عنوان الموضوع : الدين .. أداة تبرير سلطوية . الأخبار
مقدم من طرف منتديات العندليب


تعاني النظم السياسية العربية من أزمة الشرعية. وهي ازمة معقدة في جوهرها، حيث ان استمرار هذه النظم لا يعتمد علي رضاء المحكومين وتقبلهم له بقدر اعتمادها علي القوة والقهر المادي والمعنوي. وتتجلي مظاهر هذه الازمة في ازمة الثقة بين هذه النظم وشعوبها، وتزايد اللجوء للعنف بأشكال مختلفة، كأسلوب للتعامل السياسي، سواء من قبل النظام او من قبل المواطنين، والمحصلة النهائية لكل ذلك تتمثل في موجات العنف وعدم الاستقرار، والتدخل العسكري في الحكم.
وفي اطار هذه الازمة تسعي النظم السياسية العربية الي خلق وتدعيم مصادر للشرعية، اي للرضاء والتقبل السياسي من قبل المواطنين. ويعد الدين (الاسلامي) من اهم المصادر التي تلجأ اليها بعض هذه النظم بقصد خلق وتدعيم شرعيتها.
فما مسالك الاعتماد علي الدين كمصدر للشرعية؟ وما حدود الاعتماد عليه؟
ثمة مسلك تلجأ اليه النظم العربية بقصد خلق وتدعيم شرعيتها السياسية، اعتماداً علي الدين. وهنا يجب ان نأخذ في الاعتبار، ان الاعتماد علي الدين ليس واحداً بل يختلف من نظام الي آخر طبقاً لمدي تجذر الدين في وجدان الجماعة ودوره التاريخي في الدولة.
في بعض الحالات، كان الدين عاملاً اساسياً في نشأة الدولة العربية او بعث الحركة الوطنية من اجل الحصول علي الاستقلال ، فان جزءاً من شرعية النظام السياسي يصبح متعلقاً بمدي ارتباطه بهذا الاساس العقائدي للدولة فأغلب دساتير الاقطار العربية تنص علي ان الاسلام هو الدين الرسمي للدولة او علي انه من المصادر الاساسية للتشريع، الا انها نادراً جداً تلك الاقطار التي تطبق تعاليم الاسلام في مجالات الحياة المختلفة.
والاعتماد علي الدين (الاسلامي) في تنظيم مختلف جوانب الحياة في المجتمع، مرده، ان الاسلام تضمن مجموعة من المبادئ العامة والاحكام والتعاليم التي تغطي مختلف مجالات الحياة، لذلك يحاول بعض المثقفين في كثير من الاقطار العربية، تطوير اجابات اسلامية لقضايا مجتمعاتهم. فهناك قناعة بان الاسلام يتضمن الكثير الذي يمكن ان يقدمه في مجالات التنمية، كذلك، هناك قناعة لدي الكثيرين، بأن الفشل الذي بني به الوطن العربي، لا يعود الي الاسلام بقدر ما يعود الي اخفاق المؤسسات والقيادات في الاقطار العربية.
فالكثير من النظم العربية تلجأ الي استغلال الدين لتبرير سياساتها وتوجهاتها الفكرية، ويتم ذلك من خلال تدعيم الاطروحات الفكرية للنظام وممارساته العملية بأدلة دينية من القرآن والسنة. وكثيراً ما تتولي المؤسسات الدينية الرسمية وبعض رجال الدين القيام بهذه المهمة. ففي أغلب الاقطار العربية يشرف رجال الدين علي تطبيق احكام الشريعة ويشغلون كل المناصب القضائية والقرارات الهامة التي تستلزم الحصول علي فتوي منهم. وهنا مصدر قوتهم، فيمكن ان يصبغوا الشرعية علي قرار معين بتأييده بفتوي، ويمكن ان ينفوا الشرعية عنه بعدم اصدار الفتوي. ان الكثير من الانظمة العربية تلجأ الي استغلال الدين كمصدر للشرعية، حيث تتخذ الدين كموجه لمختلف مجالات الحياة فيصبح بمثابة دستور اقتصادي اجتماعي سياسي لمختلف مجالات الحياة، وقد تلجأ الي الدين لتبرير اطروحاتها الفكرية وممارساتها العملية.. هنا تتجه نحو استقطاب رجال الدين والمؤسسات الدينية الرسمية.
