عنوان الموضوع : مقالات ونصوص فلسفية اولى ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب

--------------------------------------------------------------------------------tercha-ammar-hakerim
أقدم /membres.lycos.fr/minbar
موقع منبر للأستاذ محمد باداج ( المغرب )
يقترح هذا الموقع دروسا في الفلسفة، ويهدف خصوصا إلى
أن يكون منبرا حرا لإثارة قضايا ذات أبعاد تربوية، بيداغوجية،
وديداكتيكية...
https://philo.awardspace.com
موقع فلسفة للأستاذ ع.فورار (الجزائر)
موقع فلسفة موقع خدمي يسعى إلى تقديم نوع من الخدمة المعرفية ،
و هو موقع معني بالفلسفة ، وبالاهتمام بالفلسفة بالمعنى العام للكلمة...
https://www.minerve.org
موقع مينارف للفلسفة ( تونس)
موقع مينارف minerve هو موقع فلسفي يسعى إلى تقديم نوع من
الخدمة المعرفية لكل المهتمين بالشأن الفلسفي.
https://www.philomaghreb.com
الشبكة التربوية الشاملة فيلومارتيل(المغرب)
موقع يدعم الدرس الفلسفي بالمغرب، هدفه الوحيد هو تطوير موقع يلم
بإهتمامات الأساتذة والمتعلمين...
www.falsafa.info
موقع فضاء الفلسفة للأستاذ شفيق اكريكر(المغرب)
موجه أولا للمتعلمين بما يقدمه من دروس في حلة شيقة تحبب إليهم مادة الفلسفة
وتحثهم على التفكير، لكنها لاتقوم مقام دروس أساتذهم داخل الفصل ...
والموقع موجه ثانيا للزملاء المدرسين الباحثين عن موارد بيداغوجية وديداكتيكية
يستأنسون بها في بناء الدرس.
www.fourar.tk
موقع الأستاذ ع.فورار أستاذ التعليم الثانوي لمادة الفلسفة (الجزائر)
يحتوي الموقع على دروس ، ومقالات ونصوص فلسفية ....
تونس:
https://www.philobac.net
https://www.minerve.org
https://membres.lycos.fr/amriphilo/mountada
الجزائر:
https://www.falsafiat.com
المغرب:
https://www.madariss.fr/philo/
https://membres.lycos.fr/minbar
https://www.lycee-maroc.ma
https://philomartil.com
********************************


أنقل اليكم موضوع فلسفةباكالوريا اداب نظام جديد- لتلميد تحصل على 18/20 وهو أعلى عدد حصل عليه تلميذ آداب نظام جديد دورة جوان 2017tunisie

