عنوان الموضوع : ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة -2-
مقدم من طرف منتديات العندليب

تتمة: ملاحظات على مذكرات الأمير عبد القادر المختلقة
هدية السيد جاك شوفالييه إلى المكتبة الوطنية المذكرات المزعومة
الفصل الثاني

وأيضاً أرادوا من الأمير في هذا المخطوط الاعتراف بأنه أوقف المقاومة وهذه نقطة علينا الوقوف عندها طويلاً، لأنهم جعلوا هذا المجاهد يكررها عدد من المرات لأنها عندهم الموضوع الأساسي الذي كانوا يحلمون به وهو "وقف المقاومة" وجعل الأمير وعلى لسانه القول في الصفحة 196 من المخطوط "وأصبحت الكوازيط منشورة بكل ضاحية من ضواحي ممتلكته (مملكة فرنسا) وهنا أرادوا في هذا المخطوط الذي احتفلوا به وصدق البعض ممن حققوه ما جاء فيه ولم يشك أو يساوره الشك سوى الدكتور أبو القاسم سعد الله الذي لم يصدّق اعتراف الأمير شخصياً بأن الجزائر أصبحت مملكة لفرنسا وليست أرض محتلة وجعلوه يقول في هذا المخطوط بأن فرنسا أرسلت له هدايا بواسطة الدوق دومال وهو في الميناء منها ملابس نفيسة من كل نوع ومعها أنواع الطيب وأواني فضية للشراب وساعة ذات قيمة وجعلوا الأمير يقول في هذا المخطوط أنه فرح بهذه الهدايا ويصفونه كأنه طفل صغير فرح بملابس العيد وجعلوه يقول: ((أن دار فرنسا دار ملك وأنفة وسلطنة وسياسة ورياسة ومعرفة وتجربة ونجابة وزعامة وشهامة وجزالة وسهالة وأدالة، يعرفون حق البعيد ويواسونه ويكرمونه ويحابونه. ومن قديم الدهر في كل سنة وشهر يقصدكم العاني فيبلغ أمله ويلجأ إليكم الجاني فتسدّون خلله. يمدحون الشجاع ويحبونه ويبغضون الجبان ولا يولّونه. وما ذلك إلا لرسوخكم في النبالة والشجاعة ومنتهى بلوغكم غاية الأشياء المستطاعة. ولخصالكم الحميدة ومزاياكم المستفيدة ومقاصدكم المعلومة عند الخاص والعام وتنزيلكم للناس منازلهم على قدر مناصبها بحسب الاستهام اخترنا دار مملكتكم لقضاء حاجتنا وقصدنا بيت عنايتكم لسلوك محجتنا وحجتنا لتبلغونا فيها مرادها كما قبلتم كثيراً من الملوك العظام بعد ظفركم بها على يد الذراع بالإحسان فأعطيتمونا مآثرها وودادها وها نحن من جملة المستدنين لعظيم سلطنتكم لإرادة نوال عطيتكم وحوصتكم في غير هذا من معناه وما يوفق تأسيس مبناه إلى أن سخره الله وسخر جميع أهل الدولة الفرنسية لموافقته وأصبحت الكوازيط منشورة بكل ضاحية من ضواحي مملكته ناطقة بعطفته ومسابقته مضمنها التسريح للإسكندرية تتميماً للكلمة ووفاء العهود الأحدرية)). هذا النص جاء بالحرف الواحد في الصفحة 195 من كتاب (مذكرات الأمير عبد القادر).

