عنوان الموضوع : بحث في الادب العربي لجمعية علماء المسلمين للبكلوريا شعبة اداب وفلسفة سارعو لقتنائه سنة 1 ثانوي
مقدم من طرف منتديات العندليب
الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس
(على اليسار) والشيخ الطيب العقبي
(على اليمين)
[عدل] تأسيس
تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يوم 5 مايو1931 في نادي الترقي بالعاصمة الجزائرية
على يد الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس إثر دعوة وجهت إلى كل عالم من علماء الإسلام في الجزائر, من طرف هيئة مؤسسة مؤلفة من أشخاص حياديين ينتمون إلى نادي الترقي غير معروفين بالتطرف، لا يثير ذكرهم حساسية أو شكوكا لدى الحكومة، ولا عند الطرقيين. أعلنوا : أن الجمعية دينية تهذيبية تسعى لخدمة الدين والمجتمع, لا تتدخل في السياسة ولا تشتغل بها. لبّى الدعوة وحضر الاجتماع التأسيسي أكثر من سبعين عالما, من مختلف جهات الجزائر، ومن شتى الاتجاهات الدينية والمذهبية : مالكيين واباضيين مصلحين وطرقيين، موظفين وغير موظفين وانتخبوا مجلسا إداريا للجمعية من أكفأ الرجال علما وعملا, يتكون من ثلاثة عشر عضوا برئاسة الشيخ ابن باديس الذي لم يحضر إلا في اليوم الأخير للاجتماع وباستدعاء خاص مؤكد, فكان انتخابه غيابيا. لم يكن رئيس الجمعية ولا معظم أعضاء مجلسها الإداري من سكان العاصمة, لذلك عينوا لجنة للعمل الدائم ممن يقيمون بالعاصمة, تتألف من خمسة أعضاء برئاسة عمر إسماعيل, تتولى التنسيق بين الأعضاء, وتحفظ الوثائق, وتضبط الميزانية, وتحضر للاجتماعات الدورية للمجلس الإداري. لم يحضر ابن باديس الاجتماع التأسيسي للجمعية من الأول, وكان وراء ذلك هدف يوضحه الشيخ خير الدين أحد المؤسسين الذي حضر الجلسات العامة والخاصة لتأسيس الجمعية, يقول : "كنت أنا والشيخ مبارك الميلي في مكتب ابن باديس بقسنطينة يوم دعا الشيخ أحد المصلحين محمد عبابسة الاخضري وطلب إليه أن يقوم بالدعوة إلى تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في العاصمة وكلفه أن يختار ثلة من جماعة نادي الترقي الذين لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة, أو مخاوف أصحاب الزوايا, وتتولى هذه الجماعة توجيه الدعوة إلى العلماء لتأسيس الجمعية في نادي الترقي بالعاصمة حتى يتم الاجتماع في هدوء وسلام, وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس. ويقول الشيخ خير الدين : "وأسر إلينا ابن باديس أنه سوف لا يلبي دعوة الاجتماع ولا يحضر يومه الأول حتى يقرر المجتمعون استدعاءه ثانية بصفة رسمية, لحضور الاجتماع العام, فيكون بذلك مدعوا لا داعيا, وبذلك يتجنب ما سيكون من ردود فعل السلطة الفرنسية وأصحاب الزوايا, ومن يتحرجون من كل عمل يقوم به ابن باديس". وهكذا تأسست الجمعية, وتشكل مجلسها الإداري المنبثق عن الاجتماع العام
[عدل] نشاط الجمعية
وانطلق نشاط الجمعية في تنفيذ برنامجها الذي كان قد ضبط محاوره الإمام ابن باديس في الاجتماع الذي عقد عام 1928 مع صفوة من العلماء الذين رجعوا من المشرق ومن تونس والذي سبق ذكره, واستجاب الشعب لهذا البرنامج, وبدا يؤسس المساجد وينشئ المدارس والنوادي بأمواله الخاصة, ويستقبل العلماء ويُيَسر لهم الاضطلاع بمهمتهم. وحتى يسهل الإشراف على متابعة العمل الإصلاحي, وتنشيط العمل التربوي, الذي يقدم في المدارس الحرة, التي بدأت تنتشر في أرجاء القطر, كلف الإمام عبد الحميد بن باديس باقتراح من الجمعية
الشيخ الطيب العقبي بأن يتولى الإشراف على العمل الذي يجري في العاصمة وما جاورها,