الموضوع : إن الاختلاف لا يهددني وإنما يثريني " ما رأيك ؟
التحرير :
إن التصور القائل باكتمال الإنسان الفرد في اكتفائه بانيته الضيقة وانغلاقه على هويته الشخصية ضل دائما تصورا ناميا بموازاة موقف ثان يرى أن إنسانية الإنسان كل إنسانيته تولد في رحم الاختلاف وبه تزدهر ويشتد عودها .
بل إن هذا التصور الأخير ليذهب إلى حد إعلان القول بتهافت المواقف التي تنبذ التنوع الإنساني بتعلة صون ذوات أصحابها ومريديها وتنغلق على أنفسها مستشعرة خطرا يتربص بها ليرديها إن هي انفتحت على عالم الغير والأشياء من حولها
من هنا علا صوت الفلاسفة محبي الحكمة والإنساني في الإنسان ليجاهر بالدعوة إلى انفتاحية الذوات على بعضها انفتاحا قوامه الاعتراف المتبادل والعيش المشترك والتسامح والتواصل الفعال بغية إثراء الذات وتنميتها إذ أن " الاختلاف لا يهددني وإنما يثريني "
فما هو الاختلاف :أيكون محرقة عالمية تستهدف إذابة الذوات وإقصاء الهويات أم انه أفق أنساني رحب يضم تحت جناحه فسيفساء البشرية المزدهرة في تنوعها وتمايزها ؟وإذا ما أقررنا بكون الاختلاف لبنة إثراء الذات لا إفقارها فكيف نفهم هذا الوصال بين الانية والغيرية وبين الهوية الشخصية والهويات المختلفة عنها ؟ إي مشروع أنساني ذاك الذي يضمن هذا اللقاء ويحقق وحدة إنسانية تتضمن تنوعا ؟ ثم أليس في الاندفاع نحو الانفتاح على الأخر المختلف عني إيذانا بإقصائي وسحب السيطرة مني ؟ كيف ننجح في خلق إنسانية إنسان تجهض كل محاولة إقصاء وتؤسس لانية كونية ؟
إن هذا الموضوع ليستمد راهنيته من واقع العصر الذي تكثفت فيه الخطابات الداعية إلى تلاقح الثقافات وتعارفها وتعدد المؤتمرات والمنتديات حول العالم يجمعها ملف الاختلاف البشري ووحدة الإنسان فيكون رهان مقاربتنا هذه بذلك الكشف عن حقيقة الأثر الذي يخلفه الاختلاف على انية الإنسان وهويته والعمل على خلق فضاء تتجسد فيه "الوحدة في تنوعها ".
لعله من العسير مجابهة موضوع كهذا مع كل محاولة للتملص من مواجهة المفاهيم المكونة له والكشف عن مسلماته الضمنية .
فالموضوع – على صيغته التقريرية –يثير في القارئ غير المتمحص توترا شديدا مبعثه التزاوج المربك بين أسلوبي النفي " لا" والتأكيد " وإنما " بحيث يعمل الموضوع على نفي فعل ما وتوكيد أخر ... والمفهوم المركزي في هذه المقاربة يتمثل في "الاختلاف " الذي يعني فيما يعنيه التنوع والتمايز وكل الخصائص التي بفضلها نميز بين الشيء والشيء.
ثم لدينا فعلا " يهددني " و" يثريني " حيث يفيد أولها وجود خطر يحدق بشيء ما فيما يحيل الثاني على الاغناء والإفادة والتنمية .
إما ما نلاحظه في كلي الفعلين فهو حضور ضمير المتكلم الفرد مما يشرع لنا القول بان الموضوع نص المقاربة إنما يستهدف علاقة الاختلاف بالانية ومن ثمة كل ما يفيده هذا المفهوم من جملة الخصائص المميزة للفرد والمكونة لهويته الشخصية..
ولعل هذا المفهوم الأخير يقودنا إلى إحدى المسلمات التي يستبطنها نص الموضوع وهي ملازمة " الأنا "لأقوال الإنسان وأفعاله ومن ثمة حرصه على صونها وحفظها ..كما يسلم الموضوع ضمنيا بتكثف الحيرة إزاء مسالة الاختلاف بين الإنسان والإنسان وبوجود فعل معين للتنوع على الأنا بل إننا نستشف كذلك تسليما بوجود موقف ما يعلن بان في الاختلاف تهديدا للانية وخطرا على الهوية الشخصية ليفترض الموضوع بذلك أن التهديد والإثراء لا يلتقيان معا..بل لا يحضر احدهما إلا في غياب الأخر...
يبدو القول بغياب وجه التهديد في الاختلاف وجيها من جهة كونه واقعا اعتادته الإنسانية عبر تاريخها مع أن مقاربتنا لا تروم الانزلاق نحو دراسة تاريخ الإنسان بقدر ما تهدف إلى بيان كونه تاريخا قوامه الأساسي الاختلاف فاني لهذا الأخير أن يهدد الإنسان وهو له بمنزلة الخالق من مخلوقه؟ إنا إذا ما ذهبنا في اتجاه ادانة الاختلاف لوقعنا في خلف منطقي وتناقض صارخ : أليس قدر الوجود الإنساني أن تحكمه الثنائيات وأبرزها ثنائية الخلق الأول ادم وحواء ؟
إن الاختلاف بين الناس إذن ليس مصدر تهديد بقدر ما هو مصدر إثراء واغناء فكيف نفهم اغتناء "الانية بالتنوع"؟ إن وجود الاختلاف بين البشر يؤشر على حاجة كل إنسان في ذاته إلى آخر ينفتح عليه فيغنم منه ما به يثري نفسه.حيث يؤكد ادغار موران على كون " الحاجة إلى الآخر ضرورية إذ تشهد بعدم اكتمال الأنا " ذلك أن الانية أيا كان ما تتمتع به من خاصيات وقيم ومبادئ وثقافة شخصية تبقى دائما فقيرة بذاتها غنية بغيرها مدعوة إلى معانقة عالم الذوات والأشياء من حولها لتفتح منه ما به تسد نقصها وتقترب من الكمال بل تقترب من ذاتها أكثر أفلم يعلن برجيه " إن الأخر كلما كان مختلفا عني استطاع مساعدتي على إن أكون إنا "؟.
تلك هي المفارقة العجيبة بين ما يفترض في الانية من تمسك بمقوماتها الشخصية وما يستوجبه تواصل وجودها من انفتاح على الغير المختلف ..حتى لكان وجود الأنا هو رهين وجود "الأنا الذي ليس إنا "لتكون علاقة الفرد بالمجموعة البشرية قاطبة أشبه ما يكون بعلاقة قطرة الماء بالبحر لا تهرب منه إلا إليه لان فيه حياتها وهنا يستوقفنا قول المهاتما غاندي " والذي انزله كتابه " كل البشر إخوة " : " إن قطرة الماء تشارك في عظمة المحيط حتى وان لم تكن تعي ذلك لكن بمجرد أن ترغب في الانفصال تجف تماما ".
...
ولا شك في أن مفهوم الانية الذي يفيد جوهر الشئ وكينونته لينفتح على مفهوم آخر أوسع واشمل هو الهوية بما هي مجمل الخصائص التي بفضلها يكون الشيء هوهو ويتميز على الآخر .
