الطريقة:جدليةالدرس:الشعور و اللاشعور.
الإشكال:هل كل ما لا نفهمه من السلوك الشعوري يمكن رده إلى اللاشعور؟
إن القول بأن الإنسان كيان مادي والبحث في ماهيته على هذا الأساس أمريتعارض والحقيقة حيث أن هناك جانب آخر يجب مراعاته ألا وهو الجانب النفسيفالإنسان ينطوي على كيان داخلي يشعر من خلاله ويعي به تصرفاته، وإذا سلمناأن الإنسان يعيش حياة نفسية شعورية فإن هذا التسليم يدفعنا إلى التقريربأن جميع تصرفاته شعورية لاغير ولكن ما هو ملاحظ عند الإنسان العادي أنهيسلك سلوكات في بعض الأحيان ويجهل أسبابها فهل هذا يعني أن الإنسان يعيشحياة نفسية شعورية فقط ؟ أو بالأحرى هل يمكن القول بأن سلوكات الفردشعورية فقط ؟ وإذا كان العكس فهل هذا يعني أن هناك جانب آخر للحياةالنفسية ؟.
إن تصرفات الإنسان جميعها نردها للحياة النفسية الشعورية فقط، كما يزعمأنصار الاتجاه الكلاسيكي الذي ظهر في عصر النهضة الأوربية الفيلسوفالفرنسي ديكارت الذي يقولإنالروح أو الفكر تستطيع تأمل أشياء كثيرة في آن واحد والمثابرة في تفكيرهاوبتأمل أفكارها كلما أرادت ذلك، والشعور من ثمة بكل واحدة منها) حيث يرىبأن ما هو عقلي هو بالأساس شعوري، ورفض إمكانية قبول وجود عمليات عقليةغير مشعور بها أي لا واعية مادامت كلمة عقلي تعني شعوري فلا يمكن أن يكونهذا عقلي ولا نشعر به، وقد أخذ بهذا الرأي كل من هوسرل وجون بول ستارت حيثنجد هوسرل يقول في كتابه (تأملات ديكارتية)كلشعور هو شعور بموضوع ما أو شيء من الأشياء بحيث لا يبقى هناك فاصل بينالذات والموضوع).وبمعنى هذا أن التفكير عن الكلاسيكيين هو ما نشعر بهونعيه من عمليات عقلية ولذلك اعتبر ديكارت أن أساس إثبات خلود النفس قائمعلى الشعور.
ونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع هو بن سينا الذياعتبر أن أساس إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان كما يقول(إذا تجردعن تفكيره في كل شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلايمكن أن يتجرد عن تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر)،ومعنى هذا أنالشعور يعتبر أساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن منعمليات عقلية متعددة ومتكاملة .
إن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته و أحاسيسه بنفسه إذا لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية .
إن هذا الرأي أثار اعتراضا لدى الكثير من الفلاسفة وعلى رأسهم :فرويد،فرينك لايبنتز، وهذا الأخير يقولإننيأوافق أن الروح تفكر دوما ولكن لا أوافق أنها تشعر دوما بأفكارها).كذلككيف نفير بعض السلوكات التي تصدر من الإنسان ولا يعي أسبابها كما أننانتصرف أحيانا تصرفات لا نعي أسبابها ولا يمكننا إدراجها في ساحة الشعورلأننا لا نشعر بها وإذا كانت الحواس غير قادرة على استيعاب العالم الخارجيفالشعور كذلك لا يمكنه احتلال ساحة النفس وحده.
