عنوان الموضوع : قراءة في كتاب شروط النهضة - مالك بن نبي لتحضير البكالوريا
مقدم من طرف منتديات العندليب
قراءة في كتاب : شروط النهضة
1- الشكل :
- أ –
إسم الكتاب : شروط النهضة
إسم المؤلف : مالك بن نبي
الترجمة : عبد الصبور شاهين
الطبعة : دون طبعة
دار النشر : دار الفكر للطباعة و التوزيع و النشر – دمشق
سنة النشر : دون تاريخ
عدد الصفحات : مائة وتسعة وخمسون ( 159 ) صفحة
- ب -
محتوى الكتاب: ثلاثة أبواب
الباب الاول : الحاضر و التاريخ ، من الصفحة 15 الى الصفحة 36
-دور الابطال
-دور السياسة و الفكرة
-دور الوثنية
الباب الثاني : المستقبل ، من الصفحة 37 الى الصفحة 142
-من التكديس الى البناء
-الدورة الخالدة
-العدة الدائمة
-أثر الفكرة الخالدة في تكوين الحضارة
-العنصر الاول : الانسان
-العنصر الثاني : التراب
-العنصر الثالث : الوقت
الباب الثالث : الاستعمار و الشعوب المستعمرة ، من الصفحة 143 الى الصفحة 159
-المعامل الاستعماري
-معامل القابلية للاستعمار
-مشكلة التكيف
التعريف بالكاتب : ولد مالك بن نبي في مدينة تبسة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة من مجتمع جزائري محافظ ، أنهى تعليمه 1925م . سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة ، فعاد مجددا إلى مسقط رأسه . و بعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل ، كان أهمها عمله في محكمة ( آفلو ) حيث احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب ، فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده .
ثم أعاد الكرة سنة 1930م ، و لكن هذه كانت رحلة علمية . حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية ، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات . فاضطّر للتعديل في أهدافه و غاياته ، ملتحقا بمدرسة ( اللاسلكي ) فتخرج كمساعد مهندس .
ورغم تخصصه التقني انغمس في الدراسة و الحياة الفكرية ، فتزوج فرنسية و اختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف في قضايا العالم الإسلامي كله ، فكان سنة 1946 كتابه " الظاهرة القرآنية " ، ثم "شروط النهضة " 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ، و " وجهة العالم الإسلامي " 1954، أما كتابه " مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي" فيعتبر من أهم ماكتب بالعربية في القرن العشرين .
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م و هناك حظي باحترام ، فكتب " الفكرة الإفريقية الآسيوية " 1956 . وتشرع أعماله الجادة تتوالى ، و عاد بعد الاستقلال إلى الوطن ، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في ( جامعة الجزائرالمركزية ) ، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة ، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته ، بعنوان عام هو : " مذكرات شاهد القرن " . قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م ، في صمت معدما محاصرا منسيا ً.
2- المضمون :
أ – الاشكالية :
- ماهي الشروط الضرورية لقيام نهضة حضارية متوازنة ؟
ب - الفكرة العامة :
قيمة الانسان والتراب و الوقت و الفكرة في قيام النهضة الحضارية
جـ- الافكار الاساسية :
-دور الابطال و الافكار و السياسة في إحداث حركات التغيير .
-العناصر الاساسية التي تقوم عليها أي حضارة .
-طرح فكرتي المعامل الاستعماري و القابلية للاستعمار و ضرورة التكيف مع الحضارة .
الباب الاول :
الافكار الاساسية :
-دور الابطال في صناعة الملاحم و البطولات .
-دور الافكار الاصلاحية في ايقاظ الشعوب
تحليل الباب الاول :
لقد كان دورالشعوب الاسلامية امام الزحف الاستعماري خلال القرن التاسع عشر والربع الاول من القرن العشرين دورا بطوليا فقط ، ومن طبيعة هذا الدور انه لا يلتفت الى حل المشاكل التي مهدت لتغلغل الاستعمار داخل البلاد .
ان مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ، ولا يمكن لأي شعب ان يفهم او يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته الى الاحداث الانسانية ، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها ..
ان التاريخ لا يلتفت الى الامم النائمة ، وانما يتركها لأحلامها التي تطربها حينا وتزعجها حينا آخر ؛ تطربها إذ ترى في منامها ابطالها الخالدين وقد أدوا رسالتهم ، وتزعجها حينما تدخل صاغرة ضعيفة في سلطة جبار عنيد .
وهكذا حال الجزائر ؛ فبعد سبات عميق بزغ في الافق ( الامير عبد القادر ) ، ثم اختفى سريعا كأنه حلم طواه النوم ، وايضا بزوغ ( عبد الكريم الخطابي ) في المغرب ، الذي كانت القبائل العربية والبربرية تقاتل معه لا من اجل البقاء ، بل من اجل الخلود ، فكان لها الخلود ، ذلك لأن الاسلام كقوة روحية يعد حصنا منيعا للذين يتمسكون به من ان تحطمهم الايام او يذوبوا في بوتقة المستعمر[1]...