إن الاختلاف يثري الهوية الخاصة بالفرد ويغنيها وهو ما يؤمنه تلاقح الثقافات وحوار الحضارات فلا يخفى انه إذا ما اختار الإنسان الانغلاق على خصوصياته والتقوقع حول هويته متجنبا كل ماهو مختلف عنه لم يتجاوز ركب الحضارة الإنسانية فحسب بل إن هويته ذاتها تكون قد ذبلت وفقدت مقوماتها الأساسية وماتت ولنا في تجربة الانغلاق العربية إبان النكبة خير دليل على سوء عاقبة كل من يلتف بزي الماضي ويدفن رأسه في التراب كالنعام حتى لا يواجه الأخر المتفوق عليه .وكانت النتيجة أن أدى انغلاق العرب على عروبتهم إلى تجاوز التاريخ لهم وضياع عروبتهم ذاتها لأنهم أهملوا صوت الفلسفة والشعر ولم يلقوا لدعوة " القباني " بالا :" اخرجوا من السرداب ... فالناس يجهلونكم داخلين السرداب...الناس يحسبونكم نوعا من الذئاب ".
في المقابل نجح المشروع الأوروبي في تحقيق الوحدة بين اغلب بلدان القارة بالرغم مما يميزها من اختلاف في اللغة والعرق والدين وما ذاك النجاح إلا نتاج وعي راسخ لدى الرأي العام الأوروبي بان التنوع يحقق وحدة متماسكة وينمي الهوية الشخصية والوطنية ..هذه "الوحدة المركبة " تجد لها صدى في كتاب " إنسانية الإنسانية " لادغار موران ضمن مجموعة "الطريقة " حيث يدعو المؤلف إلى خلق وحدة إنسانية تتضمن تنوعا وضمان تنوع ينخرط في إطار وحدة وهو مشروع أنساني بامتياز يقدم له موران " الايتيقا المركبة " كقوام وعامل تجسيد الأمر الذي ينتفي فيه أي ادعاء بتهديد الاختلاف الذات و يتأكد الإثراء وتتوطد أواصر المحبة بين بني الإنسان .
نخلص مما قيل إذن إلى كون الاختلاف بين الناس عامل ثراء وغنى الانية يصون الهوية ويطورها .
وإذا ما كان الأمر كذلك فان مقاربتنا لا تخلو من عدة مزايا ذلك أن الموضوع هو ملف العصر بامتياز فقد غدت قضية الاختلاف تشغل الناس اليوم وتستأثر باهتمامهم لتكثف الخطابات الداعية إلى نبذ التنوع الإنساني والانخراط في حركة العولمة أي إسقاط كل الحواجز الجغرافية والجمركية والاقتصادية والثقافية لخلق ما يسمى " بالقرية الكونية " الصغيرة ..فنص الموضوع إذن بقدر ما كشف لنا أهمية الاختلاف بالنسبة للوجود الإنساني نبهنا إلى خطورة "الأيادي الوسخة "التي تتلاعب بهذه القيمة النبيلة "و "تؤدلجها " خدمة لمآربها الآثمة إضافة إلى نجاح المقاربة في نقض المواقف الساذجة التي لا ترى في الاختلاف الإنساني سوى التهديد وخطر الموت لتغرس فينا بذلك القدرة على معالجة القضايا الإنسانية من زوايا مختلفة تتعالى عن الأحكام المسبقة وتنتهج الشك دربا لليقين مراهنة على الإنسان وجودا وقيمة .
ولكن هل يعني هذا انه لا توجد لحظات يكون فيها للاختلاف فعل مدمر لذوات ومهدد للخصوصيات ؟ ألا يؤدي الانصهار في المختلف إلى موت " الأنا " وانعدام سيطرتها على ذاتها ؟
انه لا يكون للاختلاف اثر سلبي إلا متى تحول إلى واجهة شرعية " لأفعال أعداء الإنسانية الشنعاء بحيث تسعى القوى العظمى إلى زلزلة الهويات الشخصية والوطنية والقومية وزعزعتها بما تبثه فيها من سموم أفكارها ومعتقداتها وسلوكياتها وتفرض عليها الانفتاح على كل ذلك وقبوله بدعوى أن المختلف نعمة وسبيل إثراء وتقدم ..
لقد أدى تفشي الثقافة الغربية المختلفة عن ثقافة الأنا العربي إلى تفكك النسيج الأخلاقي داخل الكيان العربي واغتصاب الأفكار الغربية للمنظومة القيمية العربية حيث أوقعت الإفراد في سراديب الالتهاء بالموضة واللباس والفن عن مشاغل الوطن وهمومه ولنا أن نستحضر قولة " صامويل هتنتغتون "في مؤلفه "صدام الحضارات " : " إن الثقافة الغربية خطرة على بقية العالم " .حيث لا يجدر أن نغفل إجهاض التجربة الليبرالية الرأسمالية للتجربة الشيوعية الاشتراكية في كمبوديا " خلال حكم "بول بوت " زعيم "الخمير الحمر " حيث ضيقت عليها الخناق وحاصرت اقتصادها ودفعتها الى الانغلاق دفعا مما أدى إلى تقهقرها حتى الموت . فلم يكن الاختلاف بهذا عامل إثراء بل عامل موت وفناء.
ولعل هذا يتجلى أكثر فيما آلت الكثير من المحاولات للانفتاح المطلق وغير المشروط على الهويات والثقافات المغايرة حيث أدى ذلك إلى ضياع الملامح الحقيقية للهويات الفردية والجماعية واكتسابها ملامح جديدة هجينة فضيعة في غربتها .
ومن أمثال ذلك شخصيات عربية عديدة أدارت ظهرها لجذورها وعانقت الانبتات في " بلاد الإفرنج " فلم تحرز سوى ضياع هوياتها الشخصية وضياعها وسط الزحام ..تيه يمكن أن نتحدث عنه بتعبيرتي " عبد الرحمن منيف في شرق المتوسط وجون كازانوف في "السعادة والحضارة " فهو مع الأول " غربة عربية صفراء لنفوس نخرها سوس الانبهار بالأخر " ومع الثاني " ضياع وسط الزحام وغربة داخل الحشد " .
بل إن هذا لينسحب على ثقافات بأسرها انخرطت بكل اندفاع في مسيرة العولمة وانخدعت بخطاباتها أو أنها دفعت دفعا إلى تبنيها والانصهار فيها وهو ما يجلوه لنا واقع البلدان التي خرجت من الاشتراكية حديثا لتجد نفسها في مواجهة تيار رأسمالي قلب عالمها رأسا على عقب وأوقع مجتمعاتها في فقر معنوي ومادي مدقع لا تملك له خلاصا إلا بمزيد الغرق فيه ..
لا ريب إذن من أن علاقة الانية بالاختلاف تحكمها ثنائية الإثراء والإفناء والبناء والنسف على أن هذا لا يجب أن يوقعنا في شباك مقاربة اختزالية تقصر أوجه هذه العلاقة عند حدود "الخير والشر " إذ يمكننا أن نقر بان الاختلاف ليس فقط " لا يهددني بل يثريني " وإنما أيضا " لا يعنيني " وفيما قد يبدو للبعض بان هذا الخيار تملص من المسؤولية وهروب من المواجهة فانه لدى البعض الآخر إما حل أخير لصون الهوية وحفظها وإما خيار دفعت إليه دفعا لكونها غير معنية فعلا بمسالة التنوع ولا تهمها قضية العولمة ومشاغل الكونية .
...