الشيخ البشير الإبراهيمي بأن يتولى العمل الذي يجري بالجهة الغربية من البلاد, انطلاقا من تلمسان,
وأبقى بقسنطينة وما جاورها تحت إشرافه شخصيا,
-وهكذا تقاسم الثلاثة العمل في القطر كله. وتنفيذا لما تضمنه القانون الأساسي للجمعية تم إحداث فروع لها (شعب) في جهات مختلفة من القطر, ففي السنة الأولى تم تأسيس 22 شعبة, وفي سنة 1936 كان عدد الشعب 33 شعبة, أما في سنة 1938 فقد تطور العدد إلى 58 شعبة, واستمر هذا الجهد التعليمي والإصلاحي رغم العراقيل والاضطهاد الذي كان العلماء والمعلمون عرضة له, ولكن الملاحظة التي يجب تسجيلها هنا هي أن الشعب أقبل على التعليم الحر بكيفية خارقة للعادة, لذلك انتشرت المدارس في جميع مدن الجزائر وقراها. وبعد مضي ست سنوات من عمر الجمعية, بادر الإمام عبد الحميد بن باديس بوضع إطار حرّ وشامل للجمعية وهو أشبه بميثاق أو دستور وضعه لتسير على هديه الجمعية في نشاطها الإصلاحي والتعليمي, فحدد من خلال هذا الإطار ما اسماه "بدعوة جمعية العلماء وأصولها" ونشره في مجلة الشهاب العدد الرابع, المجلد الثالث عشر في جوان 1937 ثم طبع ووزع على العموم.
[عدل] تشكل مجلس الجمعية على النحو التالي
1- الرئيس : عبد الحميد بن باديس.
2- نائب الرئيس : محمد البشير الإبراهيمي.
3- الكاتب العام : محمد الأمين العمودي.
4- نائب الكاتب العام : الطيب العقبي.
5- أمين المال :مبارك الميلي.
6- نائب أمين المال :إبراهيم بيوض.
أعضاء مستشارين: 7- المولود الحافظي. 8- الطيب المهاجي. 9- مولاي بن شريف. 10- السعيد اليجري. 11- حسن الطرابلسي. 12- عبد القادر القاسمي. 13- محمد الفضيل اليراتني. 14-ناجي رابح 15- غراب فاطمة
عدل] نسبه وأسرته
عرفت الأسرة الباديسية منذ القدم بإنجابها للعلماء والأمراء والسلاطين، ويكفي أن نشير إلى أنهم ينتمون إلى ما يقول مؤلفا كتاب أعيان المغاربة المستشرقان Marthe et Edmond Gouvion والمنشور بمطبعة فوناتانا في الجزائر1920م, بأن ابن باديس ينتمي إلى بيت عريق في العلم والسؤدد ينتهي نسبه في سلسلة متّصلة إلى بني باديس الذين جدّهم الأول هو مناد بن مكنس الذي ظهرت علامات شرفه وسيطرته في وسط قبيلته في حدود القرن الرابع الهجري, وأصل هذه القبيلة كما يقول المستشرقان من
ملكانة أو تلكانة وهي فرع من أمجاد القبيلة الصنهاجية "البربرية" المشهورة في الجزائر والمغرب الإسلامي. ومن رجالات هذه الأسرة المشهورين في التاريخ الذين كان الشيخ عبد الحميد بن باديس يفتخر بهم:
المعز لدين الله بن باديس (حكم: 406-454هـ/1016-1062م) الذي قاوم البدعة ونصر السنة وأعلن مذهب أهل السنة والجماعة مذهبًا للدولة، ثم مؤسس الدولة الصنهاجية وابن الأمير باديس بن منصور والى إفريقيا والمغرب الأوسط (حكم: 373-386 هـ/984-996م) سليل الأمير "بلكين بن زيري بن مناد المكنى بأبي الفتوح والملقب بسيف العزيز بالله الذي تولى الإمارة (361-373 هـ/971-984م) إبان حكم الفاطمين.
في العهد العثماني برزت عدة شخصيات من بينها:
قاضي قسنطينة الشهير أبو العباس احميدة بن باديس (توفى سنة 969 هـ/1561م) الذي قال عنه شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون : "هو من بيوتات قسنطينة وأشرافها وممن وصلت إليه الريّاسة والقضاء والإمامة بجامع قصبتها، وخَلَفُ سلف صالحين علماء حازوا قصب السبق في الدراية والمعرفة والولاية، وناهيك بهم من دار صلاح وعلم وعمل".
أبو زكرياء يحيى بن باديس ابن الفقيه القاضي أبي العباس "كان حييا ذا خلق حسن، كثير التواضع، سالم الصدر من نفاق أهل عصره، كثير القراءة لدلائل الخيرات وذا تلاوة لكتاب الله".