هذا ، وان كان للابطال دور فإن للكلمة والفكرة دور أيضا ، فكلمة يطلقها انسان قد تكون من عوامل اثارة النفوس وتغيير الاوضاع ، وهكذا كانت كلمة ( جمال الدين الافغاني ) ، أحييت النفوس الميتة وزرعت البذور لفكرة بسيطة فكرة النهوض )
ومن آثار هذه الكلمة انها قد غيرت ما في نفوس الناس من تقاليد بالية ، وبعثت الحركة في كل مكان حتى وصلت الجزائر ، فكانت ساعة اليقظة مع كلمات ( عبد الحميد بن باديس ) .. فشاعت الافكار وانطلقت في صورة مدرسة او مسجد او حركة اصلاحية .. وكانت حركة الاصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون اقرب الى النفوس والقلوب ، إذ كان اساس منهاجم قوله تعالى : " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " (سورة الرعد ، الآية : 11) ، فأصبحت هذه الاية شعار كل من يسلك الاصلاح في مدرسة ابن باديس ..
الباب الثاني :
الافكار الاساسية :
-العناصر الاساسية التي تقوم عليها الحضارة .
-اثر الفكرة الدينية في تأسيس الحضارة .
تحليل الباب الثاني :
لقد ظل العالم العربي خارج التاريخ دهراً طويلاً كأن لم يكن له هدف ، فاستسلم المريض للمرض ، وفقد شعوره بالألم حتى كأن المرض صار يؤلف جزءاً من كيانه . وقبل ميلاد القرن العشرين سمع من يذكره بمرضه ، فلم يلبث أن خرج من سباته العميق ولديه الشعور بالألم . وبهذه الصحوة الخافتة تبدأ بالنسبة للعالم الإسلامي والعربي حقبة تاريخية جديدة يطلق عليها : النهضة[2] .
ولكن ما مدلول هذه الصحوة ؟ إن من الواجب أن نضع نصب أعيننا ( المرض ) بالمصطلح الطبي لكي تكون لدينا عنه فكرة سليمة ، فإن الحديث عن المرض أو الشعور به لا يعني بداهة ( الدواء ) .
ونقطة الإنطلاق هي أن الخمسين عاماً الماضية* تفسر لنا الحالة الراهنة التي يوجد فيها العالم العربي اليوم ، والتي يمكن أن تفسر بطريقتين متعارضتين : فهي من ناحية : النتيجة الموفقة للجهود المبذولة طوال نصف قــرن من الزمان من أجل النهضة . وهي من ناحية أخرى : النتيجة الخائبة لتطور استمر خلال هذه الحقبة دون أن تشترك الآراء في تحديد أهدافه أو اتجاهاته .
ومن الممكن أن نفحص الآن سجلات هذه الحقبة ، ففيها كثير من الوثائق والدراسات ومقالات الصحف والمؤتمرات التي تتصل بموضوع النهضة ، هذه الدراسات تعالج الاستعمار والجهل هنا ، والفقر والبؤس هناك ، وانعدام التنظيم واختلال الاقتصاد أو السياسة هنالك ، ولكن ليس فيها تحليل منهجي او دراسة للمرض ، دراسة لا تدع مجالاً للظن حول المرض الذي يتألم منه منذ قرون . ففي الوثائق نجد أن كل مصلح قد وصف الوضع الراهن تبعاً لرأيه أو مزاجه أو مهنته . فرأى رجل سياسي كجمال الدين الأفغاني أن المشكلة سياسية تحل بوسائل سياسية ، بينما قد رأى رجل دين كالشيخ محمد عبده أن المشكلة لا تحل إلا بإصلاح العقيدة والوعظ ... على حين أن كل هذا التشخيص لا يتناول في الحقيقة المرض بل يتحدث عن أعراضه .
وقد نتج عن هذا أنهم لا يعالجون المرض ، وإنما يعالجون الأعراض ، وكانت النتيجة قريبة من تلك التي يحصل عليها طبيب يواجه حالة مريض بالسل الجرثومي ، فلا يهتم بمكافحة الجراثيم ، وإنما يهتم بهيجان الحمى عند المريض .
والمريض نفسه يريد أن يبرأ من آلام كثيرة : من الاستعمار ونتائجه ، من الأمية بأشكالها ، من الفقر رغم غنى البلاد بالمادة الأولية ، من الظلم والقهر والاستعباد ..وهو لا يعرف حقيقة مرضه ولم يحاول أن يعرفه ، بل كل ما في الأمر أنه شعر بالألم ، فجرى نحو الصيدلية ، يأخذ من آلاف الزجاجات ليواجه آلاف الآلام . وليس هناك في الواقع سوى طريقتين لوضع نهاية لهذه الحالة المرضية ؛ فإما القضاء على المرض وإما إعدام المريض . لكن هناك من له مصلحة في استمرار هذه الحالة المرضية سواءً أكان ممن هم في الخارج أو ممن يمثلونهم في الداخل .
لقد دخل المريض إلى صيدلية الحضارة الغربية طالباً الشفاء ، ولكن من أي مرض ؟ وبأي دواء ؟ وبديهي أننا لا نعرف شيئاً عن مدة علاج كهذا ، ولكن الحالة التي تستمر هكذا تحت أنظارنا لها دلالة اجتماعية يجب أن تكون موضع تأمل وتحليل . وبذلك يمكننا أن نفهم المعنى الواقعي لتلك الحقبة التاريخية التي نحياها ، فيجوز ان نطلق على تلك الحقبة ( بادرة حضارة ) ، وان كل ناتج حضاري = انسان + تراب + وقت ، والمركب بين هذه العناصر هو الفكرة الدينية[3] .