وهذه الفئة التي تمثل ثلث الإنسانية ( الهند والصين ) هي التي يعنيها " ابو يعرب المرزوقي " بقوله " إنها خارج خارطة الصراع " بين الثقافات المختلفة وبأنها نجحت في صون هويتها عبر اللامبالاة " .
ثم أفلا يجب أن ننتبه إلى بساطة الموقف الذي يفصل بين وجهي التهديد والإثراء في الاختلاف ؟إننا متى تمحصنا في دراسة تاريخ الحضارات وجدنا اغلبها قامت في خضم مخاطر أجنبية تتهددها فما كان لقرطاج " مثلا أن تصنع مجدها إلا بفضل التهديد الروماني المحدق بها " وكذلك ليس للفرد الذي يبغي حفظ هويته إلا التنبه إلى الخطر الذي يمثله الأخر بالنسبة إليه ..ولم لا يدخل معه في صراع "الكرامة " حتى يظفر منه بالاعتراف به كذات ويفتك منه أحقيته بالوجود ولا شك في أننا نتحرك هنا في إطار هيغلي بالأساس .
وخلاصة القول إن الفصل بين التهديد والإثراء فصل متهافت لا محالة فكم من ولادة استلزمت إجهاضا بل إن وجودنا ذاته يحكمه جدل الحياة والموت.
أفلا يحق لنا أن نعلن القول بان قران التهديد والإثراء على سنة الاختلاف وحده يحول مشروع "الانية والكونية " من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل ؟
عموما تراوحت الأطروحات بخصوص الاختلاف بين متحامل عليه رافض لانفتاح الأنا على غيره وبين منتصر للتنوع الإنساني مؤمن بأفضال الاختلاف في إثراء الذوات وحفظ الهويات الفردية منها والجمعية .
وكيفما تضاربت المواقف وتباينت الخيارات يبقى الاختلاف "الواقعة الإنسانية الأولى " اكسير نجاح الإنسان في تجاوز حدود فردانيته المغلقة نحو عالم الغير من حوله .. فإنسانية الإنسان رهينة هذه المجاوزة المحمومة للانا المتمركزة حول ذاتها إلى معانقة الكثرة وخصب العدد.
فرهاننا الاسمي يبقى على الإنسان وجودا وقيمة حتى لا يتقهقر عن مركزيته في الكون ويرتد حسيرا إلى عالم الاشياء فيعيش " كالأنعام كالحجر " ومهمتنا هي أن نحفظ هذا الوجود ونزكيه ونصونه من كل التهديدات والأخطار لا أن نستسلم للعجز واليأس فيما يقودنا تشاؤم "كلود ليفي شتراوس ": " لقد بدا العالم دون إنسان وسينتهي بدونه "
********************************************

