عنوان الموضوع : كاد المعلم أن يضل سبيلاً انشغالات البيداغوجية
مقدم من طرف منتديات العندليب
شوقي يقول كاد المعلم أن يكون رسولاً ، لا شك أن شوقي كان يتحدث عن زمن غير زمننا ، عن زمن أجدادنا الذين كانوا متمسكين بالأخلاق والعادات المنبثقة من الدين ، بعيداً عن تلك الأفكار الغريبة التي غزت مجتمعنا المسلم ونخرته إلى الأعماق ، ففقد المربي والمعلم مكانته وظهرت في مجتمعنا المسلم أجيال لا تعرف إلا تقليد الغرب في لبسه وهيئاته ، ولا تتقن إلا الرقص والزمر وتقليد ما يعرض على القنوات الفضائية من أفكار هدامة من خلال الستار أكاديمي والأفلام والمسلسلات الهابطة ، أجيال منسلخة عن دينها وأخلاقها لا علاقة لها بالإسلام إلا بالاسم الموجد على الهوية ، لا تحترم معلماً ولا أباً ولا توقر كبيراً ولا ترحم صغيراً ، ولو اطلع شوقي على الواقع لاعتذر عن قصيدته السابقة وقال كما قال طوقان – رحمه الله – كاد المعلم أن يضل سبيلاً .
هذا هو واقع مجتمعنا ومدارسنا وأسرنا إلا ما رحم ربك ، نتيجته انسلاخ الأسرة المسلمة عن عاداتها وتقاليدها فأنشأت أجيالاً خرجت من بين يد مربين ومعلمين كانوا ثمار تلك الأفكار الفاسدة التي غزت مجتمعنا المسلم ، في الوقت الذي كانوا فيف بأمس الحاجة إلى التربية قبل أن ينخرطوا في سلك وزارات التربية والتعليم ، وإن لم نعمد إلى تربيتهم التربية الصحيحة فإن المكنة ستبقى تضخ أعداداً هائلة من هذا الجيل الفاسد والذي سيصبح بدوره مربياً ومعلماً لأجيال المستقبل القادمة ، ويصبح الحديث عن شكل هذا الجيل وملامحه وتضاريسه ومحاولة تخيل ماهيته ضرباً من ضروب الجنون !؟
واذكر أنني في دراستي الثانوية كنت من المواظبين على متابعة ما يعطيه لنا أستاذنا ، وكنت أجلس أنا وصديق وحيد لي في المقاعد الأمامية نكتب خلف أستاذنا دروسنا ، بينما كان الباقون مشغولون بأحاديث جانبية ، غير آبهين بالأستاذ ، وكأنهم أتوا إلى " كوفي شوب " وليس لبيت من بيوت العلم ، وفي يوم من الأيام سولت لي نفساً أمراً ، فتركت المقعد الأول ورجعت إلى الخلف ، أشارك هؤلاء السمّار جلستهم وأحاديثهم ، ولم استيقظ إلا على صوت أستاذي يقول لي : " حتى أنت يا احمد " أصابتني كلماته في مقتل ، وانتابني إحساس مريع وقتها ، بعض الكلمات يكون لها مفعول أكثر وقعاً من ضرب المدافع أو قصف الطائرات ، وعاهدت نفسي إلا أعود لمثلها أبدا ، ومن هذه الأحاديث الكثير ؛ أستاذ قتل وآخر ضرب وكسرت يده أو رجله ، وآخر بصق في وجهه أمام تلامذته ، وللأسف أن هذه الأحداث لم تعد فردية ، بل أصبحت نمطاً جماعياً يمارس ضد هذا المربي والمعلم الذي ضل سبيلاً ، والمحزن أيضاً أن الأمر نفسه انتقل إلى طلبة الجامعات !!