ولكن الي اي مدي تستطيع هذه الانظمة ان تعتمد علي الدين كمصدر للشرعية؟ بمعني آخر، ما هي تلك المجموعة من الظروف والمحددات التي تدعم دور الدين كمصدر للشرعية، وتلك التي تقلل من دوره، وتجعل النظام / الانظمة عرضة لمظاهر ازمة الشرعية؟
يتضح ان هناك نظماً سياسية عربية تجعل من الدين مصدراً اساسياً لشرعيتها، الا ان هذه النظم تعرضت وتتعرض لكثير من مظاهر عدم الاستقرار، الامر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول مصادر شرعية هذه النظم، ومدي فاعليتها في توفير مقومات الاستقرار والاستمرار. وفي ضوء مظاهر ازمة الشرعية التي تعاني منها بعض الانظمة العربية التي تعتمد بصفة اساسية علي الدين كمصدر للحصول علي الشرعية يمكن القول ان هناك مجموعة من المحددات تتفاعل فيما بينها لتحدد نجاح النظام في الاستناد الي الدين كمصدر لشرعيته، وتتمثل هذه المحددات في: وجود اتفاق عام حول دور الدين في المجتمع، والمنطلق الاساسي لهذه الاطروحة هو انه كلما كانت هناك درجة اعلي من الاتفاق بين القوي الاجتماعية المختلفة حول دور الدين في المجتمع تزايدت ايضاً شرعية النظام السياسي الذي يربط نفسه بتصور الجماعة عن دور الدين والذي يسعي لترجمته في الواقع العلمي، لكن مثل هذا الاتفاق العام لم يحدث في معظم الاحيان، حيث تتباين مواقف القوي المختلفة من الدين كمجموعة من القواعد التي تمتد لتنظم مختلف مجالات الحياة وليس كمجموعة من الطقوس اليومية التي يمارسها المسلم طبقاً للأطروحات الايديولوجية التي تتبناها هذه القوي، وطبقاً لمصالحها الاقتصادية والاجتماعية، فقد تري جماعة ما ان اتجاه النظام الي تطبيق احكام الدين يتعارض مع توجهاتها الايديولوجية ويضر بمصالحها، لذلك ترفض التوجه الديني للنظام. وقد تري جماعة اخري، ان اتجاه النظام لتطبيق احكام الدين اقل مما يجب. ومن هنا، يكون الدين سلاحاً ذا حدين. ففي الوقت الذي يلجأ فيه النظام السياسي الي الدين للحصول علي الشرعية، فإن بعض القوي الاخري قد تعارض علي اساس ديني فتلجأ الي الدين لتبرير معارضتها للنظام او قد تكون هذه القوة دينية بالاساس، وخبرة الانظمة العربية تؤكد الاطروحات النظرية السابقة.
ففي الوقت الذي لجأت فيه الكثير من الانظمة العربية الي تبني اطروحات اسلامية وعقد مؤتمرات اسلامية، شهدت هذه الانظمة حركات اسلامية مسيسة تناصب النظم القائمة العداء، وبعض هذه الحركات تتبني فلسفة العنف في الاطاحة بهذه الانظمة.
فالنظام الذي يلجأ الي الدين كمصدر للشرعية خاصة عندما يأخذ هذا اللجوء شكل الالتزام بالدين كدستور اقتصادي، اجتماعي، سياسي، يتوقف نجاحه بدرجة كبيرة علي مدي الاتساق، وعدم التناقض بين شعاراته وممارساته. فعندما تأتي الممارسات الشخصية لمن هم في قمة النظام والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يتبناها متسقة مع ونابعة من الاساس العقائدي والقيمي الذي يرتكز عليه، فلا شك في ان ذلك غالباً ما يؤدي الي زيادة وتعميق مصداقيته لدي المواطنين. اما عندما يكون هناك تناقض بين القيم والشعارات التي يطرحها النظام وبين ممارساته العملية، فان ذلك غالباً ما يؤدي الي انخفاض مصداقيته لديهم وبالتالي ينخفض تاييدهم ومساندتهم له، وتبرز قوي اجتماعية تناصبه العداء وتسعي للاطاحة به، وتجد تبريراتها في ان النظام يمارس النفاق ويخون اماني الجماعة، ولا يعبر عن جوهر عقيدتها الدينية.
وفي هذا الاطار، يكمن احد اسباب بروز المعارضة الدينية ضد النظم الحاكمة في العديد من الاقطار العربية، حيث يزداد الاحساس لدي هذه الحركات بان هذه الانظمة لا تأخذ من الدين (الاسلام) سوي الشعارات والشكليات فقط، وممارساتها وسياساتها تشوه الجوهر الحقيقي للدين. ففي الوقت الذي ترفع فيه هذه الانظمة شعارات اسلامية تتسع الهوة بين الطبقات بصورة حادة وتمارس هذه النظم القهر والتعذيب بصورة منظمة، بجانب ضعف القنوات الرسمية للمشاركة وانفراد الحاكم او مجموعة محدودة علي قمة السلطة بعملية صنع القرار، يضاف الي ذلك انتشار الفساد السياسي والاجتماعي. وكلها امراض وانحرافات اجتماعية وسياسية بعيدة عن الاصول الاساسية للاسلام. ووصل الامر الي حد قيام بعض هذه الجماعات بتكفير هذه الانظمة وبعضها وسع دائرة التفكير لتشمل المجتمع ككل.