إذن مشكلة الحضارة تتحلل إلى ثلاث مشكلات أولية : مشكلة الإنسان ، ومشكلة التراب ، ومشكلة الوقت ، فلكي نقيم بناء نهضة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات ، وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها .
أولا : مشكلة الإنسان : إن المشروع الإصلاحي يبدأ بتغيير الإنسان ، ثم بتعليمه الإنخراط في الجماعة ثم بالتنظيم ، فالنقد البنّاء . وتبدأ عملية التطور من الإنسان لأنه المخلوق الوحيد القادر على قيادة حركة البناء ، وتحقيق قفزات نوعية ، تمهيداً لظهورالحضارة . أما المادة فمهما يكن من أمرها تكديساً وزيادة ، فإنها تبقى تجميع كمي لا يعطي معنى كيفياً نوعياً ، إلا بسلامة استخدام الإنسان له .
ولكي يتحقق التغير في محيطنا يجب أن يتحقق أولاً في أنفسنا ، فمنهج الرسالة يقتضي التغيير ، والتغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً ... لقوله تعالى " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " ، وعندها يجب على المسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة : - أن يعرف نفسه - أن يعرف الآخرين ، و أن لا يتعالى عليهم و أن لا يتجاهلهم - أن يعرف الآخرين بنفسه ولكن بالصورة المحببة ، أي بالصورة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية والتصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار والتخلف وأصناف التقهقر .
إن الإنسان هوالهدف وهو نقطة البدء في التغيير والبناء ، ومهما جرت محاولات تحديثية بوساطة الإستعارة ، أوالشراء للمصنوعات ومنتجات التقنية ، فإن هذه المحاولات ستكون عقيمة ، طالما أنها لم تبدأ من حيث يجب ، فالحل الوحيد هو تكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ ، والغني بأفكاره على حساب اشيائه .
إن العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية ، فهذه تعتبر خطراً في مجتمع مازال الناس يجهلون فيه حقيقة أنفسهم أو يتجاهلونها ، فإعداد إنسان الحضارة أشق كثيراً من صنع محرك أو تقنية متطورة ، ومما يؤسف له ان حملة الشهادات العليا في هذه الاختصاصات هم الأكثر عدداً في البلدان المتخلفة لكنهم ، لم يكونوا إلا حملة أوراق يذكر فيها اختصاصهم النظري ، فصاروا عبئاً ثقيلاً على مسيرة التنمية والإصلاح ، فهم القادة في المجتمعات المتخلفة على الرغم من عجزهم عن حل أبسط المشكلات بطريقة علمية عملية ، وإلا لما تخلف مشروع النهضة حتى الوقت الحاضر ، ونحن بحاجة إلى دروس في منهجية العمل في سائر مستويات عملنا .
ولتبدأ المنهجية اولاً في مستوى الحديث المجرد ، لأن كل عمل اجتماعي يقتضي تبادل أفكار بين عدد من الاشخاص . إن الحوار هو أبسط صورة لتبادل الأفكار، وهو المرحلة التمهيدية البسيطة لكل عمل مشترك ، فقواعد الحديث إذن لا تخص حسن الآداب فقط ، بل هي جزء رئيسي من تقنية العمل .
فالقضية إذن ، لا تخص قواعد الحديث وحسن السلوك في المنتديات والمؤتمرات والصالونات والمقاهي فحسب ، بل تخص مباشرة تقنية العمل من زاوية " الفعالية " ، حيث لا يكون الحديث لمجرد التسلية وانما يخضع لقواعد العمل ، الذي ليس سوى مشروع في محتوى بعض الكلمات وبعض الأفكار ، وفي هذا المستوى ، يتداخل الجانب الأخلاقي والجانب المنطقي ليكونا معاً العمل الفعال أو العمل التافه ، ونظن أننا لا نزال كأمة في المستوى الثاني .
وليس من الضروري ولا من الممكن أن يكون لمجتمع فقير ، المليارات من الذهب كي ينهض ، وإنما ينهض بالرصيد الذي لا يستطيع الدهر ان ينقص من قيمته شيئاً ، الرصيد الذي وضعته العناية الإلهية بين يديه : " الإنسان " ...
وطالما كانت الإرادة الحضارية طوع الفكرة فإننا إزاء عصر التلقين المستبد بتصوراتنا ومفاهيمنا نواجه انهيار هذه الإرادة حتى لا تقوى على احتضان المصير، والصراع الفكري يجد إطاره الأوسع في البلاد المحكومة بشبكة من الإيحاءات ، تدلي بها مراصد الاستعمار ، لتصنع الأحداث حيال كل نهضة فاعلة في عالمنا العربي والإسلامي . فالمشكلة مشكلة أفكار في النهاية ، لأننا بها ننظم خطانا في ثبات ، وندفع طاقتنا في مضاء العزيمة ، ونحشد وسائلنا في الإنجاز .