أبو الحسن علي بن باديس الذي اشتهر في مجال الأدب الصوفي بقسنطينة إبان القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي وهو صاحب القصيدة السينية التي نظمها في الشيخ "عبد القادر الجيلاني" مطلعها:
ألا سر إلى بغداد فهي مني النفس وحدق لهمت عمن ثوى باطن الرمس
الشيخ المفتي بركات بن باديس دفين مسجد سيدي قمّوش بقسنطينة في الفترة نفسها.
أبو عبد الله محمد بن باديس الذي قال عنه الشيخ الفكون : "كان يقرأ معنا على الشيخ التواتي (محمد التواتي أصله من المغرب، كانت شهرته بقسنطينة، وبها انتشر علمه. كانت له بالنحو دراية ومعرفة حتى لقب بسيبويه زمانه، وله معرفة تامة بعلم القراءات) آخر أمره، وبعد ارتحاله استقل بالقراءة عليّا وهو من موثّقي البلدة وممن يشار إليه".
الشيخ أحمد بن باديس الذي كان إماما بقسنطينة أيام "الشيخ عبد الكريم الفكون" خلال القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي.
من أسلاف عبد الحميد المتأخرىن، جدّه لأبيه: الشيخ المكي بن باديس
الذي كان قاضيا مشهورا بمدينة قسنطينة وعضوا في المجلس العام وفي المجلس البلدي، وقد احتل مقاما محترما لدى السكان بعد المساعدات المالية التي قدمها لهم خاصة أثناء المجاعة التي حلت بالبلاد فيما بين 1862 – 1868م وانتخب إلى الاستشارة في الجزائر العاصمةوباريس، وقد تقلّد وساما من يد نابليون الثالث (كان رئيسا لفرنسا من 1848-1852م ثم إمبراطورا لها من 1852-1870م)، وعمه احميدة بن باديس النائب الشهير عن مدينة قسنطينة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي الذي اشترك مع ثلاثة من زملائه النواب في عام 1891م في كتابة عارضة دوّن فيها أنواع المظالم والاضطهادات التي أصبح يعانيها الشعب الجزائري في أواخر
القرن التاسع عشر الميلادي من الإدارة الاستعمارية ومن المستوطنين الأوروبيين الذين استحوذوا على الأراضي الخصبة سلبا من الجزائريين وتركوهم للفقر والجوع، وقاموا بتقديمها إلى أحد أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي الذي حضر إلى الجزائر من أجل البحث وتقصي الأحوال فيها كي يقدمها بدوره إلى الحكومة الفرنسية وأعضاء البرلمان الفرنسي في باريس وذلك بتاريخ 10 أفريل سنة 1891 أي بعد ولادة عبد الحميد بن باديس بحوالي ثلاثة سنوات فقط.
[عدل] مولده ونشأته
هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحّول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي. ولد بمدينة قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، يوم الأربعاء 11 ربيع الثاني1307 هـ الموافق لـ 4 ديسمبر1889م
على الساعة الرابعة بعد الظهر، وسجل يوم الخميس 12 ربيع الثاني1307هـ الموافق لـ 5 ديسمبر1889م في سجلات الحالة المدنية.
كان عبد الحميد الابن الأكبر لوالديه، فأمه هي: السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلّول من أسرة مشهور بقسنطينة لمدة أربعة قرون على الأقل، وعائلة "ابن جلّول من قبيلة "بني معاف" المشهورة في جبال الأوراس، انتقل أحد أفرادها إلى قسنطينة في عهد الأتراك العثمانيين
وهناك تزوج أميرة تركية هي جدة الأسرة (ابن جلول). ولنسب هذه الإمرأة العريق، تزوجها محمد بن مصطفى بن باديس (متوفى 1951)والد عبد الحميد. وكان والده مندوبا ماليا وعضوا في المجلس الأعلى "وباش آغا" لشرفي الجزائر، ومستشارا بلديا بمدينة قسنطينة ووشحت فرنسا صدره بوسام الشرف قالب:فرنسي، وقد احتل مكانة مرموقة بين جماعة الأشراف وكان من ذوي الفضل والخلق الحميد ومن حفظة القرآن، ويعود إليه الفضل في إنقاذ سكان منطقة واد الزناتي من الإبادة الجماعية سنة 1945 على إثر حوادث 8 ماي المشهورة، وقد اشتغل بالإضافة إلى ذلك بالفلاحة والتجارة، وأثرى فيهما.
