ب - المقالات الجدلية :
المقالة الجدلية الأولى : انطباق الفكر مع نفسه و انطباقه مع الواقع.
نص الموضوع :
طرح المشكلة :
هدف الإنسان هو البحث عن الحقيقة حقيقة ما يحيط به وحقيقته. وليس من السهل
الوصول إلى هذه الحقيقة وقد لا يصلون إليها لهذا وضع أرسطو مجموعة من قواعد
و قسمها إلى الاستقراء و النطق الصوري .إذ يعرف المنطق الصوري بأنه مجموعة
قواعد التي تعصم الفكر من الوقوع في الخطأ أثناء بحثه عن الحقيقة أما
الاستقراء فيعرف بأنه منهج الاستدلالي الذي يعتمد على التجربة كمقياس لصحة
القضايا.ومن ذلك اعتبر أرسطو أن انطباق الفكر مع نفسه في المنطق الصوري هو
الذي يضمن لنا اتفاق العقول حول الحقيقة التي يصل إليها بينما ترى المدرسة
التجريبية الحديثة أن انطباق الفكر مع الواقع في الاستقراء هو الذي يؤدي
إلى الحقيقة التي تتفق حولها العقول .فهل تتفق العقول حول الحقيقة العلمية
التي يقدّمها لنا العقل في المنطق الصوري ؟ أم أن الاستقراء وحده يضمن لنا
الوصول إلى الحقيقة التي تتفق حولها العقول ؟
محاولة حل المشكلة :
1 - عرض الأطروحة : (انطباق الفكر مع نفسه هو ضمان ل‘تفاق العقول) اعتمد
أرسطو في منطق الصوري على نا العقل يحتوي على مبادئ تسمى مبادئ العقل
تساعده على التحليل و التركيب و الاستنتاج و أهمها مبدأ الهوية و بما أن
العقل مشترك بين جميع البشر فإن ما يصل إليه من معارف يعتبر محل اتفاق
الجميع.
وضع أرسطو منطقه اعتمادا
ضبط الحجة : على العقل الساكن الذي يعتبره عقل فطري مشترك بين البشر متكون
من مبادئ فطرية هي مبدأ الهوية الذي ينقسم بدوره إلى مبدأ عدم التناقض و
الثالث المرفوع و اعتبر هذه المبدأ كافية لكي تتفق العقول حول صحة المعرفة
أو خطئها فإذا حصلت معرفة متناقضة في نفس الوقت و من نفس الجهة كأن نقول
(احمد موجود في القسم و في الساحة في نفس الوقت و نفس الجهة) فجميع
ألعقولنا تتفق على أن هذه المعرفة خاطئة لان العقل لا يقبلها لاحتوائها على
نقيضين . ا ماذا احتوت مبدأ عدم الهوية كانت صحيحة و اتفقت عقولنا على
صحتها. ولهذا انطباق الفكر مع نفسه هو الطريقة الوحيدة للوصول إلى المعرفة
الصحيحة أين تتفق العقول.
نفد: اتفاق الفكر مع نفسه واعتماده المبدأ العقل و اعتماده على العقل
الساكن يمنحا معرفة ساكنة في حين أن معارفنا تتوجه للعالم الخارجي الذي
يتصف بالحركة الدائمة كما إننا نستنبط حقائقه من الواقع و مبادئ العقل
عاجزة على استنباط لهذا نحتاج إلى منهج آخر.
2 - عرض نقيض الأطروحة : (انطباق الفكر مع الواقع هو الذي يضمن اتفاق
العقول) رغم أن أرسطو هو الذي وضع الاستقراء إلا انه اعتبره مصدر ضني
للمعرفة أي أن نتائجه مشكوك في صحتها ارجع له قيمته فرنسيس بيكون لوه قيمته
و أيده جون ستيوارت مل في القرن 18.
وجه جون ستيوارت مل انتقادات حادة
ضبط الحجة : للمنطق الأرسطي لأنه لا توجد فيه مبادئ فطرية تساعده على
المعرفة إنما التجربة هي التي توصلنا إلى الحقيقة الكامنة وراء الظواهر
المادية لهذا لا نعتمد على العقل الساكن إنما العقل المتحرك الذي يسميه
لالاند بالعقل المكون فيه المعرفة الحسية تحدث بعد التجربة و يكون أدواته
بنفسه لأنه يعتمد على البرهنة التجريبية فالعلم الذي لا يخضع للتجربة ليس
علما صحيحا.
يرى ديكارت أن الاستقراء ساعد العلماء على اختزال ذلك الكم الهائل من
الظواهر الطبيعية في مجموعة بسيطة من القوانين الفيزيائية لأنه يعتمد على
مبدأ السببية العام و مبدأ الحتمية الذين تخضع لهما الطبيعة مما يجعل
المعرفة الاستقرائية صحيحة و محل اتفاق العقول.