يلاحظ القارئ أن كلمة (تسريح) تكررت عدد من المرات في هذه الصفحات من المخطوط، أولاً: التسريح لا يقال في لغتنا العربية إلا عن الحيوانات، فيُقال (سّرح الراعي الغنم) أو يُقال أيضاً أن صاحب العمل سرّح عماله، والأمير لم يكن عاملاً عند الفرنسيين، ولا هو من الأغنام. ثانياً: هذا الرجل العظيم، المجاهد الكبير خُلق للجهاد كبقية عباد الله، لأن الجهاد عبادة، قال تعالى في سورة الذاريات ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[1]. وقال تعالى في سور كثيرة في القرآن منها سورة النساء ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا[2]. فالجهاد فرض والأمير قبل المبايعة شارك والده وأخوته في الجهاد لمدة سنتين قبل أن يبايعه الشعب الجزائري. والجهاد قُسّم في الإسلام إلى قسمين، فرض كفاية وفرض عين. وهو أفضل العبادات لإعلاء كلمة الله. ووُصف تارك الجهاد بالمنافق إن كان مفروضاً عليه. وهنا حديث مسند عن الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الناس، أي بأفضل الناس، رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله ". مع العلم أن الجهاد ليس فقط بحمل السلاح وقتال العدو، وإنما أيضاً في كل عمل يُبذل فيه الجهد في سبيل الله إن كان دفاعاً عن النفس، إن كان بالسلاح أو بالقلم أو بالعمل الصالح في سبيل الله الي يبذل فيه الإنسان المؤمن الجهد، حتى أن المؤمن إذا مات وهو يصارع الأمواج العاتية يموت شهيداً. والأمير عبد القادر يعلم قدر نفسه ومن هو، فمن غير المعقول أن يستعمل كلمة تسريح، وكان يعتبر من فقهاء عصره في الدين واللغة، وهو شاعر وأديب، درس العلوم الفقهية وعلم الأحاديث الصحيحة عن البخاري في صحيحه، قرأها مرات وهو يحاصر عين ماضي وأيضاً في حصاره لتلمسان. درس وتعلم في معاهد فاس ووهران، وحفظ القرآن عن ظهر قلب في سن الطفولة في معهد القيطنة، في هذه المزرعة التي كانت إرثاً لعائلته تعيش منها، والتي زُرع فيها جميع أنواع الأشجار المثمرة وأنواع الحنطة والخضار.

وذُكر في الصفحة 196 من هذا المخطوط عن لسان الأمير النص الآتي: (( ثم جاءنا بإذنه من عند ولده دومال، والي الجزائر من الكسوة النفيسة من كل نوع، وما معها من أنواع الطيب مع حرج شراب من خالص الفضة، وساعة ذات قيمة كبيرة تُعرف بها الأوقات ذهباً، وحين وصلتنا الكسوة بعث لنا على لسان المكلفين بنا من عندهم أن نترك لباسها ولا نفسدها باللباس حتى يكون سراحنا، نلبسها قبالة من نخرج لبلادهم ليعلموا كرم الفرنسيس وخصالهم الحميدة وأفعالهم الفاخرة بالفخر والافتخار، وفرحنا بذلك كثيراً)). هنا صوّروا الأمير وكأنه إنسان غبي يظن أن سكان عكا أو إسكندرية من العرب المسلمين إذا رأوه ينزل من الباخرة في ملابسه الفرنسية وبلاده محتلة من الفرنسيين يعجبون به ويحترمونه كثيراً!!!

مع العلم أن الأمير وصحبه جاؤوا من بلادهم المحتلة من هؤلاء الفرنسيين، مهاجرين لم يجروا صلحاً ولا هدنة معهم والمقاومة مستمرة لم يوقفها الأمير، فكيف يمكنهم ارتداء الألبسة الفرنسية؟ ليظهروا كرم فرنسا؟ فأي كرم هذا؟ أهو باحتلال بلادهم الآمنة بالقوة وإرهاب سكانه وسرقة خيراته وقتل أبناءه الذي ما زال مستمراً في تلك الساعات؟

