عنوان الموضوع : مقالة موسعة حول الاحساس و الادراك ( التمييز بين الاحساس و الادراك) باك ادبي
مقدم من طرف منتديات العندليب

وهده ايضا احدى مقالته الرائعة

هل يمكن الفصل بين الإحساس و الإدراك ؟
1طرح المشكلة:
يعتبر الإحساس ظاهرة نفسية و فيزيولوجية أولية متولدة عن تأثر إحدى الحواس بمؤثر ما , وبذلك فهو أداة اتصال بالعالم الخارجي ووسيلة من وسائل المعرفة عند الإنسان بينما الإدراك هو عملية عقلية معقدة نتعرف بها على العالم الخارجي بواسطة الحواس فنقوم بتأويل و تفسير و تحليل الإحساسات و إعطائها معنى في العقل ومن خلال تعريفهما تظهر العلاقة القائمة بينهما والتقارب الكبير الذي يجمعهما لكن هذا ما أثار إشكالا و جدلا كبيرين لدى الفلاسفة و علماء النفس حول طبيعة العلاقة التي تجمعهما فرأى البعض أنه يمكن الفصل بينهما, بينما أعتبر البعض الاخر أنهما عمليتان متصلتان و من هنا نطرح التساؤل التالي هل يمكن التمييز بين وظيفتي الإحساس و الإدراك في التعرف على العالم الخارجي المحيط بنا ؟ أم أنهما عملية واحدة ؟
2محاولة حل المشكلة:
عرض منطق الأطروحة:يؤكد علم النفس التقليدي على ضرورة الفصل بين الإحساس و الإدراك و يعتبر الإدراك ظاهرة مستقلة عن الإحساس إذ يرى كل من العقليين و التجريبيين أنه من الضروري التمييز بين الإحساس و الإدراك للتعرف على العالم الخارجي الحسي، فالعقليون بزعامة ديكارت و باركلي وآلان يرون أن الإحساس مجرد عملية فيزيولوجية لا توصل الى المعرفة فهو يمدنا بتصورات حسية خالية من المعنى و على النقيض من ذلك يعتبر الإدراك عملية ذهنية معقدة تعتمد على الكثير من العمليات النفسية الأخرى و بواسطتها نتعرف على الأشياء و نعطيها معنى.
أما الحسيون بزعامة أرسطو وجون لوك و دافيد هيوم فيرون أن الإحساس منفصل عن الإدراك و هو أساس اتصالنا بالعالم الخارجي لان كل ما في العقل ليس فطريا بل مستمد من التجربة الحسية
الحجج و البراهين : و ما يثبت أن الإحساس و الإدراك ظاهرتان منفصلتان : ما ذهب إليه(آلان ) (و هو فيلسوف عقلي) في إدراك المكعب ، فنحن عندما نرى الشكل نحكم عليه مباشرة بأنه مكعب ،بالرغم أننا لا نرى إلا ثلاثة أوجه وتسعة أضلاع ، في حين ان للمكعب ستة وجوهو اثني عشرة ضلعا ، لأننا نعلم عن طريق الخبرة السابقة أننا إذا أدرنــاالمكعب فسنرى الأوجه والإضلاع التي لا نراه الآن ، ونحكم الآن بوجودها ، لذلكفإدراك المكعب لا يخضع لمعطيات الحواس ، بل لنشاط الذهن وأحكامه ، ولولا هذاالحكم العقلي لا يمكننا الوصول الى معرفة المكعب من مجرد الإحساس .