إن لكل حضارة نمطها و أسلوبها وخيارها ، وخيار العالم الغربي ذي الأصول الرومانية الوثنية قد جنح بصره إلى ما حوله مما يحيط به : نحو "الاشياء" ، بينما الحضارة العربية الإسلامية عقيدة التوحيد المتصل بالرسل قبلها سبح خيارها نحو التطلع الغيبي وما وراء الطبيعة : نحو "الأفكار" .
والإنسان حينما ينظم شبكة علاقاته الاجتماعية بوحي الفكرة في انبثاقها ، فإنه يتحرك في مسيرته عبر الأشخاص والأشياء المحيطة به فيتخذ العالم الثقافي إطاره في إنجاز هذه المسيرة ويأخذ طابعه تبعاً للعلاقة بين العناصر الثلاثة المتحركة : الأشياء ، الأشخاص ، الأفكار . فهناك توازن لابد منه بين هذه العناصر الثلاثة يسكب مزيجها في قوالب الإنجاز الحضاري ، فإذا مااستبد واحد من هذه العناصر وطغى على حساب العنصرين الآخرين فثمة أزمة حقيقية في مسيرة الحضارة تلقي بها خارج التاريخ فريسة طغيان الشيء أو طغيان الشخص .
ففي بلد متخلف يفرض الشيء طغيانه بسبب ندرته ، تنشأ فيه عقد الكبت والميل نحو التكديس الذي يصبح في الإطار الاقتصادي إسرافاً محضاً . أما في البلد المتقدم - و طبقاً لدرجة تقدمه - فإن الشيء يسيطر بسبب وفرته وينتج نوعاً من الإشباع ، فيولد ميلاً نحو الهروب إلى الأمام الذي يدفع الإنسان المتحضر دائماً إلى تغيير إطار الحياة وفق صرعات الموضة في كل شيء حوله .
لكن طغيان الشخص يؤدي إلى نتائج في الإطار السياسي والجتماعي تهدم بنيان الفكرة حينما تتجسد فيه . وكثيراً ما تعمد مراصد الرقابة في حركة العالم الثالث إلى دفع هذا الاتجاه المرضي إلى نهايته في عقول الجماهير لتحطم الفكرة البناءة من وراء سقوط الأشخاص الذين يمثلونها في النهاية ، وتدفع الجماهير للبحث عن بديل للفكرة الاصلية من الشرق والغرب عبر بطل جديد .
فعدم التوازن في العناصر الثلاثة يفضي بنا على انهيار المجتمع ، والمجتمع العربي الإسلامي يعاني في الوقت الحاضر بصورة خاصة من هذه الاتجاهات ، لأن نهضته لم يُخطط لها . ولم يُفكر بها بطريقة تأخذ بإعتبارها عوامل التبديد والتعويق سواء على المستوى الداخلي أوالخارجي ، وعلى الأغلب الاثنين معاً .
إن أهمية الأفكار في حياة مجتمع معين تتجلى في صورتين : فهي إما ان تؤثر بوصفها عوامل نهوض بالحياة الاجتماعية ، وإما أن تؤثر على عكس ذلك بوصفها عوامل ممرضة ، تجعل النمو الاجتماعي صعباً أو مستحيلاً . وهنالك فضلاً عن ذلك جانب آخر لأهمية الأفكار في العالم الحديث : ففي القرن التاسع عشر كانت العلاقات بين الأمم والشعوب علاقات " قوة " ، وكان مركز الأمة يقدر بعدد مصانعها ومدافعها واساطيلها البحرية ورصيدها من الذهب ، ولكن القرن العشرين قد سجل في هذا الصدد تطوراً معلوماً ، هو أنه قد أعلى من " الفكرة " باعتبارها قيمة قومية ودولية . هذا التطور لم تشعر به كثيراً البلدان المتخلفة ، لأن عقدة تخلفها ذاتها قد نصبت في طريقها ضرباً من الغرام السقيم بمقاييس القوة أي بالمقاييس القائمة على ( الأشياء ) . فالإنسان المتخلف وبسبب عقدة تخلفه يرد المسافة بين التقدم والتخلف إلى نطاق (عالم الأشياء) ، أوهو بتعبير آخر يرى أن تخلفه متمثل في نقص مالديه من مدافع وطائرات .. وبذلك يفقد مركب النقص لديه فاعليته الاجتماعية ، إذ ينتهي من الوجهة النفسية إلى التشاؤم كما ينتهي من الوجهة الاجتماعية إلى تكديس المشكلات ، فلكي يصبح مركب النقص لديه فَعّالاً مؤثراً ينبغي أن يرد الإنسان تخلفه إلى مستوى الأفكار لا إلى مستوى الأشياء ، فإن تطور العالم الجديد دائماً يتركز اعتماده على المقاييس الفكرية .
ومشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، ولذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه ، فهو بصفة عامة قوة في الأساس وتوافق في السير ووحدة في الهدف ، فكم من طاقات و قوى لم تُستخدم ؛ لأننا لا نعرف كيف نُكتّلها ، وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه ، و متجهة إلى الهدف نفسه . فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت ، فهناك ملايين السواعد العاملة والعقول المفكرة في البلاد الإسلامية صالحة لأن تستخدم في كل وقت ، والمهم هو أن ندير هذا الجهاز الهائل المكون من ملايين السواعد و العقول ، في أحسن ظروفه الزمنية والإنتاجية . وهـذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود . فلا يكفي مطلقاً أن ننتج أفكاراً ، بل يجب أن نوجهها طبقاً لمهمتها الاجتماعية التي نريد تحقيقها . إننا نرى في حياتنا اليومية جانباً كبيراً من اللافاعلية في أعمالنا ، إذ يذهب جزء كبير منها في العبث وفي المحاولات الهازلة .
وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادها الضابط الذي يربط بين الأشياء ووسائلها ، وبين الأشياء وأهدافها ، فثقافتنا لا تعرف مثلها العليا وفكرتنا لا تعرف التحقيق ، وإن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها . إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ، ولكن منطق العمل والحركة ، وهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاماً مجرداً ، بل إنه أكثر من ذلك يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيراً مؤثراً ويقولون كلاماً منطقياً من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط .
أما في مستوى المجتمع الذي يعيش أزمة ثقافية فإننا نستطيع حصر العديد من الملاحظات ويكفينا لذلك أن نرى بالعين المجردة ما يدور في حياته الاقتصادية والسياسية[4] .
إننا لو وضعنا سلماً للقيم الثقافية جنباً إلى جنب مع السلم الاجتماعي ، لوجدنا أن السلمين يتجهان في الاتجاه نفسه من الأسفل إلى الأعلى ، أي أن المراكز الاجتماعية تكون تلقائياً موزعة حسب الدرجات الثقافية . أما المجتمع الذي يواجه ازمة ثقافية فإن السلمين ينعكسان ، الواحد بالنسبة للآخر إنعكاساً تصبح معه القاعدة الشعبية - على الأقل بمحافظتها على الأخلاق – أثرى ثقافياً من قيادتها ، فمن يرقى درجات السلم ويأخذ مكانه ودوره الاجتماعي في العالم المتخلف ليس من أهل الدرجات العلمية الثقافية ، بل من يرضى عليه أولو الأمر في السلطة .
لكن كيف نخلص الإنسان من الاستعمار الثقافي والذي معناه استمرار الاستعمار السياسي والاقتصادي ؟ إن الإنسان المطلوب تغييره من أجل تنشيط عملية البناء الحضاري لا يمكن تغييره وتخليصه من الدونية باتجاه الآخر المستعمر ، إلا إذا هيأنا له مناخاً تربوياً متحرراً من النفوذ الاستعماري وجواً ثقافياً أصيلاً وشعوراً متعالياً بالشخصية ...
إن الإبداع والعطاء لن يكونا إلا عندما نترك لعالم الأفكار أن يحاول حلَّ خفايا عالم الاشياء ، في هذه الحالة تتوالى الحلول تترأى ، وبذلك تقوم النهضة العلمية في مجتمع ما ، أما إذا كان عالم الأفكار مستعاراً فسيكون عنده قصور في الكشف و تراوح الأمور العلمية مكانها .
وإذا أردنا أن ننشئ ذاتاً جديدة لإنسان اليوم في العالم العربي والإسلامي ، فيقتضي ذلك قبل كل شيء تنقية المحيط الأسروي والمدرسي والاجتماعي العام من الإستعارات التي تحمل في طياتها هدفاً إستعمارياً تخريبياً ، يحاول زرع التفقير والتجهيل والإنحراف في مجتمعاتنا بشتى الوسائل ، وأهمها استغلال غفلتنا . ويتحدد دور ومكانة الفرد في أمته تبعاً لعلاقة المجتمع بالأشياء أو بالأشخاص أو بالأفكار .
إن كل مجتمع مهما كان مستواه من التطور له عامله الثقافي المعقد ، ففي نشاطه المتناغم هنالك تشابك بين العوالم الثلاثة : الأشياء والأشخاص والأفكار ، ولكن يظل هنالك دائماً رجحان لأحد هذه العوالم الثلاثة ، وبهذا الرجحان - الذي يظهر في سلوك المجتمع وفكره - يتميز كل مجتمع عن سواه من المجتمعات . والمجتمع المتخلف ليس موسوماً حتماً بنقص في الوسائل المادية ( الأشياء ) ، وإنما بافتقاره للأفكار ، ويتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه ، بقدر متفاوت من الفاعلية ، وفي عجزه عن إيجاد غيرها ، وعلى الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله ، عندما يتخلى عن أي رغبة ولو مترددة بالتصدي لها ، أما حاله مع عالم الأشخاص ، فإنه يدور حول شخص الزعيم فيجعل منه وثناً يُعبد . ولا خلاص لمجتمع من تخلفه إلا إذا كان عالم أشياءه وأشخاصه يدور حول عالم الأفكار لذلك : فإن أي ثورة ، لن تستطيع تغيير الإنسان إن لم تكن لها قاعدة أخلاقية قوية .