مما يلفت نظر القارئ الذي يعرف من هو الأمير عبد القادر لايصدق ما جاء في هذا القسم من المخطوط وكل ما كتبوه عن لسان الأمير. وربما يعتقد (القارئ) أن من كان حاضراً أو من قدم هذه الهدايا من الفرنسيين، شعر بالخجل والغضب الشديد، والإهانة أيضاً لعدم قبول الأمير هذه الهدايا ومنع استعمالها. وأمر طبيعي أن يرفضها الأمير لأنها ملابس إفرنسية ولديه ما يكفيه من ملابس جزائرية طاهرة، ملابس الجهاد التي يريد أن يُستقبل بها حين نزوله من الباخرة في عكا أو غيرها من بلاد المسلمين، وكذلك من كان برفقته لأنهم مسلمون مجاهدون يقرؤون في صلاتهم الآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ بالإضافة إلى الوضوء بالماء الطاهر. والأمير كان رئيس دولة ينتسب إلى عائلة ثريّة بالمال والعلم لم يأتِ من عامة الشعب، وعُرفت عائلته في الجزائر ببني هاشم، أعرق القبائل العربية، ونسبه يعود إلى الأدارسة ملوك المغرب الذين شيّدوا مدينة فاس وغيرها، وأجداده معروفين تكلم عنهم كبار المؤرخين مثل ابن خلدون، ولكن فرنسا أرادت أن تجعله منافقاً عديم الكرامة جاهل حتى بدينه، وجعلته ذليلاً إلى أبعد حالات الذل انتقاماً منه على انتصاراته عليها لمدة سبعة عشر عاماً، وهي أقوى دولة في العالم، وهذا سبب حقدها عليه. ولم يكن بحاجة إلى الطيب الفرنسي ولا إلى أواني فضية المكروه استعمالها في الشريعة الإسلامية للشراب والطعام، لذلك رفض هذه الهدايا، فكتب العميل الفرنسي هذا السيناريو ليشفي غليله وحقده على الأمير والجزائريين بشكل عام، وجعل الأمير جلّ تفكيره محصور بتعظيم فرنسا وكيل المديح لها لدرجة وكأنها بلاده التي يحرص على حُسن سمعتها ومصالحها في هذا المخطوط. وهذه كلها رسائل موجهة إلى الشعب الجزائري، وربما أيضاً إلى الشعوب العربية.


[1]- سورة الذاريات، الآية 56

[2]- سورة النساء، آية 95



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

رسالة مدروسة:
الرسالة مدروسة جيداً في هذه المذكرات المفبركة والمبتكرة، وبصورة خاصة تكرار كلمة نصارى في هذا المخطوط، وهذا دليل على كرههم الشديد لدولة الخلافة العثمانية المسلمة التي اشتهرت بالتسامح الديني، ولأنهم يكرهون الإسلام كدين ولا يعترفون بميزاته. وأرادوا في هذا المخطوط وغيره من الرسائل جعل القارئ يعتقد أن الأمير مثلهم، يحب ما يحبون ويكره ما يكرهون، وأقصد الأوروبيين، ويفكر كما يفكرون هم، وأنه كان يقاتل النصارى باعترافه وندم، وليس المحتلين المعتدين ويتهمونه بأنه أصبح صديقاً لهم حريصاً على سمعتهم، أراد منع استعمال الملابس حتى وقت نزوله من الباخرة كي لا تفسد وتبقى جديدة ويراه الناس بالحلّة الإفرنسية ليفخر بها أمام مستقبليه كما جاء في الصفحة 196 من كتاب (مذكرات الأمير عبد القادر)، والقول عن لسان الأمير (عدم إفسادها باللبس ليعلم الناس كرم فرنسا وخصالها وأفعالها الفاخرة بالفخر والافتخار)، هذا ما جاء بهذه الصفحة بالحرف الواحد. والتناقض واضح في هذا المخطوط ولكن لأن مصدره فرنسي، أي الذي وجده وقدمه إلى الجزائريين رجل فرنسي، قسيس أو عمدة ذو مركز ديني مسيحي. فقال أحد المحققين وهو الدكتور مزيان، وكان له مكانته السياسية والثقافية العالية في الجزائر، وأعتقد أن الدكتور مزيان لم يقرأه واكتفى بأنه من شخصية فرنسية لذلك قال في تقديمه لهذا المخطوط في الصفحة 12: (( ويعدّ هذا المخطوط بحقّ تحفة من أهم التحف لأنه نسخة فريدة، ولأنه ذو صفات خاصة، وله تاريخ خاص. فعن صفاته البارزة أنه عمل يلتقي فيه التحرير والإملاء الشخصي للأمير مع الإنشاء الجماعي الذي تم إنجازه تحت إشراف الفقيه السيد مصطفى بن التهامي، صهر الأمير وخليفته وصديقه المقرّب والمحبب إليه. فكل جملة تاريخية في هذا المخطوط لها قيمتها الخاصة لأنها مكتوبة بأيدي شهود عيان عاشوا الأحداث وصنعوها وأعطوها تفسيرها من داخل الواقع الذي التحم بأنفسهم أيّما التحام. ومهما تكلم الأمير عن نفسه بعفة وتواضع، أو تكلم عنه خليفته ببعض الإعجاب، فإن أسلوب الكتابة يبقى أسلوباً مباشراً ميزته الأولى الصدق والأمانة وبساطة التعبير)).

