المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فلال باك
المقدمة..
يعتبر موضوع اللغة من بين المواضيع المعقدة نظرا لما تطرحه من قضايا جدلية , فهي ترتبط بدراسات نفسية من جهة و من دراسات فيزيولوجية من جهة أخرى و على هذا النحو اختلف الفلاسفة في تعريف اللغة , اذ كان كل فيلسوف يعرفها حسب مفهومه الخاص الاّ أنّهم جمعوا على أنّ اللغة قد تكون رموز و اشارات قصد التفاهم و قد تكون ألفاظ منتظمة لها دلالات معينة , و من بين المواضيع التي أثارت اهتماماتنا هي علاقة اللغة بالفكر ذالك الفكر اللذي هو عبارة عن معاني و تصورات يصورها لنا العقل , و من هذه النقطة انقسم جمهور الفلاسفة بين مؤيّد و معارض للغة و منهم من اتّهمها على أنها قبور المعاني ,لكن هل يجوز لنا اتّهام اللغة بأنها تعرقل الفكر؟ و هل يمكن أن نفصل اللغة بكل بساطة عن الفكر ؟
الاطروحة الاولى..
يرى بعض الفلاسفة الحدسيين من بينهم ** برغسون** أنّ عدم التماسك بين ما نملكه من أفكار و ما نملكه من ألفاظ هو اللذي يثبت علاقة انفصال اللغة و الفكر , اذ الفكر متقدم عن اللغة و يظهر ذالك من توقف المتكلم أو الكاتب عن الحديث أو الكتابة و يتردد بحثا عن اللفظ أو العبارة المناسبة لأذاء المعنى المقصود, كذالك تجاوز الفكر بدلالة اللفظ , اذا اللفظ لا يعبّر الاّ على تعارف المجتمعات , و تبقى جونب كثيرة مما يجده الانسان في نفسه من المعاني يصعب التعبير عنها, كما أنّ الفكر متصل و الالفاظ منفصلة الامر اللذي يجعل اللغة قابلة للتحليل أو التركيب , ثمّ انّ الالفاظ جامدة و ثابتة اذا أقيست بتطور المعاني و بتبدلها من وقت الى اخر و على هذا المنوال يصعب التعبير بواسطة هذه الالفاظ عن الحياة الفكرية الباطنية تعبيرا دقيقا لأنّ عالم الافكار عالم متصل و منفصل , فاللغة كما يلاحظ ** جسبرين** بمفرداتها و صيغها الثابتة قد أجبرت الفكر على أن يسلك سبلا مطروقة حتى أنّهم و الى اختلاف الأولين و أل بهم الأمر الى أن كان تفكيرهم أشبه ما يكون بتفكير ما سبقهم . و الفكر قيض من المعاني المتصلة في تدفق لا تسعه الألفاظ و هذا ما يجعل اللغة تعرقل الفكر فهي تقيده و تجمّد حيويته حتى قيل ** الكلمات قبور المعاني** ثم التوازي أو التداخل اللذي تتميز به العلاقة بين اللغة و الفكر ليست في الواقع مطلقة , فاللغة عبارة عن رموز اصطلاحية و نوصف بأنّها اجتماعية عامية في حين أنّ الفكر يتّسم قبل كل شيء بالخاصية الذاتية فهو انعكاس لشخصية الفرد.
النفد..
صحيح أنّ الانسان يقف أحيانا بل يعجز عمّا يريد , لكن هذا لا يعني استقلالية الفكر عن اللغة كما ذهب اليه بعض الفلاسفة الحدسيين و لا تثبته الواقع , اذن كيف يمكن أن تمثل في الذهن تصورات لا اسم لها ؟ و كيف تتمايز الافكار فيما بينها لولا ادراجها في قوالب لغوية؟؟
الأطروحة الثانية..