وعلى عكس الرأي السابقنجد أنصار الاتجاه الذي يقر ويثبت اللاشعور وقد تبنى هذا الموقف ما يسمىبفلاسفة ـ مدرسة التحليل النفسي ـ وعلى رأسهم العالم النفساني ذو الأصلالنمساوي بسيجموند فرويد وقد استند إلى حجج وبراهين عدة في ذلك منها الحججالنفسية المتعددة الأشكال (زلات القلم،فلتات اللسان،إضاعة الشيء،النسيانالمؤقت،مدلول الأحلام،الحب من أول نظرة)ويرى فرويد أنه لا يمكن فهم كلمنها بدون التسليم بفكرة اللاشعور ومن الأمثلة التي يستشهد بها والقصصالتي يرويها فرويد عن فلتات اللسان افتتاح رئيس مجلس نيابيبقوله:<<أيها السادة أعلن رفع الجلسة>>وبذلك يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لما قد تسفر عنه الجلسة،والخطأ عند فرويد ظاهرةبسيكولوجية تنشأ عن تصادم رغبتين نفسيتين إن لم تكن واضحة ومعروفة لدىالشخص الذي يرتكب الهفوة،ومن أمثلة النسيان(أن شخصا أحب فتاة ولكن لمتبادله حبها وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوجمنذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميلهمحاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه)وتبين لفرويد أنهذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرةويود ألا يفكر فيه أما الأحلام فهي حل وسط ومحاولة من المريض للحد منالصراع النفسي،ويروي المحلل النفسي فرينك: )أن إحدى المريضات تذكر أنهارأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غاليجدا)فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريدالتخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويدأن لدى الزوجة رغبة متخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلاغنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنهاالغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى وقد استنتج فرويد من خلال علاجه لبعضالحالات الباثولوجية أنه لابد أن توجد رابطة بين الرغبة المكبوتة فياللاشعور والأغراض المرضية فهي تصيب وظائف الشخص الفيزيولوجية والنفسيةويقدم فرويد مثال ـ الهستيريا ـ فصاحبها لا يعرف أنه مصاب بالهستيريا وهيتنطوي على أعراض كثيرة منها (فقدان البصر،السمع،أوجاع المفاصلوالظهر،القرحة المعدية).ولهذا يؤكد فرويد مع بروير هذا الأمر حيث يقولبروير(كلما وجدنا أنفسنا أمام أحد الأعراض وجب علينا أن نستنتج لدى المريضبعض النشاطات اللاشعورية التي تحتوي على مدلول هذا العرض لكنه يجب أيضا أنيكون هذا المدلول لا شعوريا حتى يحدث العرض،فالنشاطات الشعورية لا تولدأعراض عصبية والنشاطات اللاشعورية من ناحية أخرى بمجرد أن تصبح شعورية فإنالأعراض تزول).ويمكن التماس اللاشعور من خلال الحيل التي يستخدمها العقلمن دون شعور كتغطية نقص أو فشل،ومن أمثلة التعويض أن فتاة قصيرة القامةتخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار منمستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار أو تقوم ببعض الألعاب الرياضيةأو بلباس بعض الفساتين القصيرة ويرجع الفضل في إظهار عقدة الشعور بالنقصومحاولة تغطيتها إلى تلميذ فرويد آذلار ومنها ـ التبرير ـ فالشخص الذي لميتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ ل تبرير موقفه بإحصاء عيوبالمسرحية.و يضيف فرويد قوله بأنه مادامت حواسنا قاصرة على إدراك معطياتالعالم الخارجي فكيف يمكننا القول بأن الشعور كاف لتفسير كل حياتناالنفسية .
رغم كل هذه الحجج والبراهين إلا أن هذا الرأي لم يصمد هو الآخر للنقد حيثظهرت عدة اعتراضات ضد التحليل النفسي وضد مفهوم اللاشعور خاصة،يقول الطبيبالنمساوي ستيكالأنالا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولى ولكن بعد تجربتي التيدامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحت شعورية وان المرضىدوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياء المكبوتة ليست فيالواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميل إلى تجاهلها خشيةإطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام،بالإضافة إلى أن فرويد لم يجر تجاربهعلى المرضى الذين يخافون من الإطلاع على حقائق مشاكلهم وفي الحالاتالعادية يصبح كل شيء شعوري كما يقر بروير نفسه في قوله السابق وكذلك أناللاشعور لا يلاحظ بالملاحظة الخارجية لأنه سيكولوجي ولا الداخلية لأنه لاشعوري،إذَاً لا نلاحظه داخليا أو خارجيا فلا يمكن بالتالي إثباته.
إنالإنسان يقوم في حياته اليومية بعدة سلوكات منها ما هو مدرك ومنها ما هوغير ذلك ومن ثم ندرك أن هناك مكبوتات لا يمكن التعرف عليها إلا بمعرفةأسبابها ولكن أن نرجع كل الحالات للاشعور فهذا ما لا ينبغي.
ونتيجة لما سبق يمكننا أن نقول أن الحياة عند الإنسان شعورية و لا شعورية أن ما لا يمكن فهمه من السلوك الشعوري يمكن فهمه باللاشعور.
حين نتحدث عن اللبيد والجنس فلا مناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامهلهذه المسألة إلى درجة المبالغة والشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزةالجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلها ومنبع المشاعر البشرية بلا استثناءيصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أن يصبغ كل حركة من حركات الطفلالرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفل أثناء رضاعته ـ كما يزعم هذاالأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنس وهو يمص إبهامه بنشوةجنسية،وقد جاء في <<بروتوكولات حكماء صهيون>>(يجب أن نعمل أنتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إن فرويد منا وسيظل يعرضالعلاقات الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس ويصبحهمه رواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه).(انظر كتاب الماديةوالإسلام)(عن كتاب تنظيم الإنسان للمجتمع)