العمل والعدالة

إن مسألة العمل والعدالة هي مسألة راهنة ترتبط بمركزية العمل كقيمة مرجعية تشترط تحقيق مشروع المساواة وخاصة المساواة الاجتماعية في ظروف الوجود الفردي والاجتماعي. ولا نستطيع أن ننكر اليوم أن العمل يمثل سجلاّ محدّدا للعدالة إذ يمثل أحد شروط مصداقية المواطنة وهو ما تشهد عليه وضعية البطالة التي تؤكّد هذا الترابط بين العمل والعدالة. ورغم أن مثل هذا الإقرار يصدم المواطن الأثيني المقتنع بغربة المجال السياسي بما هو مجال الحرية والمواطنة، على مجال العمل كفضاء مرتبط بالحاجة البيولوجية المبتذلة ـ إذ ليس هناك تطابق في الفكر اليوناني القديم بين نظام الروح ونظام الحياة بما أنّ إجبار العمل يمنع من تحقيق المواطنة بالكيفية التي تجعل الحدود بين العملة والذين لا يعلمون هي نفس الحدود بين المواطن والعبد ـ فإن الأمر مختلف تماما اليوم، إذ يمثل العمل شرط الولوج إلى المواطنة عبر المساواة الفعلية، فنحن نشهد قلبا كليا في النظر إلى العمل فمن العمل كعلامة إقصاء للمواطنة إلى العمل كشرط للمواطنة.
غير أنّ مسألة العمل والعدالة تطرح مفارقة، فمن جهة يتأسس العمل المأجور على المرؤوسية والإمتثال و لكنه يتقدّم من جهة ثانية كأساس للحرية الواقعية والعدالة الفعلية، وهذا يعني أن الزوج عمل ـ عدالة هو زوج حديث العهد ومع ذلك يتمتع بمشروعية غير قابلة للنقاش، ناهيك أن حق العمل هو موضوع المادة الثالثة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو حق مشروع في كلّ الدول المتقدمة. ولكنّ هدا الزوج يبقى موضوعا للنقاش، موضوعا محفوفا باللايقين الناتج عن الشك المتواصل الذي يحف بمفهوم العمل وبمفهوم العدالة. فالعمل يُفهم هنا بعيدا عن المطارحات الفلسفية، فلا يتعلق الأمر بالعمل من جهة أنه يمثل كلّ أشكال النشاط المشكل للمادة أو الأفكار، ولكن العمل باعتباره إجبارا وضرورة، العمل باعتباره شغل، أي ترجمة النشاط الشاق في وضعيات وأدوار اجتماعية بما في ذلك توزيع المكافآت الفعلية والرمزية التي ترافق نشاط عمل معترفا به كنافع اجتماعيا مثل الأجر، الترقيات، الامتيازات التي تسند لشغل دون آخر... أما العدالة فإنها تحيل عند أرسطو، إلى دلالتين، دلالة عامة ودلالة خاصة، ففي الدلالة العامة تشير العدالة إلى علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية وتكون في هذا المستوى مرادفة للفضيلة بمعنى الامتثال للقوانين، فالإنسان الفاضل هو الذي يعمل وفق القانون بشرط أن يكون هذا القانون ذاته فاضلا. والعدالة بالمعنى الخاص تدلّ على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع بقية أفراد المجتمع. وهذا يعني أن تناول "أرسطو" لمسألة العدالة يرتبط عضويا بالمسألة الأخلاقية، ثم إن العدالة بالمعنى الخاص تقتضي حسب أرسطو أن يقنع المرء بقسمته ولا يطمع بما في أيدي الناس إذ تعني الاعتدال. ويميز أرسطو في العدالة الخاصة بين نوعين:
· العدالة التوزيعية: وتشمل توزيع الخيرات والشرف والمناصب وأي شيء يمكن توزيعه على أفراد المجتمع وتقتضي هذه العدالة أن يتمّ توزيع الخيرات بما يتناسب مع ما يستحقه كلّ طرف، وبالتناسب مع معايير الاستحقاق بحسب النظم الاجتماعية.
· العدالة التعويضية: وتتمثل وظيفتها في إعادة الحق المنتهك إلى أصحابه في مجال التعاملات بين الناس. ويميّز "أرسطو" في هذا النوع من العدالة بين نوعين: العدالة المتعلقة بالمعاملات الإرادية بين الأفراد كالبيع والشراء والاقتراض... والعدالة المتعلقة بالمعاملات غير الإرادية، السرية منها والعنيفة كالسرقة أو إهانة الغير و مضايقته...ففي مجال التعاملات الإرادية يكون هدف القاضي هو التعويض لا العقاب، وأما في مجال السلوك الإجرامي فإن الهدف يكون العقاب وتصحيح الضرر وإعادة الاعتبار للمعتدَى عليه.
و يجب أن نلاحظ أن مفهوم العدالة ظلّ موضوع اختلافات عديدة بين المفكرين والفلاسفة. اختلافات يمكن إرجاعها إلى صنفين عامين أحدها اعتبار العدالة كمساواة وهذه العدالة غير منصفة لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار جدارة أو أحقية بعض الأفراد. وثانيها اعتبار العدالة كإنصاف و هذه العدالة لا تقتضي المساواة.