وكان والده بارًا به يحبه ويتوسم فيه النباهة، فقد سهر على تربيته وتوجيهه التوجيه الذي يتلاءم مع فطرته ومع تطلعات عائلته. وعبد الحميد بن باديس نفسه يعترف بفضل والده عليه منذ أن بصر النور وفقد قال ذلك في حفل ختم تفسير القرآن سنة 1938 م، أمام حشد كبير من المدعوين ثم نشره في مجلة الشهاب : إن الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربية صالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها ومشرباً أرده، وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة... فالأشكرنه بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر.».
أما اخوته الستة فهم: الزبير المدعو المولود والعربي وسليم وعبد الملك ومحمود وعبد الحق، وأما أختاه فهما نفيسة والبتول. كان أخوه الزبير محاميا وناشرا صحفيا في الصحيفة الناطقة بالفرنسية "صدى الأهالي" L'Echo Indigène ما بين 1933م – 1934م. كما تتلمذ الأستاذ عبد الحق على يد أخيه الشيخ عبد الحميد بالجامع الأخضر وحصل على الشهادة الأهلية في شهر جوان سنة 1940م على يد الشيخ مبارك الميلي بعد وفاة الشيخ بن باديس بحوالي شهرين.
[عدل] طلبه للعلمآثار ابن باديس
شخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها؛ فهو مجدد ومصلح يدعو إلى نهضة المسلمين ويعلم كيف تكون النهضة. يقول:
«'إنما ينهض المسلمون بمقتضيات إيمانهم بالله ورسوله إذا كانت لهم قوّة، وإذا كانت لهم جماعة منظّمة تفكّر وتدبّر وتتشاور وتتآثر، وتنهض لجلب المصلحة ولدفع المضرّة، متساندة في العمل عن فكر وعزيمة. '»
الشّيخ عبد الحميد ابن باديس (يسارا) والشّيخ الطيّب العقبي (يمينا)
وهو عالم مفسّر، فسّر القرآن الكريم كلّه خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية كما شرح موطأ مالك
خلال هذه الفترة، وهو سياسي يكتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وخاصة في الجزائر ويهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية ويشرح أصول السياسة الإسلامية، وقبل كل هذا هو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، بل كانت من أهم أعماله، وهو الذي يتولى تسيير شؤون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ويسهر على إدارة مجلة الشهاب ويتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة. إن آثار ابن باديس آثار عملية قبل أن تكون نظرية في كتاب أو مؤلَّف، والأجيال التي رباها كانت وقود معركة تحرير الجزائر، وقليل من المصلحين في العصر الحديث من أتيحت لهم فرص التطبيق العملي لمبادئهم كما أتيحت لابن باديس ؛ فرشيد رضا كان يحلم بمدرسة للدعاة، ولكن حلمه لم يتحقق، ونظرية ابن باديس في التربية أنها لا بد أن تبدأ من الفرد، فإصلاح الفرد هو الأساس.
و طريقته في التربية هي توعية هذا النشء بالفكرة الصحيحة كما ذكر الشّيخ الإبراهيمي عن اتفاقهما في المدينة: "كانت الطريقة التي اتفقنا عليها سنة 1913 في تربية النشء هي ألا نتوسع له في العلم وإنما نربيه على فكرة صحيحة"
ينتقد ابن باديس مناهج التعليم التي كانت سائدة حين تلقيه العلم والتي كانت تهتم بالفروع والألفاظ - فيقول: "و اقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية، مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني الأعمار قبل الوصول إليها" المصدر السابق ص141. أما إنتاجه العلمي فهو ما جمع بعد من مقالاته في "الشهاب" وغيرها ومن دروسه في التّفسير والحديث لم يصلنا كل ما كتبه أو كل ما ألقاه من دروس في التّفسير والحديث. وقد جُمع ما نشر في (الشهاب) من افتتاحيات تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير" بإشراف محمد الصالح رمضان، وتوفيق شاهين. وحاول الدّكتور عمار الطالبي جمع آثاره كلها، ولكن لا يزال هناك أشياء لم تُجمع.الكاتب تاهمي محمد
[عدل] الوسط الثقافي والفكري والدينية الذي تربى فيه ابن باديس
أولاً: الحالة الثقافية والفكرية في الجزائر قبل الاحتلال :
إن انتشار المدارس والمعاهد والزوايا في مختلف نواحي الجزائر خلال تلك الفترة، دليل على أن الحياة الفكرية والثقافية كانت مزدهرة بها.