إن الحوار بين المسؤولين والجماهير يعيد الجسر الذي يصل الشعب بالدولة ، وليس غريباً في هذا المناخ من الثقة المتبادلة أن تتحقق المعجزات ، ولو كان ثمنها مزيداً من التقشف ، لأن الصعوبات لا تزال بين عشية وضحاها بعصا سحرية ، وعلينا أن نقدم الواجب قبل أن نطالب بالحقوق ؛ فالحق ... يجذب الانتفاعيين والوصوليين والإنتهازيين كما يجذب العسل الذباب ، بينما كلمة الواجب لا تجذب غير النافعين الذين يسعون حقاً لنهضة مجتمعهم ، فالفرد في المجتمع المتخلف يطالب بحقوقه قبل أن يقوم بواجباته ، بينما أداء الواجب هو الكفيل الوحيد بالحصول على الحقوق ، فإذا أردت أن تصلح أمر الدولة اصلح نفسك.
ثانيا : مشكلة التراب : حينما يتكلم ( ملك بن نبي ) عن التراب لا يبحث في خصائصه وطبيعته ، ولكن يتكلم عن التراب من حيث قيمته الاجتماعية ، وهذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه ، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة ، وحضارتها متقدمة ، يكون التراب غالي القيمة ، وحيث تكون الأمة متخلفة – كما هو الحال اليوم - يكون التراب على قدرها من الانحطاط ، وذلك بسبب تأخر القوم الذين يعيشون عليه ، فها هي رمال الصحراء تغـزو بشراسة الحقول الخضراء على امتداد الوطن العربي . فتترك أهلها يتامى بين يدي الصحراء المقفرة . وبديهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة ، لكن إذا كان الإنسان الزارع لهذه الشجرة أوالمؤتمن على رعايتها ، يعيش حالة تصحر داخلي ، فلا أمل من رؤية اللون الأخضر مرة ثانية تحت نظر و يد إنسان كهذا . فسنوياً يعلن المسؤولون أنه تم غرس عشرات الملايين من الاشجار ، لكننا على يقين أن واقع الحال غير ذلك سواء لعدم العناية المستمرة ، أو لعدم الدقة في الرقم الإحصائي .
إن ترابنا العربي لا يزال بكراً ، رغم كل أشكال النهب التي مورست عليه في السطح أو في العمق من قبل الآخرين ، وعلى الأغلب بسبب إهمالنا له وبشكل عدواني .
ثالثا : مشكلة الوقت : وهو العنصر الثالث في تكوين الحضارة ، إن الزمن نهر قديم يعبر العالم ، ويروي في أربع وعشرين ساعة الرقعة التي يعيش فيها كل شعب والحقل الذي يعمل به ، وهذه الساعات التي تصبح تاريخاًً هنا وهناك قد تصير عدماً إذا مرت فوق رؤوس لا تسمع خريرها ، وإذا قسنا الزمن بمقياس الساعات التائهة فالقرون لا تساوي شيئاً .
ولكنه نهر صامت حتى إننا ننساه أحياناً ، وتنسى الحضارات في ساعات الغفلة قيمته التي لا تعوض ، وحينما لا يكون الوقت من أجل الإثراء أو تحصيل النعم الفانية ، أي حينما يكون ضرورياً للمحافظة على البقاء ، أو لتحقيق الخلود والانتصار على الأخطار ، يسمع الناس فجأة صوت الساعات الهاربة ، و يدركون قيمتها التي لا تعوض ، ففي هذه الساعات لا تهم الناس الثروة أو السعادة أو الألم ، وإنما الساعات نفسها . فيتحدثون حينئذ عن ( ساعات العمل ) ، فهي العملة الوحيدة التي لا تبطل ، ولا تسترد إذا ضاعت ، إن العملة الذهبية يمكن أن تضيع ، وأن يجدها المرء بعد ضياعها ، ولكن لا تستطيع أي قوة في العالم أن تستعيد دقيقة إذا مضت . وحظ الشعب العربي والإسلامي من الساعات كحظ أي شعب متحضر ، ولكن عندما يدق الناقوس منادياً الرجال والنساء والأطفال إلى مجالات العمل في البلاد المتحضرة ... فأين يذهب الشعب ؟ تلكم هي المسألة المؤلمة .. فنحن في العالم الإسلامي نعرف شيئاً يسمى ( الوقت ) ! ، ولكنه الوقت الذي ينتهي إلى " عدم " ، ولأننا لا ندرك معناه ولا تجزئته الفنية ؛ لأننا لا ندرك قيمة أجزائه من ساعة ودقيقة وثانية ، ولسنا نعرف إلى الآن فكرة ( الزمن ) الذي يتصل اتصالاً وثيقاً بالتاريخ ، وبتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير والإنتاج ، وهو معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا ، هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد ، هو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط ، في تكوين المعاني والأشياء .
فالتاريخ والحياة الخاضعان للتوقيت كان وما يزال يفوتنا قطارهما ، فنحن في حاجة ملحة إلى توقيت دقيق ، وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا . ويكون ذلك بتحديد المنطقة التي ترويها ساعات معينة ، من الساعات الأربع والعشرين التي تمر على أرضنا يومياً . إن وقتنا الزاحف صوب التاريخ ، لا يجب أن يضيع هباء ، كما يهرب الماء من ساقية خربة . ولا شك أن التربية هي الوسيلة الضرورية التي تعلم الشعب العربي الإسلامي تماماً قيمة هذا الأمر . ولكن بأية وسيلة تربوية ؟ إنه من الصعب أن يسمع شعب ثرثار الصوت الصامت لخطى الوقت الهارب ! . إن شعباً هذه حاله أحوج ما يكون إلى قدوة وطنية قيادية حازمة في تطبيق القانون على الجميع ، ولا تسمح لأي انحراف عن مشروع النهضة التي تعلنه ريثما يعتاد الأفراد على هذا السلوك في حياتهم اليومية فتصبح ساعات العمل حقيقية ، ومن خلال إنسان يستطيع استغلال الوقت على أكمل وجه نستطيع أن نقول : أننا بدأنا نهضة عملية علمية حقيقية وفق خوارزميات التغيير الإجتماعي التي تناسبنا ، و النهضة لا تقوم إلا بأيدي الأتقياء والأذكياء .