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :

العجيب برأي الدكتور مزيان عن هذا المخطوط:
وهنا لا بد للقارئ من التساؤل عن أي صدق يتكلم الدكتور مزيان عن أي بساطة في التعبير؟ وعن أي ميزات؟ الركاكة في الأسلوب هي بساطة؟ أم البساطة في التعبير هي الجمل السوقية والكلمات الأكثر من عامية مثل الشريف، المشروف والكوازيط وعشرات غيرها هي بساطة في التعبير؟ فهل يعقل لرجل عالم في اللغة العربية، فخور باللغة العربية، لغة القرآن وبدينه الإسلام أن ينزل بلغته إلى هذا المستوى ويسمي ذلك بساطة؟ هو أو قريبه التهامي الذي هو أيضاً من علماء المسلمين، مجاهد وفقيه في اللغة العربية، ويعرف قدر نفسه؟ فجعلوه هو وقريبه التهامي أيضاً في هذه الصفحات ينسى أنه عربي مسلم، ينسى انتمائه إلى شعب أبيّ ذو عزة وكرامة وعراقة، وينسى أن بلاده ما زالت محتلة من هؤلاء الذين يكيل لهم المديح ولا يذكر كلمة هجرة ولا مرة واحدة، ويسمي الشهيد مقتول، وينسى الآيات القرآنية التي أمر بها الله تعالى المسلم للهجرة في مثل ظروفه ولا يذكر سوى أنه يريد الذهاب إلى مكة أو المدينة للحج كأنه رجل عادي أراد رخصة من دولته للحج، وليس مسؤولاً محاصراً من بني قومه تحيط به الأخطار وتشدّه نحو معارك ليس فيها شهداء، ويتغافل عن قول الله تعالى في سورة النساء ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[1]. وكـأنه لا يعرف قيمة الهجرة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أسوة حسنة فهاجر حينما اشتد عليه الحصار وأحاطت به المخاطر من بني قومه كهذه الظروف التي أحاطت بالأمير من كل جانب في تلك الليلة المظلمة التي كانت فيها الأمطار تصل الأرض بالسماء، فشعر الأمير أن الهجرة باتت واجبة عليه في تلك الظروف، وفي تلك الليلة الظلماء، والجرحى من حوله ينزفون (ولم يكن رأيه وحده في ذلك القرار وإنما مجلس الشورى بجميع أعضائه، وجدوا أن الهجرة وجبت عليهم وعلى الأمير بالذات لأنه المقصود والمطلوب من سلطات المغرب إما بقتله أو أسره). وفي هذه المذكرات جعلوه يكتب عن ترحيب القبائل له، والحقيقة أنها أكاذيب مفبركة لا دليل تاريخي لها لأن القبيلة الوحيدة التي طلب مساعدتها رفضت مساعدته بشدة، وزعيمها مختار بوتشنين أسمع الأمير ما أزعجه، ولكن يقال أنه ندم بعد فوات الأوان.