نقد : رغم أن الاستقراء قدم نتائج تكنولوجية متطورة على ما قدّمه القياس
الأرسطي إلا انه في النهاية لم يؤدي اتفاق العقول و لم يحقق ما عجز عنه
المنطق الصوري حيث جاءت انتقادات العلماء أنفسهم للاستقراء مؤكدين مقدرته
غلى توافق العقول.
التركيب : (تجاوز) رغم أن المنطق الصوري يبدو صارما في صورته و رغم أن
الاستقراء يبدوا اقرب إلى الحقيقة من اعتماد على الواقع و التجربة لاكنا
العلماء وجدوا أن انطباق الفكر مع نفسه هو الأقرب إلى الصحة من الاستقراء
لان الظواهر الطبيعية متغيرة وهي في حركة دائمة وان المادة الحرة ذاتها
تتغير وهذا التغير خفي عنا و لا يمكن الوصول إليه بالحواس و لا بالوسائل
العلمية بل بالاستنتاج العقل كما هو الحل في قضية الاحتباس الحراري و ثقب
الأوزون لهذا كانت فيزياء اينشتاين اقرب إلى الحقيقة من فيزياء نيوتن
الواقعية التي تعتمد على الاستقراء التجريبي بينما فيزياء اينشتاين هي
استقراء يناء عقلي للحقائق لهذا كانت أكثر صدقا .
حل المشكلة :
يقول كارل بوبر منتقدا الاستقراء(انه لم يصمد أمام الانتقادات التي وجهها
العلماء والمنهج الذي لا يصمد أمام الانتقادات هو منهج خاطــئ ) و بهذا
اعتبر الابستومولوجي المعاصر أن القاعد ة التي أنهت قيمة الاستقراء
التجريبي لصالح المنطق الصوري الذي أصبح بدوره فاقد لقيمته أمام المنطق
الرياضي الذي حقق ما عجز عنه المنطق الصوري و الاستقراء حيث فيه تتفق
العقول فلا تتفق العقول إلا جزئيا في المنطق الصوري و كثيرا ما تعارضت في
الاستقراء إنما في الرياضيات تتفق تماما في العقول لهذا نجح اينشتاين فيما
عجز عنه نيوتن لما اعمد على الهندسة الكروية الوهمية لـ ريمان.
المقالة الجدلية الثانية : انطباق الفكر مع نفسه
نص الموضوع : هل المنطق الصوري مجرد تحصيل حاصل؟
الطريقة الجدلية
طرح المشكلة :
لا تختلف إذا عرفنا المنطق على أنه نظرية الشروط التي يجب أن تتوفر
للاستدلال الصحيح,وأهم ما في الاستدلال وبالأخص الغير مباشر هو نظرية
القياس وهي عملية عقلية ننتقل بها من الاعتقاد بأكثر من قضيتين (مقدمتين)
إلى الاعتقاد بجملة أخرى (النتيجة) يكون صدقها إما مضمونا إذا كان
الاستنتاج سليم أو على الأول محتملا بفضل صدق المقدمات لكن ما هو مثار
للجدل في هدا الموضوع هو القيمة الإبداعية للقياس مبدع أم أنه تحصيل حاصل؟
محاولة حل المشكلة :
عرض الأطروحة : لا تتردد في القول أن الكل أعظم من الجزء لكن هناك مسائل
كثيرة نصادفها ولا ندري أول الأمر أي حكم نتخذه بشأنها (و نعني بالمسألة
عبارة مؤلفة من موضوع ومحمول حيث تقتضي الإجابة إضافة المحمول إلى الموضوع
أو بنفيه عنه و من هنا تتجلى أهمية وقيمة القياس الأرسطي بحكم أنه تأليف
للمعارف باستنتاج سليم لأجل تحصيل العقل من الوقوع في التناقض وفي الخلط
المعرفي كقولنا
كل فيلسوف منطقي .أرسطو فيلسوف .أرسطو منطقي) فنلاحظ أن القياس حركة متصلة
من طرف إلى أخر و اتصالها ببعضها و حدتها وهو استدلال صحيح مترابط الأطراف
و بفضل هذا الترابط تمكن من السيطرة على كلّ أوجه التّفكير البنائي لحقبة
زمنية طويلة (منذ ظهوره على يد أرسطو إلى العصور الوسطى )حيث كان الفكر
قياسيا يأتم معنى الكلمة . وما ساعده على هذا الازدهار كذلك هو صورته
البرهانية طالما أن البرهنة هي تبيان علّة النتيجة بحيث لو سئلنا مثلا لما
قلنا: كل كريم هو صالح أجبنا لأنّ كل عالم هو صالح, وكل كريم هو عالم,
فالحدود هنا مثلا جمة و مترابطة ببعضها البعض والنتيجة لازمة عنهما لها قوة
البرهنة ونظرا لهذه القيمة البرهانية فقد بهر إعجاب العلماء المسلمين و
كان أحد أهم ركائز التّشريع عندهم (كلّ مسكر حرام. الخمر مسكر. الخمر
حرام).