الباب الثالث :
الافكار الاساسية :
-سياسة المستعمر بانتقاص من قيم الفرد الايجابية .
- قايلية الشعوب للاستعمار .
- ضرورة التكيف مع مجرى الحضارة الانسانية .
تحليل الباب الثالث :
ان للفرد – بصفته عاملا اوليا للحضارة – قيمتان : الاولى خام طبيعية ، و الثانية صناعية اجتماعية :
فالقيمة الاولى ، موجودة في كل فرد من الافراد ، في تكوينه البيولوجي ، وتتمثل في استعداده الفطري لإستعمال عبقريته وترابه ووقته . اما القيمة الثانية وهي القيمة الصناعية ، فإن الفرد يكتسبها من وسطه الاجتماعي ، وتتمثل في الوسائل التي يجدها هذا الفرد في اطاره الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبه وتهذيبها .
واذا نظرنا الى المسلم الجزائري ، فالتاريخ يشهد بكفاءته وعبقريته التي كانت محل اعتراف المستعمر×*. وهنا تبدأ قضية الاستعمار تهمنا ، إذ يفرض على حياة الفرد عاملا سلبيا يسمى بلغة الرياضيات ( المعامل ) الاستعماري . فأمام عبقرية الجزائري ، فإن المستعمر عوضا ان أن يدفعه الشعور بالنقص الى الرفع من قيمة شعبه ( الفرنسي ) فإنه – ورغبة منه في اقرار التوازن بين المعمرين والمستعمرين – لجأ الى الانتقاص من قيمة هؤلاء الاخرين وتحطيم قواهم الكامنة فيهم ، ومنذ ذلك الحين بدا الحط من قيمة الاهالي ينفذ بطرق فنية كأنه معامل جبري وضع امام قيمة كل فرد بقصد التنقيص من قيمته الايجابية .
ويؤثر هذا المعامل في جميع اطوار حياة الفرد ، يؤثر فيه وهو طفل ، فلا يمده المجتمع بما يقوي جسده وينمي فكره او يهيئ له مدرسة او توجيها .. هذا إن كان له أباً ، اما اذا فقد الاب فالامر أدهى وأمر ، فسوف يؤول الى ماسح احذية او متسولا فاقدا لعزته وكرامته . اما اذا ما كتب له النـجاة من هذه النكبات ووجد مقعدا في مدرسة ، فكم من العراقيل توضع في طريقه ، واذا بلغ مبلغ الرجال فماذا يعمل غير وظيفة حقيرة .
هذا هو المعامل الاستعماري ، وهو معامل خارجي لكنه يؤثر في داخلنا ، فتولدت لدينا القابلية للاستعمار ، ذلك لأن المستعمر لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية الا لأنه درس اوضاعنا النفسية دراسة عميقة ، فأدرك مواطن الضعف فينا ، فسخرنا لما يريد ، فجعل منا ابواقا يتكلم فيها واقلاما يكتب بها ، انه يسخرنا لأغراضه ، بعلمه هو ، وجهلنا نحن .
ورغم ذلك ... فما الذي بعث العالم الاسلامي من نومه ؟ من الذي أيقظه ؟ من الذي قال له قـــم ؟ إنه الاستعمار .. الذي سلب حريتنا وسيادتنا وكرامتنا .. ومع ذلك نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق ، ولقد عودنا التاريخ ان كل شعب يستسلم للنوم فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه ....
وينتقل في الاخير الى مشكلة التكيف ، فالحياة الاجتماعية تخضع لقانون ( رد الفعل ) كما تخضع له الميكانيكا . وبما ان الاستعمار في نوعه هو ( فعل ) المدنية تسلطت به على الشعوب المستعمرة ، فلا غرابة إذن ان يكون لذلك الفعل ( رد ) .
وهذا الرد يظهر في صور مختلفة في حياة العالم الاسلامي ، فبرزت اشكالا جديدة من السلوك بدأنا نراها في الجزائر مثلا ، و هي ليست من عاداتنا ، وموجودة في الكثير من بلاد العروبة والاسلام ..
فكانت النتيجة ان مجتمعنا فقد توازنه ، ونشاهد عدم الاستقرار هذا في انفسنا وتصوراتنا للاشياء ؛ فهناك من يرى المدنية في اعتناق الافكار التحررية ، وآخر يرى ان المدنية هي معركة اقتصادية ، وثالث سلفي يظن انه يغير نظام المجتمع بتغيير لباسه وتطهير لغته ، ورابع يرى ان المثل الاعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه و يلمع في جو الخمارة ، وخامس يرى ان نجاة الشعوب في تحرير المرأة ويظن انه يملك المدنية اذا فاز بإمرأة عصرية ، وهناك المقتنع بحاله الذي لا يرى شيئا ولا يفهم شيئا ولا يبحث عن شيئ ..