ويلاحظ القارئ بعد هذا السرد عن لسان الأمير لخروجه من الجزائر ووصوله إلى مدينة طولون صفحات جعلوه فيها يصف المغاربة بـ (اللئام) ويكيل لهم كل ما هو مسيء بأسلوب التعميم، وكأنه ليس من هذا الشعب العربي الواحد يكرر كلمة تسريح وينسى أنه عقد اتفاق خرج من الجزائر بموجبه مهاحراً، وجعلوه لا يترك كلمة مديح في لغتنا العربية ومفرداتها الواسعة إلا واستعملوها لمدح الفرنسيين على لسانه من الصفحة /192/ إلى الصفحة /196/، وبعدها من غير مقدمات يقفز الكاتب إلى التاريخ الإسلامي وذكر خصال الروم وأن الجنس الفرنسي فاق جميع الأجناس والأمم وكأن الأمير لم يكن يوماً مقاوماً لهؤلاء المحتلين لبلاده، وأيضاً لم يعاني يوماً مرارة ووحشية اعتداءاتهم على أبناء وطنه وغدرهم له بعد اتفاقية الهدنة الأولى والثانية، وأساليبهم الوحشية في الحروب ضده وضد إخوانه وفرسانه مدة عشرين عاماً تقريباً، أي من عام 1830 إلى نهاية 1847. ويتسى حادثة وضع تلك الأعشاب اليابسة في مدخل غار العقبة البيضاء الذي احتمى فيه أبناء وطنه من أطفال ونساء حوامل وشيوخ لا يقدرون على المقاومة وأشعلوا النار فيها إلى أن مات كل من في الغار اختناقاً واحتراقاً ولم يرَ آذان رجاله مقطوعة وممثل فيهم من قبل هؤلاء أو أبنائهم أو أجدادهم، ويجعلوه يصفهم في هذه الصفحات بأنهم كرام وأفضل جنس من الأجناس البشرية، ولم يعاني من غدرهم مدة سبعة عشر عاماً من مقاومة احتلالهم لبلده، والقول بأن هذه المبالغة في المديح هي من أجل تخجيلهم، لا شك أنه قول باطل وسخيف غير منطقي لأن التخجيل أولاً لا يكون في المبالغة بالمديح لدرجة النفاق، وثانياً لا يكون بهدر الكرامة في مثل تلك الظروف، وإنما العكس. لأن تلك الظروف كانت تتطلب منه بالبداهة لفت نظرهم إلى مساوئ عدم الوفاء بالعقود، لا المبالغة بمديحهم وهم ما زالوا أعدائه لأن بلاده التي فداها بدمه ما زالت محتلة منهم يذيقون شعبه الذل والمرار، ذل الاحتلال والسيطرة والمقاومة ضدهم مازالت مشتعلة بقيادة الأبطال الميامين من خلفائه، أي الولاة.

وبكل بساطة يجعلونه ينسى من هو وكأنه أُصيب بمرض فقدان الذاكرة وهو الرجل الذي عُرف بالشجاعة الفائقة ورباطة الجأش وبالتقى والصلاح والأخلاق الإسلامية والبعد عن النفاق، والخوف من الله الذي قال ﴿إنَّ المُنافِقِينَ في الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارْ[2]، الرجل الذي يقرأ القرآن، ولا بد أنه قرأ هذه الآية في صلاته مرات عديدة، والذي عُرف بالاتزان والحكمة التي شهد له بها أعدائه هم أنفسهم، الرجل الذي قبل تحمل مسؤولية الحكم وقيادة المقاومة، الرجل الذي أقام دولة، دولة مؤسسات، وجيشاً نظامياً وقف في وجههم وقوف الند إلى الند وكبدهم الخسائر الفادحة وتسببت انتصاراته عليهم بإقالة عدد كبير من جنرالاتهم الذين هزمهم في مواقع كثيرة ومعارك لا تحصى.