و لأن العدالة كمساواة هي أمر لا يمكن تحقيقه، و فشل النظام الاشتراكي في المعسكرات الشرقية يبرهن على ذلك، ينادي "راولس" John Rawls بتحقيق العدالة كإنصاف، وذلك يعني بالنسبة إليه تصحيح اللاتساوي بين الأفراد، إذ تتأس نظرية العدالة عند "راولس" على توزيع منصف للخيرات، لذلك يرفض "راولس" تصوّر النفعيين للعدالة، ذلك أن العدالة عند "هيوم" و"ميل" تتمثل في خير أكبر عدد ممكن من الناس في حين يرفض "راولس" أن يكون تأويج المنفعة أساسا للعدالة، إذ يرفض التضحية بالحرية أو الإنصاف باسم النجاعة وإشباع الحاجات. لذلك يشترط حضور العدالة منذ البنية الأساسية للمجتمع أي حضور العدالة في المؤسسات باعتبارها النسق العمومي للقوانين، خاصة وأنّ المؤسسات الاجتماعية تخدم مصالح بعض الأفراد على حساب آخرين، هذا يعني أن تصوّر "راولس" للعدالة يقدم لنا مظهرا توزيعي مؤسساتي ولذلك يؤسس العدالة كإنصاف بالنسبة لمجموع الأفراد المتعاقدين بهدف الحدّ من اللامساواة، وهذا الأساس التعاقدي للعدالة يمكّن الأفراد من تشريع القوانين بطريقة ذاتية عوض أن يتقبلوها من الخارج، وهكذا يسهل تطبيق القانون دون الحاجة إلى القوة. وهذا يعني أنّ العدالة كإنصاف عند راولس تتحقق بهذه الشروط وتقوم على مبدأين أساسيين، المبدأ الأوّل هو مبدأ الحرية ويؤمّن لكلّ فرد الحقّ المتساوي في نسق الحريات الأساسية مثل الحق في الانتخاب وحق الحصول على العمل، حرية التعبير، حرية المعتقد... وهذا المبدأ الأوّل يتضمّن كون الفرد الذي يولد بامتيازات له الحق في أن يؤوّج هذه الامتيازات ويكون حرّا في فعل ما يريد لتأويج هذه الامتيازات بشرط ألاّ يمسّ بحرية الآخرين. أما المبدأ الثاني فيقرّ بأنّ اللاتساوي الاجتماعي ليس عيبا في حدّ ذاته، وبالتالي لا يجب أن نسعى إلى القضاء على كلّ لا تساوي اجتماعي لأن بعض اللاتساويات محبذة ومفيدة، مثل اللاتساوي في دفع الضرائب ففي هذه الحالة يجب أن يكون هناك لا تساوي حتى نقلص الفوارق بين الناس، ثمّ إن اللاتساوي يجب أن يوجد عندما يتعلق الأمر بالاستحقاق الشخصي وفي هذا المستوى مثلا يدعم "راولس" الحصول على الوظائف عبر المناظرات المفتوحة. وكلّ هذه القيم الاجتماعية يجب توزيعها بطريقة متساوية إلاّ إذا كان التوزيع اللاعادل خادما لكل الأفراد وهذا يعني أن العدالة حسب "راولس" ليست إلا فرضية، فالعدالة لا تمثل قيمة جوهرية مثلما هو شأن الحرية والمساواة والاحترام، بل ليست إلا تعبيرا عن علاقة توازن بين القيم والمبادئ التي يضعها مجتمع ما كمراجع وبين واقع الممارسات الفردية والجماعية في هذا المجتمع. هذا يعني أن العدالة تمثل أداة قيس نرجع إليها في استعمالات مختلفة لاختلاف القيم والاعتراف بها وهو ما جعل "ميخائيل فالزار" يعتبر أن العدالة متعددة في تطبيقاتها إلى درجة تجعلنا نتحدّث عن "مساواة مركبة" باعتبارها معيارا نحكم به على المجتمعات الخيّرة. ولذلك احتلت مسألة العدالة مكانة مركزية في الفلسفة السياسية، يقول راولس : "إن العدالة هي أوّل فضيلة للمؤسسات الاجتماعية تماما مثلما أنّ الحقيقة هي أوّل فضيلة لأنساق الفكر" وهذا يعني أنه إذا كنا ندحض نظرية ما عندما نتبين خطأها فإنه علينا كذلك أن نراجع بل ونقوض المؤسسات والقوانين غير العادلة.
غير أن هذه التحاليل سواء التي قدمها "أرسطو" أو "راولس" أو غيرهما حول العدالة لا تعطينا تحديدا نهائيا للعدالة، وقد يجدر بنا أن نحدّد العدالة بطريقة سالبة حتى يتوضّح لنا الترابط بين العدالة والعمل، فما اللاعدالة في أفق العمل؟
يمكن أن نجيب كالتالي، إنه من اللاعدل أن لا يعمل الإنسان في حين أنه قادر على العمل، وبالتوازي إنه من اللاعدل أن نطالب المجتمع بحقوق دون أن نعمل، إنه من اللاعدل أيضا أن نسيء معاملة العامل في عمله فنحرمه من الحرية والكرامة، إنه من اللاعدل أن نعمل في ظروف مشينة، إنه من اللاعدل أن نعمل مقابل أجر زهيد... ومن هذا المنطلق السالب يمكن القول أن العادل من وجهة اجتماعية هو ما يمنح لكلّ فرد إمكانية تحقيق مشروع وجوده أي ما يسمح بجعل الفرد شخصا مكتملا وما يؤمّن كرامته الإنسانية، وذلك ما تحيل عليه تحاليل راولس في نهاية المطاف، وهو ما يعني أن العمل يتموضع إلى جانب الحياة فأن نحرم أحدا من العمل هو أن نحكم عليه بالموت، الموت من الفقر أو الموت الرمزي الذي يصيب المستبعدين اجتماعيا. ولكن بأيّ معنى يكون العمل لا فقط شرط للعدالة الاجتماعية بل وأيضا ركيزة أساسية لها، ولنكون أكثر دقة لماذا نقرّ حقّ العمل؟