نقد: لكن أهم ما يدفعنا للاستقصاء أكثر عن القيمة الجوهرية للقياس هو
سؤالنا هل يحمل القياس نتيجة جديدة أم أنّه مجرد تكرار لما ورد في
المقدّمتين هو قولنا مثلا "كل النّاس مائتون, وسقراط إنسان . إذن سقراط
مائت " يعبّر عن حقيقة جديدة ؟
نقيض الأطروحة :
نلاحظ من خلال هذا القياس أنّه لا يحمل نتيجة جديدة بل هو تكرار فقط
للمقدمة الكبرى, فالمقدمة الكلية الكبرى لا تصدق إلّا إذا كانت النتيجة
معلومة من قبل أي أن القائل لا يقولها إلا إذا كان يعلم أنّ سقراط مائت و
بالتالي لا تكون هناك حاجة لتركيب قياس. وإذا ركبنا قياس فنكون قد ارتكبنا
مصادرة عن الموضوع لأنّ المطلوب هو معرفة ما إذا كان سقراط مائت ومعرفة
أنّه مائت تتضمّنها المقدّمة الكبرى الشّيء لقولنا :"كلّ إنسان فان, محمد
فان, محمد فان" فالنتيجة محمد فان متضمنة في المقدّمة الكبرى (أي بعد أن
حكمنا على كلّ فرد من أفراد الإنسان بالفناء) إذن لا يحمل جديد وهو مجرد
تكرار لما ذكر في المقدّمتين وهو الموقف الذي تبناه من جون ستيوارت ميل و
ديكارت وابن تيمية حيث اعتبروا القياس تحصيل حاصل يؤدي بالفكر إلى الجمود و
العقم ولا يساعد على اكتشاف معارف جديدة وهو غير صالح لكي يكون أداة صالحة
للبحث إلّا إذا مدنا بنتائج يختلف معناها ومضمونها عن المعارف المتضمنة في
المقدّمات .
نقد: لكن هذا الرأي يظن أنّه يهدم القياس الأرسطي ورغم وجاهته من عدة
جوانب, فانّه لا يستطيع أن يتنكر للقيمة الإبداعية للقياس وهو أول محاولة
للفكر التنظيري المنظم, وأول محاولة لتأسيس خطاب علمي متجاوزا لكل الخطابات
العلمية التي سبقته, ولهذا يجب أن نرفض كل ما جاء به أرسطو لكن نحاول فقط
تدارك مواطن النّقص على حدّ رأي غاشون باشلار, العلم هو تاريخ أزمات الماضي
وهو في تطور مستمر يعمل على تصحيح أخطائه بنفسه لكي لا يقع فيها من جديد .
التركيب : بعد عرض الأطروحتين يتبين أن الاستدلال المنطقي قاعدة فكرية صلبة
أدت ما عليها ولا تزال تقدم الأساس المعرفي والفكري للعلوم وإن كنا قد
تطورنا إلى سبل أخرى فمازال للمنطق الصوري قيمة تاريخية على الأقل تبين
براعة الفكر البشري.
حل المشكلة :
ولم يبق لنا في نهاية هذا المقال إلا القول أنّ المنطق الأرسطي هو سابقة
أولى من نوعها في تاريخ الفكر البشري, ولقد ساهم مساهمة فعالة في ميدان
المنطق الصوري لاسيما نظرية القياس لأنها سبق صوري محض على جانب كبير من
الصّرامة والتّرابط ذات بناء عقلي منسجم ومنظّم بالرّغم من الانتقادات
العديدة التي يتعرّض لها .