ويؤكد ( باركلي ) ، أن الأكمه ( الأعمى)إذا استعاد بصره بعد عملية جراحية فستبدو له الأشياء لاصقة بعينيه ويخطئ فيتقدير المسافات والأبعاد ، لأنه ليس لديه فكرة ذهنية او خبرة مسبقة بالمسافاتوالأبعاد . وبعد عشرين (20) سنة أكدت أعمال الجرّاح الانجليزي ( شزلندن ) ذلك .
وحالة الاكمه تماثل حالة الصبي في مرحلةاللاتمايز ، فلا يميز بين يديه والعالم الخارجي ، ويمد يديه لتناول الأشياءالبعيدة ، لأنه يخطئ – أيضا – في تقدير المسافات لانعدام الخبرة السابقة لديه .
أما ( كانط ) فيؤكد ان العين لا تنقل نتيجةالإحساس إلا بعدين من الأبعاد هما الطول والعرض عند رؤية صورة او منظر مثلا ،ورغم ذلك ندرك بعدا ثالثا وهو العمق إدراكا عقليا ، فالعمق كبعد ليس معطى حسيبل حكم عقلي.
و ما يثبت أن الإحساس منفصل عن الإدراك حسب الفلاسفة الحسيين أن من فقد حاسة فقد معرفة فالأعمى بالولادة عاجز عن تصور الألوان و الأصم بالولادة عاجز عن تصور الأصوات حيث يقوا أرسطو: « الإحساس ليس معرفة لكن من فقد حاسة فقد معرفة ». إضافة الى أن الطفل لا يتعرف على العالم الخارجي الحسي الا بعد أن نقدمه له على شكل أشياء حسية كالأشكال الهندسية فهو يبدأ بتحصيلها شيئا فشيئا بواسطة خبراته الحسية بمعنى أن اتصاله بالعالم الخارجي يكون بالإحساس فقط ؛ حيث يقول جون لوك: « لو سألت الانسان متى بدا يعرف لأجابك متى بدأ يحس » كما يؤكد دافيد هيوم أن أفكارنا عن العالم الخارجي ما هي سوى نسخة من انطباعاتنا الحسية حيث يقول: « إن علمنا بأنفسنا و عقولنا يصلنا عن طريق الحواس و ما العقل الا مجرد اثر من آثار العادة ».
النقد:صحيح أن للعقل أهمية كبيرة في تحصيل المعرفة و الاتصال بالعالم الخارجي المحيط بنا لكن لا يمكن الاعتماد على العقل وحده لأنه قد يخطئ في أحكامه بسبب التأثر بالميول و الرغبات و العواطف كما أنه لا يبدع المعرفة من العدم بل يستمدها من الواقع الحسي بواسطة الحواسكما لا يمكن الاعتماد على الحواس وحدها حسب زعم الحسيين لأنها كثيرا ما تخدعنا و تعطينا معارف ناقصة و كاذبة فنحن نرى القمر بحجم القطعة النقدية في حين أنه ضخم جدا و نرى العصا المستقيمة المغموسة في الماء منكسرة لكنها في الحقيقة غير ذلك من هنا تبرز صعوبة التفرقة بين الإحساس و الإدراكبشكل مطلق حيث قال التهانوي : " الإحساس قسم من الإدراك " وقال الجرجاني : " الإحساس إدراك الشيء بإحدى الحواس " .