يجب أن نلاحظ أوّلا أن التشريع لحق العمل ضروري لأن العمل يحتل مكانة هامة في الوجود الفردي والجماعي في العصر الحديث، وأقول في العصر الحديث لأن العمل لم يكن كذلك في كل الأزمنة، ويكفي أن نذكر باللاتطابق بين العمل والمواطنة في العصر القديم الإغريقي كما الروماني لنتبين ذلك ففي الفكر اليوناني يتحدّد المواطنون كأناس أحرار وهو ما لا يتماشى مع وضعية الحرفيين لأن المؤسسة الارستقراطية تقصر الشرف على الأفاضل، ثم إن الديمقراطية المتسامحة تمنعه من الولوج لحقّ العمل لأن المواطنة تمارس في كامل الوقت في حين أنّ الحرفيين خاضعين للضرورة الحياتية حسب "أرسطو" وليس لهم الوقت الضروري لممارسة المواطنة، وهذا يعني أن الإقصاء في النظام الديمقراطي ليس مبدئيا ولكنه مؤسس على حجج غير متماسكة تتعلق بالقدرة العملية للنشاط السياسي، و"سيسيرون" في روما يقدّم حججا من هذا القبيل عندما يقول: "لاشيء شريف يمكن أن يصدر عن حانوت أو ورشة"، في حين أن ممارسة المواطنة هي عمل نبيل واللاتطابق من جهة الفعل عند اليونانيين تحوّل إلى لاتطابق من جهة الحق عند الرومان، وغدا العامل عبدا محتقرا. أما في العصور الوسطى فقد تطوّر وضع العمل نسبيا بتدخل الايدولوجيا الدينية ويمثل القرن 17 اللحظة التاريخية التي تحول فيها العمل كقالب للعدالة تحت تأثير الفكر الليبرالي الناشئ حيث أصبح العمل الأساس العادل للمجتمع سواء في المستوى الاقتصادي أو السياسي.
ففي المستوى الاقتصادي أصبح العمل مبدأ مشرعا للملكية و الثروة بعد أن كانتا في الفكر القديم حقا طبيعيا و إلاهيا. فبالنسبة للمدرسة الليبيرالية مع " جون لوك" John Locke إذا كان الله قد وهبنا الأرض لنتقاسمها فان العمل هو الذي يبرر ملكيتها من قبل من يعمل فيها, يقول "لوك" بعد أن تساءل عن أصل الملكية :«وواضح انه لو لم يجعلها الاقتطاف بادئ ذي بدء ملكا له لما جعلها شيئا آخر»، ففعل الاقتطاف كنشاط إنساني و بالتالي كعمل هو أساس الملكية و الثروة، و منها تكون العدالة إنصافا بما انه لكل إنسان بحسب أحقيته و جدارته. و جون باتيست ساي John-Baptiste Say يدقق بان إبداع النفع أي العمل بما هو خلق إنتاج ما، هو خلق للثروة إذ يقول " قد ازعم بان إبداع أشياء لها نفع ما، هو إبداع ثروات".
وفي المستوى السياسي، فإن نتائج مثل هذه الأطروحات، كانت حاسمة بما أنها ترسم، ولو نظريا، أفق إمكان مساواة على أساس أن العمل كقدرة، يمثل أعدل الأشياء توزيعا بين الناس. كما أنها تطرح عدة إشكاليات و مستجدات تتعلق بالديمقراطية و نظم الانتخاب و تطرح أيضا مخاوف من اللاعدالة من جراء تحول الملكية إلى معبود في المجتمعات الإستهلاكية و ما يرتبط بذلك من تناقضات اجتماعية و استتباعات أخلاقية. وهو ما يجرنا إلى السؤال عن الطريقة الأمثل للملاءمة بين قيمتين متطابقتين نظريا في حين يطرح ارتباطهما في المستوى العملي مشاكل عديدة.
إن الموقف الليبيرالي يبدو مفرطا في التفاؤل. فهذا الموقف ينطلق من مسلمة مفادها أن السوق هو الموجه الراعي للتوافق بين العمل و العدالة. إذ يمثل السوق شكلا من أشكال العدالة الإجرائية الكاملة، و لا يمكن أن تكون إنتاجاته إلا عادلة. و لأنه عادل فإن السوق ينتج العدالة من خلال ميكانزماته الخفية للانتظام الذاتي، ميكانيزمات يسميها آدم سميث بـ«اليد الخفية» التي تمثل فاعلا يحول المصلحة الخاصة بضرب من الارتداد إلى فائدة عامة، ذلك أن العلاقات الاقتصادية تجعل العامل يساهم بعمله في الاشتغال العام للمجتمع، و كل فعل إنتاج مهما كان خاصا ينخرط في منظومة علاقات السوق، ينخرط في علاقات متوسعة شيئا فشيئا، إذ نمر من الورشة إلى المعمل إلى المكتب...إلى الجهة...إلى الوطن...إلى السوق العالمي. و فريديرك حايك Friedrich Hayek يذهب إلى أبعد من ذلك بما أنه يعتبر أن كل تدخل خارجي في السوق سيكون وبالا على العدالة الاجتماعية و يولد نتائج معاكسة، ذلك أن العدالة التي تفرض من الخارج ليست إلا سرابا.
لكن هذا الموقف الذي كان هيوم David Hume قد نقده بالإستناد إلى مسلمته المركزية التي تفترض أن السوق عادل، عندما أعلن أن هذا الإقرار يؤدي إلى اختزال ما يجب أن يكون في ما هو كائن، هذا الموقف يسلم ضمنيا أيضا بكونية السوق. و لكن ما الذي يبرر هذه الكونية؟ هل أن صلاحية قانون العرض و الطلب سواء في شكله الكلاسيكي الذي يقر تناسب العرض مع الطلب أو في شكله الحديث الذي يعتبر العرض مولد للطلب، التي هي مبرهنة في النظام الاقتصادي هي كذلك في الأنظمة الأخرى؟ أليس النظام الاجتماعي هو نظام يقوم على الاتفاق و بالتالي له قوانينه الخاصة التي لا يمكن اختزالها في علاقات السوق؟ أليس الإقرار بكونية السوق مرادف إلى تحويل المجتمع إلى سوق؟ ألا تمثل كونية السوق الوجه الحقيقي للعولمة و النظام الجديد الذي تريد الشركات الكبرى فرضه على كل دول العالم بحيث تكون مصلحتها الخاصة أبينا أم كرهنا مصلحة عامة؟