ان محاولة هذه النظم ــ الثورية ادعاء او الرجعية ــ العودة الي نوع من الشرعية الاسلامية كعنصر او رافد من روافد شرعية النظام كموضوع للاستهلاك العام سياسياً هي عودة كاريكاتورية، لانها تسعي من خلال تحقيق المطابقة الشكلية بين الصورة الخارجية لممارسة السلطة وبين القيم الثقافية الاسلامية الراسخة الي ان تختفي القطيعة الفعلية المطلقة بين اهداف هذه السلطة ومصالح الطبقة المرتبطة بها وبين اهداف الجماعة، واحسن مثال علي هذه الحقيقة هي ان الصبغة الاسلامية التي تعطيها لنفسها تتعارض مع الافكار الجديدة الثورية والعدلية للقيم الاسلامية التي يتسلح بها التيار الاسلامي ذاته.
انه، مهما كانت درجة تجذر الدين في الوجدان الجمعي، ومهما كانت درجة ارتباط النظام بهذا الدين، فانه مطالب بالاستجابة لحد ادني من المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لكافة المواطنين. ولقد ادركت النظم التي تعتمد علي الدين كمصدر للشرعية حجم المخاطر التي تعترضهما، فالدين سلاح ذو حدين، فراحت تبحث عن مصادر مكملة للمصدر الديني.
وكان الانجاز هو الاساس الذي لجأت اليه هذه النظم فتبنت برامج طموحة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبعضها تبني بعض مظاهر الشرعية الدستورية حيث يوجد دستور وبرلمان ونشاط حزبي، الا ان الكثير من هذه التجارب اجهضت او وضعت امامها العراقيل من قبل القوي التي تري ان مثل هذه التطورات تشكل تهديداً لمصالحها، بالاضافة الي محاولات تحقيق التناغم بين عناصر التقليدية وعناصر الحداثة، فرفعت شعارات مثل الوطنية والاستقلال والعدالة... وفي نفس الوقت حافظت علي مصالح ومشاعر القوي التقليدية التي لا تزال تشكل قاعدة اساسية لهذه النظم.
وبعض الانظمة العربية لم تغفل اهمية السياسة الخارجية كرافد للشرعية، فراحت تستجيب ولو بحدود معينة لدعاوي التضامن العربي وتؤكد علي القضايا المصيرية واعتبارها كقضايا عربية واسلامية، وتستضيف المؤتمرات وتمارس الوساطات وتقدم الدعم المادي للاقطار العربية والبلدان الاسلامية غير النفطية... ورغم اهمية هذه المصادر الا انه توجد بعض العوامل التي تقلل من دورها في تدعيم شرعية هذه النظم.
اولها: ان عمليات التحديث والتنمية في الكثير من هذه المجتمعات تتم علي النمط الغربي مع ملاحظة ان هذا ليس هو النمط الوحيد للتنمية وليس بالضرورة ان يكون اكثر ملائمة لظروف المجتمعات العربية. ولقد اكدت خبرة الكثير من البلدان علي ان اي استراتيجية للتنمية لا تنبع من واقع المجتمع ولا تأخذ هويته وخصوصيته بعين الاعتبار غالباً ما تكون نتائجها محدودة، وقد تكون سلبية، كما ان عمليات التغريب تخلق المزيد من الصراعات والتوترات الاجتماعية داخل المجتمع، حيث تمثل تهديد للقيم والقوي التقليدية التي لا تتردد في رفض عمليات التحد ث علي النمط الغربي. ثانيهما: ان عمليات التحديث وما يرتبط بها، زيادة التحضر، وانتشار التعليم، والتعرض لوسائل الاتصال... تؤدي الي بروز قوي اقتصادية واجتماعية جديدة لها مطالبها. وهنا يطرح السؤال حول قدرة هذه النظم علي استيعاب هذه المطالب والاستجابة لها. ويطلق البعض علي هذه القوي اسم الطبقة الوسطي الجديدة، وتشمل اولئك الذين حصلوا علي قدر من التعليم، واندرجوا في مسالك مهنية وتخصصية، واعضاء هذه الطبقة لا يسعون من اجل امتيازات اقتصادية واجتماعية فحسب بل يسعون ايضاً من اجل المشاركة في العملية السياسية، سواء بتقليد المناصب السياسية او بالمساهمة في التأثير علي عملية صنع القرار. وهنا تكمن المشكلة. ففي الوقت الذي تسعي فيه هذه القوي من اجل المشاركة السياسية، فان طبيعة العملية السياسية في تلك الدول لا تسمح الا بمجالات محدودة للحركة امامها، حيث تحتكر العوائل المالكة للسلطة والنفوذ في المجتمع. وقد ترفض فكرة المؤسسات الوسطية او تسمح بها بعد ان تنتزع فعاليتها. وهنا تبدو اهمية الاثار السياسية لعمليات التحديث الاقتصادية والاجتماعية بعين الاعتبار فيجب ان تتزامن التنمية السياسية بمعني العمل علي ايجاد المؤسسات السياسية وتطويرها لتستوعب القوي الجديدة بحيث تشارك في العملية السياسية بصورة سلمية ومنظمة مع جوانب التنمية الاخري.