عرض نقيض الأطروحة:في المقابل يرى أنصار علم النفس الحديث أنه يستحيل الفصل بين الإحساس و الإدراك في التعرف على العالم المحيط بنا و أشهر هؤلاء أنصار مدرسة الجشطالت من بينهمالألمانيان كوفكا و كوهلر والفرنسي بول غيوم ، أن إدراك الأشياء عمليةموضوعية وليس وليد أحكام عقلية تصدرها الذات ، كما انه ليس مجوعة منالإحساسات ، فالعالم الخارجي منظم وفق عوامل موضوعية وقوانين معينة هي " قوانين الانتظام " . ومعنى ذلك ان الجشطالت يعطون الأولوية للعوامل الموضوعيةفي الإدراك ولا فرق عندهم بين الإحساس والإدراك .
الحجج و البراهين: و ما ثبت استحالة الفصل بين هاتين الوظيفتين ان التعرف على الأشياء الخارجية عند الجميع يمر بثلاث مراحل عقلية : ادراك إجمالي ، ادراك تحليلي للعناصر الجزئية وإدراك تركيبي حيث يتم تجميعالأجزاء في وحدة منتظمة .
وفي هذه العملية ،ندرك الشكل بأكمله ولا ندرك عناصره الجزئية ، فإذا شاهدنا مثلا الأمطار تسقط، فنحن في هذه المشاهدة لا نجمع بذهننا الحركات الجزئية للقطرات الصغيرة التيتتألف منها الحركة الكلية ، بل ان الحركة الكلية هي التي تفرض نفسها علينا .
كما ان كل صيغة مدركة تمثل شكلا على أرضية، فالنجوم مثلا تدرك على أرضية هي السماء ، و يتميز الشكل في الغالب بأنهأكثر بروزا ويجذب إليه الانتباه ، أما الأرضية فهي اقل ظهورا منه ، وأحياناتتساوى قوة الشكل مع قوة الأرضية دون تدخل الذات التي تبقى تتأرجح بينالصورتين .
ثم إن الإدراك تتحكم فيه جملة منالعوامل الموضوعية التي لا علاقة للذات بها ، حيث أننا ندرك الموضوعاتالمتشابهة في اللون أو الشكل أو الحجم ، لأنها تشكل في مجموعها " كلا " موحدا، من ذلك مثلا انه يسهل علينا ادراك مجموعة من الجنود أو رجال الشرطة لتشابهالـزي ، أكثر من مجموعة من الرجال في السوق أو الملعب .
وأيضا يسهل علينا ادراك الموضوعات المنقارية في الزمانوالمكان أكثر من الموضوعات المتباعدة ، حيث ان الموضوعات المتقاربة تميل الىتجمع بأذهاننا ، فالتلميذ مثلا يسهل عليه فهم وإدراك درس ما إذا كانت عناصرهمتقاربة في الزمان ، ويحدث العكس إذا ما تباعدت .
و أخيرا ، ندرك الموضوعات وفق صيغتها الفضلى ، فندركالموضوعات الناقصة كاملة مع أنها ناقصة ، فندرك مثلا الخط المنحني غير المغلقدائرة ، وندرك الشكل الذي لا يتقاطع فيه ضلعان مثلثا بالرغم أنهما ناقصان . ويتساوى في ذلك الجميع ، مما يعني ان الموضوعات المدرَكة هي التي تفرض نفسهاعلى الذات المٌدرِكة.
النقد: صحيح أن مدرسة الجشطالت حاولت تجاوز التطرف الذي وقع فيه العقليون و الحسيون بالتركيز على الوظيفتين معا ( الإحساس و الإدراك) لكنها وقعت في نفس الخطأ وهو التطرف فقد مالت الجشطالت نحو العوامل الموضوعية الخارجية و أهملت فعالية العقل فقد جعلوا الشخص المدرك أشبه بآلة التصوير أو مجرد جهاز استقبال فقط مادامت الموضوعاتهي التي تفرض نفسها عليه سواء أراد ذلك أو لم يرد ، مما يجعل منه في النهايةمجرد متلقي سلبي منفعل لا فاعل إذ لا قيمة لموضوع منظم بدون ذات تهتم به و منتبهة له
التركيب: ان عمليتي الإحساس و الإدراك في حقيقة الأمر وجهان مختلفان لعملية نفسية واحدة لذلك لا يجب الفصل بينهما مثلما فعل العقليون و الحسيون و لا تغليب عامل على الاخر على الأخر مثلما فعل الجشطالت أي أنه لا غنى للمعرفة و الاتصال بالعالم الخارجي عن العقل و الحواس معا . الرأي الشخصي: مساهمة مني في حل المشكلة أقول ان الفصل بين الإحساس و الإدراك غير ممكن من الناحية الواقعية لان المعرفة تبدأ من التجربة الحسية المتمثلة فيما تنقله لنا الحواس من انطباعات لكن هذه المعرفة لا يكون لها معنى الا إذا تدخل العقل و رتبها و نظمها و حللها من خلال وظيفة الإدراك حيث يقوا كانط: « الانطباعات الحسية بدون مفاهيم عقلية عمياء و المفاهيم العقلية بدون انطباعات حسية جوفاء »
3حل المشكلة: نستنتج في الأخير أن محاولة الفصل بين الإحساس و الإدراك عملية لا جدوى منها من الناحية الواقعية لأنهما متكاملان كما لا يجب تغليب عامل على الاخر لان هذا الفصل أو التغليب ناتج فقط عن التفسيرات المذهبية فالإدراك يتولد من وجود ذات تدرك( العقل) و موضوع يدرك ( الأشياء الحسية) حيث يقول الفيلسوف الفرنسي توماس ريد Thomas Reid (1769-1710): " الإدراك هو الإحساس المصحوب بالانتباه " .




>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


=========


>>>> الرد الثاني :


=========


>>>> الرد الثالث :


=========


>>>> الرد الرابع :


=========


>>>> الرد الخامس :


=========