وكم سألت نفسي هذا السؤال ؛ لماذا آل حالنا وحال أولادنا إلى هذا !؟ وعلمت عندها أن سبب هذا النشء أجيال سبقته في تبني هذه الأفكار واعتناقها ، وعملت على صقله بعيداً عن دينه وعقيدته ، وسط تخلي كل منا عن مسؤولياته ، الأب تخلى وانشغل وراء لقمة عيشه ، وترك الأم خلفه لاهية جارية وراء زينتها باحثة عن آخر موضة نزلت في السوق ، وملاحقة لآخر فيديو كلب نزل جديداً ، ومتابعة مثابرة للمسلسلات العربية والتركية هي وأولادها وبناتها وأهل بيتها جميعاً ، ولا هم لها سوى البحث عن حريتها الزائفة ، حتى ما عاد لأرحامهنّ القدرة على إنجاب جيل كجيل صلاح الدين ، بل لم يعد بقدرتهن إلا إنجاب الشباب الصايع والمميع الأكثر شبه بالنساء منه بالرجال ، لا تميز بين مشيته ومشية فتاة ، وأصبح حال كثير منا " خلف وارمي بالشارع " ، والحاكم لا هم له إلا إغراق شعبه بكل المفاسد والفتن وفتح الباب لهذه الفتن على الغارب ، وإذا التزم المسلم وأطال لحيته وحافظ على صلاته أصبح في خبر كان ، ونسينا جميعاً أن كل منا مسئول وسيحاسبه الله على رعيته .
وأما المجتمع المسلم عندما كان ملتزماً بمسؤولياته ، مدركاً معنى وجود الإنسان على هذه الأرض محققاً الغاية التي خلق من أجلها ألا وهي عبادة الله وعمارة الله وفق ما قرره الله وشرعه له ، أنتج جيلاً تربيته مستمدة من أخلاق القران وأخلاق النبوة ، فها هو الغلام الصغير الصحابي عمير بن سعد الذين سمع كلام من زوج أمه يسخر فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشكك في هذا الدين , فقال لزوج أمه : " لقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن كتمتها لتهلكني، ولإحداهما أهون علي من الأخرى " ومشى إلى رسول الله وأخبره القصة , فأنكر الرجل وحلف بالله أن هذا الطفل كاذب ، فنزل قول الله تعالى يؤكد صدق كلام الغلام ((يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ )) التوبة 74 . ويدعوا الرجل إلى التوبة ، فتاب بعدها وحسنت توبته .
والمثال الآخر : عندما رجع جيش المسلمين من غزوة مؤتة ، بعد أن انسحب خالد بن الوليد – رضي الله تعالى عنه – بما بقي معه من جيش وعاد إلى المدينة ، خرج أطفال المسلمين يحثون التراب في وجوه الصحابة ، يقولون لهم : " يا فرار .. يا فرار " فأجابهم الرسول – صلى الله عليه وسلم : " ليسوا بالفرار وإنما هم كرار " ، وهذا هو الشافعي رحمه الله ، حفظ القران في الخامسة ، وجلس للإفتاء في السابعة .
فمن علم هؤلاء الفتية هذه العقيدة !؟ ومن الذي غرس هذه التعاليم في نفوسهم ؟؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسلفنا الصالح والنساء الصالحات ، الذين نشروا الإسلام بين العالمين بأخلاقهم ، وبقي النشء الإسلامي محافظاً على دينه وملتزماً بأخلاقه وعاداته ، وقاد الأمة من مجد إلى مجد ومن عز إلى عز ، وكان للمربي والمعلم مكاناً كبيراً في النفوس لانه كان قدوة واسوة حسنة ، كما أجاد شوقي في بيان الحال بقوله :
قُـم لِـلـمُـعَـلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ... كـادَ الـمُـعَـلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا
أَعَـلِـمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي ... يَـبـنـي وَيُـنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا
وبسماحنا لهؤلاء المستغربين ، الذين لا هم لهم إلا العمل على سلخ المجتمع الإسلامي عن أعرافه وعاداته وتقاليده ، متسترين في دعوتهم تلك باسم الحرية والتمدن والتقدمية ، أمثال قاسم أمين وهدي الشعراوي ، دعاة الانحلالية ؛ وسكوتنا عنهم تم تغريب المجتمع المسلم عن عقيدته وشرعه ، ولم تمر عقود إلا ونشأت أجيال فاسدة ، أجيال جسدت مدرسة المشاغبين واقعاً وحالاً ، أجيال أصبحت مثقفة بمعرفة أخبار الفنانين والفنانات ، والمطربين والمطربات ، وتعدد لك ما هب ودب منهم وتحصى لك آخر أخبارهم وحركاتهم وسكناتهم ، وإذا سألتهم عن أحد صحابة رسول الله أو أحد عظماء تاريخنا ، وقفوا مبهوتين حائرين ، أجيال مستهترة بالعادات والأعراف ، أجيال لم تعد الأخلاق تعني لها شيئاً ، وقد مثل هذا الواقع ، الشاعر إبراهيم طوقان في قصيدته التي رد بها على شوقي :
قم للمعلم واترك التبجيلا ... كاد المعلم أن يضل سبيلا
أن المعلم أن أهنت حياته ... أهداك عقلا مظلما مشكولا
يا من يريد الانتحار وجدته ... إن المعلم لا يعيش طويلا
وهذه أبيات كذلك ، تجسد حقيقة واقع هذا الأجيال :
من شاء مزحا.. فالمدرس نكتة ... أو شاء لعبا.. أحضر ( الفوتبولا )
أو مل درسا فليفارق درسه ... من ذا يريد لك البقاء ملولا ؟
أو رام شتما كي يبل غليله ... لا ضير في شتم يبل غليلا
أو رام دردشة فذلك شأنه ... إن السكوت يعلم التغفيلا
إن غاب شهرا فالغياب فضيلة ... وغدا السؤال عن الغياب فضولا
لا بأس إن دخل المدارس طالب ... بسيجارة.. أو جاءها مسطولا
والتربويون الكرام قرارهم ... من مس طفلا يغتدي مفصولا
فأي فرق بين جيل سلفنا وبين جيلنا وجيل المستقبل ؟؟ وهل يتوقع لنا بهذا النشء أن نعيد إلى حضارتنا أمجادها وعزتها ، أم أن أحوالنا تزداد من سيئ إلى أسوء كما نرى ، ومن هزيمة مرة إلى أقسى منها ، ورحم الله شوقي ، إذ يقول :
وَإِذا أُصـيـبَ الـقَومُ في أَخلاقِهِم ... فَـأَقِـم عَـلَـيـهِم مَأتَماً وَعَويلا
لَـيـسَ الـيَتيمُ مَنِ اِنتَهى أَبَواهُ مِن ... هَـمِّ الـحَـيـاةِ وَخَـلَّـفاهُ ذَليلا
إِنَّ الـيَـتـيـمَ هُوَ الَّذي تَلقى لَهُ ... أُمّـاً تَـخَـلَّـت أَو أَبـاً مَشغولا
لنتق الله في أولادنا ، أباءا وأمهات ، ولنربهم التربية الإسلامية الصحيحة ، لا أن نجعلهم فريسة سهلة للمسلسلات والأفلام والأغاني الهابطة ، الهادفة إلى تدمير الأخلاق في نفوسنا ونفوس أبنائنا ، ولنعلم أنهم أمانة في أعناقنا ، سنسأل عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ولنذكر قول الله تعالى : (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى )) طه 132 ، وقوله عز وجل عن نبينا إسماعيل عليه السلام : (( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً )) مريم 55 ، ودعوته لنا تبارك وتعالى إلى أن نقي أنفسنا وأهلينا ناراً قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا شراء : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ )) التحريم 6 .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
للأمانة الموضوع منقول للفائدة
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
وإنت شئت فضف له:
كاد المعلم أن يكون مليونيرا.........(قاله احد التلاميذ)
=========
>>>> الرد الثاني :
بارك الله فيك على هذا الموضوع
=========
>>>> الرد الثالث :
بارك الله فيك على هذا الموضوع الرائع وغفرالله لك ولابويك ولنا جميعا ان شاء الله
=========
>>>> الرد الرابع :
غابت التربية عن أسرنا ومدارسنا وغا بت معها رسالتنا بين أطفالنا يطاردوننا في الشوارع بالأحجار و إشعال النار والضرب المبرح وتتعالى الأصوات يا سادة رحل القطار وفات وأصبحت مدارسنا حلبة للمصارعة الكل فيها مظلوم وفشلنا حتى في باقي العلوم فالكل يغش والكل يحوم للظفر بالمناصب بلا رقيب ولا محاسب فاللهم لطفك في أجيال قد تأتي مشلولة قسمت القشة والفولة
=========
>>>> الرد الخامس :
=========