يرى أنصار النظرية الأحادية أنّ العلاقة بين اللغة و الفكر هي علاقة اتصال و يذهب فلاسفة هذه النظرية الى القول بأنّ اللغة هي الوعاء اللذي تصب فيه الافكار و أكذوا على وجود وحدة عضوية بين اللغة و الفكر , اذ في نظرهم لا وجود لمعنى الاّ اذا تميز عن غيره من المعاني و لا يكون التمايز الاّ بعلامة يدركها الانسان سواء كان بالتعبير عنها أو بالاشارة اليها و هذا ما يسمح للغة بادراكها , و لقد اكتشف علم النفس في تكوينم المعاني لدى الاطفال مع اكتسابهم للغة و فقدان اللغة يلازمه اختلال في المقومات الذهنية و دلت التجارب ايضا على أنّ الطفل يتعلم الالفاظ و يرددها قبل أن يعي أي يدرك الكلمات قبل الافكار و يقول ** كوثدياك**المعاني المجردة تولد من الحواس و معنى هذا أنّ كل فكرة أو صورة أصلها اللفظ أو الاسم اللذي يلقيانه بواسطة الحواس . كذالك اذا افترضنا نظريا وجود معاني متوجة في تدفق يبقى هذا الافتراض خياليا اذ لا يكون لهذه المعاني وجود واقعي ما لم تحددها ألفاظا تلبسها حلة اجتماعية , فالانسان لا يمكنه أن يتصور الاّ ما انتظم في نسق من الالفاظ و الرموز المكتسبة و هو يسمي الاشياء المعروفة...فيميز ياعتبارها الاشياء التي لا يعرف لها اسم و بهذا يتأكد التلاحم بين الافكار و الالفاظ , فلا لغة بدون فكر و لا فكر بدون لغة و يقول الفيلسوف الانجليزي ** هاملتون ** أن المعاني شبيهة بشرار النّار لا تومض الاذ لتغيب و لا يمكن اظهارها أوتثبيتها الاّ بالألفاظ , فالألفاظ حصون المعاني كما شبّه ** ماكس مولر** التداخل بين اللغة و الفكر بالقطعة النقدية حيث قال *** ليس ما ندعوه فكر الاّ وجهين وجهي القطعة النقدية و الوجه الاخر هو الصمت المسموع و القطعة شيء واحد غير قابل للتجزئة *** و يضيف ** مارلوبالتي** أن المعاني لا توجد خارج الكلمات أما في نظر ** ويلسن** أنّ التفكير بدون لغة كالقلم بدون حبر فنقول أن الفكر بالنسبة للغة كالرّوح بالنسبة للجسد.
النقد..
لكن عالم المشاعر و العواطف يحتاج الى لغة خاصة و قد تعجز اللغة في كثير من الاحيان التعبير عن أفكارنا كما ذكر لنا برغسون.
التركيب..
مما سبق يمكن القول بأنّ اللغة هي الوسيلة الاساسية لنقل أفكارنا الى غيرنا فلولاها لضاع تراث البشرية , و الافكار لا تتضح الاّ باللغة فهي تضع الفكر في الوقت اللذي يضعها الفكر , لذا بقيت بعض المعاني الروحية أوسع من الفكر فهذا يشكل حافزا للعلماء و اللغويين في أن يبعثوا و يبدعوا ألفاظا جديدة تسع عالم الروح و العواطف ان استطاعوه الى ذالك سبيلا.
الخاتمة..
اذا كانت اللغة حقا لا تعبّر الاّ على القليل من مضمون الفكر , فنستنتج أنّه لا ينبغي رفضها لأنّ الفكر بأوسع معانيه بحاجه اليها , فهي بالنسبة له أداة توضح و تنظم , فالعجز اللذي يصيب اللغة لا يوحي برفضها كوسيلة للتواصل فالتخلي عنها يعني انكار دور الفكر..
و الله أعلى و أعلم..
هذا ما أملكه كمقالة .....أتمنى أن تنال اعجابكي.....و ليوفقنا الله جيمعا.... |