن الماضي يعاد بناؤه على ضوء المنطق الاجتماعي .لكن برادين يرد على أصحاب هذه النظرية يقول : ان المجتمع لايفكر في مكاننا ، ولهذا يجب أن نحذر من الخلط بين الذاكرة والقوالب المساعدة على التذكر ، ان الذكريات أفكار وهي بناء الماضي بفضل العقل . ♠ تركيب : إننا لن نستطيع أن نقف موقف إختيار بين النظريات المادية والنفسية والاجتماعية ولا يمكن قبولها على أنها صادقة ، فإذا كانت النظرية المادية قد قامت في بعض التجارب فقد رأينا الصعوبة التي تواجه التجريب وإن حاولت النظرية النفسية إقحام الحياة النفسية الواقعية في الحياة الروحية الغيبية فإن الإيمان يتجاوز العلم القائم على الإقناع ومهما ادعت النظرية الاجتماعية فلا يمكننا القول بأن الفرد حين يتذكر فإنه يتذكر دائما ماضيه المشترك مع الجماعة .☻ الخاتمة : هكذا رأينا كيف أن كل معارفنا عجزت على اعطاء أي تفسير للذاكرة مقبول للجميع ، فلا الجسم ولا النفس ولا المجتمع كان كافيا لذلك ولابد من استبعاد الفكرة التي تعتبر الذاكرة وعاء يستقبل آليا أي شيء إنها كما يقول دولاكروا (نشاط يقوم به الفكر ويمارسه الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لإهتماماته و أحواله ) .

=========


>>>> الرد الرابع :

بارك الله فيك

=========


>>>> الرد الخامس :


=========