المقالة الجدلية الثالثة : انطباق الفكر مع الواقع " الفرضية "
نص الموضوع : هل يمكن الاستغناء عن الفرض العلمي؟
طرح المشكلة : إن
الغرض من التفكير العلمي هو دراسة للكشف عن القوانين التي تتحكم فيها هذه
الدراسة تتطلب منهجا استقرائيا أو تجريبيا مستندا إلى خطوات ثلاث: هي
الملاحظة والفرضية و التجربة أما بالنسبة للفرضية ( الفرض العلمي )هو شرح
مؤقت وتيسير غير مؤكد وتكهن مبدئي لتفسير الظاهرة المدروسة وهو استنتاج
عقلي يعتمد على الخيال والحدس و الإبداع وقد اختلف الفلاسفة و العلماء في
أهمية وقيمة الفرض العلمي ، فهل للفرض دور في منهج التجريبي؟ آم يمكن
استبعاده؟
محاولة حل المشكلة :
1 - عرض الأطروحة :
يرى التجريبيون انه لابد من استبعاد الفرض العلمي باعتباره انه يقوم على
التكهن والظن و العلم اسمي من ذاك لذا كان نيوتن يقول لنا لا اصطنع الفروض
،كما أن الفرض يقوم على الخيال ولا يقوم على التجربة الحسية لذا كان ماجندي
يقول : ***أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر ، والفرض يقيد الملاحظة
ويصبح العالم أسيرا له ***، يقول ألان:*** إننا لا نلاحظ إلا ما افترضناه
ويعتبر ماجندي أن الملاحظة الجيدة تكفي يقول " أن الملاحظة الجيدة تغنينا
عن سائر الفروض ، ولكل هذا وضع يكون بطرق الاستقراء ليستطيع العالم أن
ينتقل مباشرة من الملاحظة والتجربة إلى القانون دون الحاجة إلى وضع
الفروض*** ، وقد جاء جون ستيوارت ميل ونظم هذه الطرق و أخرجها على الشكل
التالي : الطريقة الاتفاق أو التلاؤم مع الحضور ونصها : إن وجود العلة
ستلزم وجود المعلول وطريقة ا الاختلاف أو التلازم في الغياب ونصها أن غياب
العلة يستلزم غياب المعلول ثم طريقة التغير السلبي أو التلازم في التغير
ونصها أن تغير العلة يستلزم تغير المعلول و أخيرا طريقة البواقي ونصها
العلة الباقية للمعلول الباقي.
مناقشة: ينكر التجريبيون مبادرة العقل في إنشاء المعرفة العلمية لكن :
الكشف العلمي يرجع إلى تأثير العقل و احتياجاته يقول بوانكاريه :*** إن
الحوادث يتقدم إلى الفكر بدون رابطة إلى أن يجئ الفكر المبدع ، فكما كومة
الحجارة ليست بيتا كذلك اجتماع الحقائق بدون ترتيب ليست علما فالجواهر
موجودة ولكن تشكل عقدا " ما لم يجيء احدهم بخيط ، كما أن الواقعة الخرساء
ليست هي التي تهب الفكر بل العقل و الخيال ***، أما طرق الاستقراء فقد وجهت
لها الكثير من الانتقادات لذا أعلن باشلار :*** إن البحث العلمي صحيح
يتنافى مع هذه الطرق التي تعيده إلى عصر ما قبل العلم***.
2 - عرض نقيض الأطروحة :
يرى العقلانيون أن الفرض العلمي هو المنطلق الضروري لكل استدلال تجريبي
فلولا الفروض لما استطاع العالم أن يجرب برنارد :*** إن الملاحظة توحي
بالفكرة والفكرة تقود يد المجرب ولا تكفي مات تعطيه الملاحظة من أمور حسية
ولكن البد من تدخل العقل يقول ابن الهيثم :*** إني لا أصل إلى الحق إلا من
آراء تكون عناصرها أمور حسية وصورتها عقلية***.
3 – التركيب : إذن لا يجب التقليل من الفرض العلمي فبدونه لا يقوم أي نشاط
عقلي فالتجريب بدون فرض مسبق يؤدي إلى المخاطرة والملاحظة بدون تجريب مسبقة
تقيد عملنا،ولكي يؤدي الفرض العلمي في المنهج التجريبي يجب أن يستوفي
الشروط التالية يجب أن يعتمد على الملاحظة والتجربة العلميتين كما يجب أن
يكون قابلا للتحقيق بالتجربة وان يكون خاليا من التناقض وان لا يتعارض مع
حقائق ثابتة أكدها العلم يقول برنارد :*** "إن الذين أدانوا استخدام الفروض
أخطئوا بخلطهم بين اختراع التجربة وعاينت نتائجها ... فمن الصواب أن يقول
أن يجب علينا معاينة التجربة بروح مجردة من الفروض ،ولكن لابد من الفرض
عندما يتعلق الأمر بتأسيس التجربة بل على العكس هنا لابد أن نترك العنان
لخيالنا.
حل المشكلة : إذن
يبقي الفرض العلمي هو المسعى الأساسي الذي يعطي المعرفة العلمية خصبها
سواء ثبت صحته أو لم تثبت لان الفرض الخاطئ سيساعد على توجيه الذهن إلى فرض
خاطئ وهكذا حتى نصل إلى الفرض الصحيح