ان هذه الوجهات المتعددة لدليلا على دراجات متعددة من التكيف مع مجرى الحضارة ، وان من الواجب ان لا توقفنا أخطاؤنا عن السير نحو الحضارة الاصيلة ، فالحياة تدعونا دائما ان نسير الى الامام ، بشرط أن لا يكون سيرا فوضويا ، بل علميا عقليا مدروسا ، يتجه نحو تاريخ الانسانية .
ملخص :
لقد أمعن مالك بن نبي في الحفر حول مشكلات التخلف المزمنة متجاوزا الظواهر التي تطفو على السطح إلى الجذور المتغلغلة في الأعماق ، وباحثا عن السنن والقوانين الكفيلة بتحول الشعوب من حالة العجز إلى القدرة والفعالية ، ومن مشكلة الاستعمار إلى مرض القابلية للاستعمار ، ومن حالة تكديس الأشياء إلى حالة البناء ، ومن المطالبة بالحقوق إلى القيام بالواجب أولا ، والانتقال من عالم الأشياء والأشخاص إلى عالم الأفكار التي بها نبدأ بحل مشكلة التخلف ، ويجب أن نصل إلى قناعة حتمية بأن مفاتيح حل المشكلات هي في الذات لا عند الآخر .
و الله الموفق
[1] معظم القبائل التي تعرضت للاستعمار اصبحت في طي النسيان ودفنها التاريخ ، فاين مثلا القبائل الامريكية قبل كريستوف كولمبوس ؟
[2]يؤرخ للنهضة العربية بحركة الاصلاح التي قادها جمال الدين الافغاني و محمد عبده ، و هناك من يرى ان بوادر هذه النهضة بدأت قبلا مع حملة ( نابليون ) على مصر ، و التي كانت الى جانب كونها حملة عسكرية حملة علمية أيضا ، ثم بإصلاحات محمد علي باشا و ارساله للبعثات الى الخارج .
*و هذا بالنظر الى تاريخ كتابة هذا المؤلف و هو سنة 1948
[3] الفكرة الدينية " مطلقة " عند ابن نبي ، أي لا يحددها بدين معين ..
[4] حيث هناك ركود اقتصادي و استبداد سياسي
×*و يشهد بذلك اعتراف الجينرال ( بوجو ) بكفاءة ( الامير عبدالقادر)
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
بارك الله فيك...اخي...ذكرتنا بجوهرة فكرية..خطفت اعجاب الاعداء قبل اهلها...جوهرةفي فلسفة التاريخ..و استراتيجية
بناء الحضارات...وكم اود ان يعرف هذا الجيل..ما قدمه هذا الرجل الاصيل
اسمح لي...اخي خليفة...بهذه الاضافة..لمن اراد ان يحيط بفكر..مالك بن نبي رحمه الله
اضغط على عنوان الكتاب الذي تريد تحميله فضلا ...لا امرا....كلها على..4shared.com
مالك بن نبي .. فكرة الأفريقية الآسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ.pdf
مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي مالك بن نبي.pdf
مالك بن نبي مذكرات شاهد للقرن.rar
مالك بن نبي.. خطوة لفهم نكبة الغفلة في الثقافة العربية.pdf
مالك بن نبي - مشكلة الثقافة.pdf
الظاهرة القرآنية مالك بن نبي.pdf
مالك بن نبي - تأملات.pdf
بين الرشاد و التيه مالك بن نبي.pdf
مالك بن نبي - شروط النهضه.pdf
مالك بن نبي - القضايا الكبرى.pdf
مالك بن نبي - في مهب المعركة.pdf
مالك بن نبي - المسلم في عالم الاقتصاد.pdf
مالك بن نبي .. الظاهرة القرآنية.pdf
مالك بن نبي - إنتاج المستشرقين و أثره في الفكر الإسلامي الحديث.pdf
ان اردت ان تحمل كل المؤلفات السابقة و اكثر......في ملف واحد سعته 110 مب...تفضل
بعض كتب مالك بن نبي.rar.
=========
>>>> الرد الثاني :
شكرا لك استاد خليفة. بارك الله فيك على المجهود
=========
>>>> الرد الثالث :
ماشاء الله ...
عمل جميل
من أحسن كتيبات الفلسوف ابن نبي
حتى يغيروا ما بأنفسهم
العنوان مستقى من القرآن الكريم
إضافة ليس إلا ...
بارك اله فيكم يا أساتذة المنتدى الأفذاذ ...
=========
>>>> الرد الرابع :
سعدت بمروركم ، الحمد لله مكتبة مالك بن نبي متوفرة عندي
اشكر الاستاذ tercha على اضافة روابط لمن اراد ان يتشبع بفكر ابن مالك
للأسف هذا العبقري مجهول من طرف الجيل الجديد ..
=========
>>>> الرد الخامس :
كتاي في قمة الجودة .فمالك بن نابي يدرس الان في الجامعات الامريكية
=========
مشكور جدا بارك الله فيك