ثالثهما: ان طبيعة استراتيجيات التنمية وممارسات الكثير من النظم التي تستند الي التقاليد والدين للحصول علي الشرعية، ادت الي تزايد الوجود الاجنبي في هذه الدول وتعميق تبعيتها للخارج، وهذا لا بد ان ينعكس بشكل او بآخر علي شرعيتها في الداخل. انه علي الرغم من اهمية الوسائل التي تلجأ اليها الانظمة العربية التي تستند الي الدين كمصدر اساسي لشرعيتها لخلق وتطوير مصادر مكملة ومساندة للشرعية الا انها تتم بطريقة غالباً ما تقود الي خلق المزيد من التناقضات والاختلالات داخل المجتمع، واذا كانت بعض هذه النظم قد استطاعت ان تحقق حتي الآن درجة ملحوظة من الاستقرار، فانه يجب ان يؤخذ في الاعتبار عنصران هما: الوفرة المالية التي تمتلكها بعض هذه النظم بحكم مبيعات النفط والاجهزة الامنية والعسكرية المتطورة التي تمتلكها، والتي تعد حماية للنظام من مهامها الاساسية. لكن هذا لا يمنع من ان تكون هذه التناقضات والاختلالات، مصادر كامنة لازمة الشرعية اذا ما استمر النظام غير قادر علي معالجتها واستيعابها، وذلك بتطوير ذاته وايجاد تلك المؤسسات والقنوات التي تتمكن القوي المختلفة من خلالها ان تعبر عن نفسها وتوصل مطالبها بصورة سليمة ومنظمة.
ان اي نظام سياسي في الاقطار العربية، لا يمكن ان يعتمد علي الدين (الاسلامي) كمصدر اساسي للشرعية السياسية الا اذا توافرت العوامل الآتية:
1 ــ بلورة نموذج اسلامي للتنمية بمعناها الشامل كعملية مجتمعية بحيث يمثل بديلاً للنماذج الغربية التي ثبت فشلها في اغلب الاقطار العربية، وبعض البلدان الاسلامية. وهذه مسؤولية رجال الفكر الاسلامي، وقد آن لمثل هذه العناصر ان تبعث الاصالة الحضارية للامة، وتطور اجابات اسلامية لمشكلاتها الراهنة.
2 ــ ايجاد القنوات والمؤسسات والاجراءات التي يكمن من خلالها وضع التصور الاسلامي للتنمية موضع التنفيذ المحكم والفعال، فأي تصور اسلامي للتنمية يعتبر محدود الاهمية ما لم ينفذ بفاعلية.
3 ــ وجود درجة عالية من الاتساق بين ممارسات وسياسات وقرارات النظم الحاكمة وبين الشعارات التي ترفعها، لأن هذا كفيل بخلق المصداقية وتعميق الثقة ودرء شبهة استغلال الدين وشكلية الالتزام به من قبل النخب الحاكمة.
في ضوء غياب العوامل السابقة، فان محاولات الانظمة السياسية لاستغلال الدين (الاسلامي) كمصدر للشرعية، لا يمكن ان تستمر طويلاً، وسيبقي العنف وعدم الاستقرار، وفقدان الشرعية، والتغيير، والتبعية، من اهم سمات هذه الانظمة القهرية.



>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :

من يتخذ من الاسلام شعارا براقا أو غرضا او هدفا او سلما للوصول به لغاية دنيوية بحتة
أو منصب دنيوي زائل هو في الدرك الاسفل من النار لانه منافق...


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثاني :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الثالث :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الرابع :


__________________________________________________ __________

>>>> الرد الخامس :