************************************************** ***************

بنية الجهاز النفسي عند فرويد Freud

سننطلق من تحديد اللاشعور Inconscient عند فرويد للاستخلاص بنيته و أهميته كاكتشاف مكن فرويد من بناء نظرية عامة تفسر الحياة النفسية للإنسان. إذ يتحدد اللاشعور باعتباره المجموع الديناميكي من الميولات و الرغبات و الذكريات المكبوتة التي لا تتمظهر بشكل سافر في الشعور، و لكن تتمظهر في شكل أحلام أو هفوات أفعال أو زلات لسان أو إبداعات ثقافية.
أول ما يجب الانتباه إليه في هذا التحديد هو التأكيد على خاصية الديناميكية التي تعطي للاشعور أهميته النظرية و الإجرائية في فهم نفسية الإنسان. فديناميكية اللاشعور هي التي تمكن فرويد من الإقرار بأن كل محتوى شعوري هو لاشعوري من زاوية ما، أي أن كل الأفعال الواعية تجد أسبابها في مسارات نفسية لاشعورية. ذلك أن المكبوت يظل في حركية مستمرة باحثا عن الإشباع، و الرغبة المكبوتة لا تنتفي من تلقاء نفسها و لا تكف عن التحرك إلا عند إشباعها إما بطريقة مباشرة عبر ممارسة جنسية و إما بطريقة غير مباشرة عبر ميكانيزم الإعلاء الذي يستبدل الهدف الجنسي بآخر ثقافي. هذا يعني أن ما يكبت ليس الرغبة في حد ذاتها و إنما التمثل الذي يكونه الأنا عن الرغبة.
يجب أن ننتبه ثانيا إلى أن الكبت Inhibition هو ميكانيزم حماية نفسية تمكن الأنا Le Moi من تجنب عقاب العالم الخارجي( عقاب الوالدين في مرحلة الطفولة و عقاب المجتمع الذي يتخذ عدة أشكال كالاستبعاد و النبذ و السخرية...) و عقاب الأنا الأعلى Le Surmoi ( يتمظهر في شكل الإحساس بالدونية أو ما يسميه فرويد بعقدة النقص Complexe d'inferiorité، والإحساس بالذنب أي عقدة الذنب Complexe de culpabilité). و إذا كانت الرغبات المكبوتة تبحث دائما على الإشباع الذي تحققه إما بطريقة مباشرة و إما بطريقة غير مباشرة فإن ذلك يؤدي إلى اعتبار الحضارة وليدة الكبت.
و يجب أن ننتبه ثالثا و أخيرا، أن اللاشعور عند فرويد يتكون أساسا من رغبات جنسية مكبوتة، ذلك أن الحياة الجنسية عند الإنسان لا تنطلق عند البلوغ، بل إنها تنطلق منذ الولادة، لذلك يحرس فرويد على تحديد مراحل تطورها في الطفولة. إذ يتحدث فرويد عن ثلاث مراحل طفولية و قبل البلوغ :
1- المرحلة الفمية Phase buccale حيث يكون الفم مصدرا للذة الجنسية.
2- المرحلة الشرجية Phase annale حيث تكون المخارج مصدرا للذة الجنسية.
3- المرحلة القضيبية Phase phallique حيث تكون الأعضاء التناسلية مصدرا للذة الجنسية.
و من هذا المنطلق يقسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مناطق تتكون تلاحقا و تتطور و هي : الهو Le ça و الأنا و الأنا الأعلى. إقرار فرويد بتطور الجهاز النفسي من حيث تكون منظماته و من حيث محتوياتها يؤكد أهمية التاريخ في فهم الإنسان، و التاريخ هنا يأخذ معنى السيرة الذاتية و لكن أيضا معنى التاريخ العام نظرا لما يقره فرويد من انه في لا شعور كل فرد هناك عناصر توجد في كل لاشعور مثل عقدة أوديب، عقدة الخصي...و هي عقد لا ترتبط بالسيرة الذاتية لكل فرد بقدر ما ترتبط بالبنية الحضارية العامة لتنظيم المجتمعات كما تحققت في تاريخ الإنسانية.
و الهو هو أقدم منظمات الجهاز النفسي تكونا، و يتكون مما يحمله الإنسان عند ولادته و كل ما سيحدده تكوينه الخاص. و هذه المنظمة محكومة بمبدأ اللذة لذلك تتصادم مع الواقع و الأنا الأعلى الذي يمثله داخل الفرد. و يحدد فرويد الأنا في «مختصر التحليل النفسي» باعتباره جزءا من الهو يتطور و ينشأ تحت تأثير تجارب الإدراك فتكون مهمته التوفيق بين الهو و العالم الخارجي و الهو و الأنا الأعلى عندما يتكون. ذلك أن الأنا الأعلى هو آخر منظمات الجهاز النفسي تكونا حيث يتمثل الطفل و يستبطن علاقته بالوالدين اللذان يعاقبانه عندما يتجاوز الحدود التي يرسمها الواقع، فالأنا الأعلى يعبر عن الوعي الأخلاقي و الاجتماعي للفرد.
و يقر فرويد بصعوبة المهمة التي يقوم بها الأنا في الجهاز النفسي، و هذه المهمة الصعبة إن لم نقل المستحيلة تتمثل في التوفيق بين متطلبات متناقضة، إذ على الأنا أن يلبي متطلبات الهو و هي رغبات جنسية أساسا و أن يراعي في نفس الوقت متطلبات العالم الخارجي و الأنا الأعلى وهي متطلبات أخلاقية و اجتماعية. لذلك تبدو عملية التوفيق بينها صعبة، و فشل الأنا في خلق توازن بين هذه الرغبات المتناقضة، فشل الأنا في تحقيق الإنسجام بين مختلف القوى الفاعلة فيه و المؤثرات الواقعة عليه يؤدي إلى حالات مرضية عصابية Névrose كالفوبيا و الهستيريا. لذلك يسعى الأنا لأن يقيم في علاقة تفاهم و وفاق مع الهو، و يسعى إلى تلبية رغباته فيصطدم بالواقع الذي ينظم العلاقات الجنسية وفق معايير معينة تؤدي في غالب الأحيان إلى كبت الرغبات الجنسية و صدها بما أن متطلبات المجتمع هي الأقوى نظرا لضعف الفرد أمام المجموعة، فيتوخى الأنا «طريق الرياء الديبلوماسي» و يتظاهر باعتبار الواقع ليشبع رغبات الهو التي تبقى في حركية دائمة نحو البحث عن الإشباع، و بالتالى يشبع الأنا رغبات الهو بتوخي طرق ملتوية تتمظهر في الأحلام و زلات اللسان و هفوات الأفعال و الإبداعات الثقافية.
و يجب أن نلاحظ أن الإشباع المباشر و غير المباشر ضروري حتى يتجاوز الأنا الإحساس بالإحباط Déprission أي الشعور بالحرمان من لذة يعتبرها من حقه، و هذا يعني أن الإشباع ضروري للصحة النفسية، و الغياب الدائم للإشباع المباشر يؤدي إلى ظهور الأعراض العُصابية. و لأن الكبت لا ينال من دينامية الرغبة، إذ أنها تواصل بحثها عن الإشباع بطرق ملتوية، فإنها تستلب في شكل صور تحافظ على الطابع الطفولي للنزعة الجنسية وتعبر عنها صور الأحلام بصفة خاصة. وهذا يعني أن الصورة الاستيهام - Fantasme- هي في منظور فرويد -Freud- رمز علة تصادمية - Cause conflictuelle- قابلت في ماضي بعيد لسيرة فردية الليبيدو (وهو الطاقة الجنسية التي تتولد لحظة الإثارة) و الرقابة (و هي مانع اجتماعي أبوي يمثل السبب الحقيقي الموجب لظهور الأعراض العُصابية)، فالصورة تدل دائما عن صدّ الرقابة لليبيدو في مرحلة الطفولة، و هي تدل إذن عن نكوص عاطفي Régression affective .
*************************************** ************************************


>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================

>>>> الرد الأول :


جزاك الله كل خير اخي الكريم


=========


>>>> الرد الثاني :

thunks a lot

=========


>>>> الرد الثالث :

جزاك الله كل خير اخي


=========


>>>> الرد الرابع :

بارك الله فيك يا أخي

=========


>>>> الرد الخامس :

مشكووووووووووووووووووووووووووووووووووووووور

=========




شكرا جزيلا استاذ

جزاك الله خيرا