[1]- سورة النساء، آية 100

[2]- سورة النساء، آية 145


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :

غسل اليد بالماء والصابون:
وفي الصفحة 191 جعلوه يقول: (( إني كنت أجاهد على ديني وعلى بلادي، ولما رضي أهل الوطن بموافقة النصارى انحزنا لسلطان المغرب مرادنا بذلك أننا جميعاً مسلمون، للواحد منا ما للجميع، وعليه ما عليه، وحيث حصروا الإسلام عندي، فالواجب عليّ من الله أديته. وعند عجزي لا عتاب عليّ. فالآن أردت ان أستريح من تعب الركوب والمشاق. ولا تحصل لي تلك الراحة إلا بالمشي إلى مكة أو المدينة، أحجّ وأجاور وأخرج من عهدة هذا الأمر كله. ولم يبق في قلبي من الملك شيء، بل غسلته بالماء والصابون)).
يُلاحظ في هذا النص الركاكة والأسلوب الأعجمي بالكتابة بالعربية، كجملة (حصروا الإسلام عندي)، وجملة (ولمّا رضي أهل الوطن بموافقة النصارى أنجزنا سلطان المغرب مرادنا). وما علاقة سلطان المغرب بالإنجاز إن كان هناك إنجاز؟ وما هو؟ جملة غير مفهومة أرادوا بها اعتراف الأمير بعجزه، وهذا غير صحيح لأن الأمير انتصر على قوات السلطان في تلك المعركة وغيرها، ولكنه رفض للاستمرار في تلك المهزلة وقتل الأخ لأخيه، فأوقف سفك دماء الطرفين المسلمين. هذه هي الحقيقة وليس العجز. وصوروه وكأنه ملك يجلس على عرشه، وليس مقاتلاً يجاهد في سبيل الله، يحمل سلاحه في هذه اليد دفاعاً عن شعبه ودينه وتراب بلاده. ومن يكون كذلك لا يمكنه غسل يديه إلا للوضوء أو غسلهم من أوساخ علقت بهم، فيتوجب عليه تطهيرهما، ليس بالماء وحده فقط وإنما بالصابون أيضاً لضمان النظافة. وربما يقول هذا الكلام إنسان قد يئس من جدوى شيء ما وجده لا فائدة منه، أو وجد فيه ضرر فندم وعمد إلى تطهير يده منه، ولكن أن يقولها مجاهد وقائد مقاومة أنه غسل يديه من الجهاد وركوب الخيل، ولم يبق في قلبه شيء من الإيمان بما كان يفعل كمن فقد عقله وكفر وهو يعرف الآية الكريمة في سورة يوسف ﴿إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[1]، وفي سورة الإسراء ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا[2]، فهذا قول لا يُصدّق لأنه لم يكن، هذا المجاهد، ملك يجلس على العرش وحوله الخدم والجواري والحرس الملكي، وإنما كان قائداً يجلس على متن جواده وحوله فرسانه المجاهدين يتقدم صفوفهم في ميادين القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة (الله أكبر). والواضح أن الذي يريد من الأمير غسل يديه من المقاومة بالماء والصابون والذهاب إلى الحج والمجاورة هناك طيلة حياته هو العدو المحتل لبلاده، فهو الذي يتمنى من الأمير أن يصل إلى هذه الدرجة من اليأس فيقول هذا الكلام، وبالتأكيد الفرنسي أو عميله هو من كتب وفبرك هذا المخطوط وذكر فيه كل ما يتمناه عن لسان الأمير ويذكر كلمة الحج والمجاورة ويتجاهل كلمة (الهجرة)، لماذا؟ الجواب: لأن المهاجر لا يمنعه شيء من العودة إلى بلده. والهجرة وليس معناها ترك الجهاد والمقاومة، فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة إلى المدينة لم يترك رسالة الإسلام، وإنما عاد إلى مكة قوياً منتصراً بإذن الله. وهم يدركون أن الأمير قرر الهجرة لكي يتخلص من ذلك الحصار ويتفادى الاستمرار بقتال الأخوة في الدين والجوار، فالعدو المحتل ليس غبياً، لذلك نسبوا إليه في هذا المخطوط كل هذه الأقوال لإذلاله والانتقام منه وذكروا الحج وهم يدركون أنه قام بأداء فرض الحج سابقاً. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحج في حياته سوى مرة واحدة، وهم يعلمون الكثير عن ثواب الهجرة ولكنهم أادوا حرمانه من ثوابها، ولكن الأمير يعلم ويردد آيات الهجرة في صلاته منها ما ذكره تعالى في سورة التوبة: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ[3]، ويعرف الأمير أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة النحل ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[4]، ويعرف قول الله تعالى في سورة النساء، ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً[5] أي سعة في الرزق، ويعرف أيضاً أن الله تعالى قال في سورة الحج ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[6]، وفي سورة العنكبوت ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[7]. فهذا الرجل المجاهد الأمير عبد القادر حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو في الحادية عشر من العمر، ويعرف قيمة الجهاد ومعنى الهجرة وشروطها التي وجدها تنطبق عليه، وأنها وُجبت عليه في تلك الليلة الظلماء، فجعلوه يقول في هذا المخطوط أنه تعب من المشاق، وركوب الخيل، ويريد أن يستريح، ويرغب المشي إلى مكة، أو المدينة، يحجّ ويجاور ويخرج من هذا كله، أي من الجهاد في سبيل الله، وأيضاً لم يبق في قلبه شيء من الملك، لقد غسله بالماء والصابون، أي طهّره من الجهاد وأعوذ بالله العظيم. وهل توجد مكيدة أكبر من هذه إلا ما سجّلوه في الكتب المدرسية من أنه اضطر إلى الاستسلام فأخذوه إلى فرنسا). والأكثر استغراباً واستهجاناً كيف وافقت وزارة الثقافة الجزائرية على نص يقرأه الطالب ويقدّم فيه الفحوص وهو (اضطر إلى الاستسلام فسجنوه في فرنسا). لماذا يدرس الطفل الجزائري والعربي هذه الأكاذيب؟ أليس الجواب هو ترسيخ الاعتقاد بأن فرنسا دولة عظيمة حضارية لم تقتل الأمير حينما استسلم إليها، وإنما أخذته إلى فرنسا وأكرمته بالسجن لمدة خمس سنوات فقط ثم نفته إلى دمشق ليشعر الطفل بالغضب أو الشعور بعدم الاحترام للأمير والمحبة والاعجاب بفرنسا!!


[1]- سورة يوسف، آية 87

[2]- سورة الإسراء، آية 83

[3]- سورة التوبة، آية 20

[4]- سورة النحل، آية 41

[5]- سورة النساء، آية 100

[6]- سورة الحج، آية 58

[7]- سورة العنكبوت، آية 26


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :

لا فضّ فوكِ سمو الأميرة ..وجزاك الله الجنة!!
وأثلج صدورنا بتمام عافيتك ..وأذهب عنك ما أصابك ..وأمتع الأمة بعلمك وفضلك ..وتقبل منك .. وجعل ما كتبت جبالاً في ميزان حسناتك .. ونصر بك الحق ..آمين

__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :

شكرااااااااااااا أختي منورة منتداااااااااااانا