وقد اشتهرت مدن قسنطينة والجزائر وتلمسان وبلاد ميزاب في الجنوب بكثرة المراكز التعليمية، وكان يقوم عليها أساتذة وعلماء مشهود لهم بعلو المكانة ورسوخ القدم في العلم والمعرفة، مثل الشيخ (الثميني) في الجنوب، والشيخ (الداوودي) في تلسمان، والشيخ (ابن الحفّاف) بالعاصمة، والشيخ (ابن الطبّال) بقسنطينة، والشيخ (محمد القشطولي) في بلاد القبائل، وغيرهم كثير ممن تفرّغوا للتدريس ونشر العلم.
وكان من نتائج هذا الانتشار الواسع لمراكز التربية والتعليم، أن أصبحت نسبة المتعلمين في الجزائر تفوق نسبة المتعلمين في فرنسا، (فقد كتب الجنرال فالز سنة 1834م بأن كل العرب (الجزائريين) تقريبًا يعرفون القراءة والكتابة، حيث إن هناك مدرستين في كل قرية... أما الأستاذ ديميري، الذي درس طويلاً الحياة الجزائرية في القرن التاسع عشر، فقد أشار إلى أنه قد كان في قسنطينة وحدها قبل الاحتلال خمسة وثلاثون مسجدًا تستعمل كمراكز للتعليم، كما أن هناك سبع مدارس ابتدائية وثانوية يحضرها بين ستمائة وتسعمائة طالب، ويدرّس فيها أساتذة محترمون لهم أجور عالية).
وقد أحصيت المدارس في الجزائر سنة 1830م، بأكثر من ألفي مدرسة ما بين ابتدائية وثانوية وعالية.
وكتب الرحالة الألماني (فيلهلم شيمبرا) حين زار الجزائر في شهر ديسمبر 1831م، يقول: (لقد بحثتُ قصدًا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب).. وخير المثال ما شهد به الأعداء. وقد برز في هذه الفترة علماء في كثير من العلوم النقلية والعقلية، زخرت بمؤلفاتهم المكتبات العامة والخاصة في الجزائر، غير أن يد الاستعمار الغاشم عبثت بها سلبًا وحرقًا، في همجية لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً. يقول أحد الغربيين واصفًا ذلك: (إن الفرنسيين عندما فتحوا مدينة قسنطينة في شمالي أفريقيا، أحرقوا كل الكتب والمخطوطات التي وقعت في أيديهم، كأنهم من صميم الهمج).
يظهر مما ذكرنا أنه كان للجزائر مكانها المرموق بين أقطار المغرب في خدمة علوم العربية والإسلام، كما قدّمت للميدان أعلامًا من رجالها، حملوا الأمانة، وكانت تُشدُّ إليهم الرحال في طلب العلم.
ثانيًا : الحالة الثقافية والفكرية والدينية أثناء الاحتلال :
يمكن تقسيم الفترة الممتدة من دخول الاستعمار إلى ظهور دعوة الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى مرحلتين:
[عدل] المرحلة الأولى (1830-1900م)
لم تقتصر اعتداءات الاحتلال الفرنسي للجزائر على الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية فحسب، بل عمد إلى تدمير معالم الثقافة والفكر فيها، وقد ظهر حقده الصليبي في إصراره على تحطيم مقومات الأمة، وفي مقدمتها الدين الإسلامي واللغة العربية، معتمدًا في ذلك على ما يلي :
1 - مصادرة الأوقاف الإسلامية:
كان التعليم في الجزائر يعتمد اعتمادًا كبيرًا على مردود الأوقاف الإسلامية في تأدية رسالته، وكانت هذه الأملاك قد وقفها أصحابها للخدمات الخيرية، وخاصة المشاريع التربوية كالمدارس والمساجد والزوايا. وكان الاستعمار يدرك بأن التعليم ليس أداة تجديد خُلقي فحسب، بل هو أداة سلطة وسلطان ووسيلة نفوذ وسيطرة، وأنه لا بقاء له إلا بالسيطرة علىه، فوضع يده على الأوقاف، قاطعًا بذلك شرايين الحياة الثقافية. جاء في تقرير اللجنة الاستطلاعية التي بعث بها ملك فرنسا إلى الجزائر يوم 7/7/1833م ما يلي: (ضممنا إلى أملاك الدولة سائر العقارات التي كانت من أملاك الأوقاف، واستولينا على أملاك طبقة من السكان، كنا تعهدنا برعايتها وحمايتها... لقد انتهكنا حرمات المعاهد الدينيــة ونبشنــا القبــور، واقتحمنــا المنـازل التي لهـا حُرْمَتهـا عنـد المسلمين...).
2- التضييق على التعليم العربي :
أدرك المستعمر منذ وطئت أقدامه أرض الجزائر، خطورة الرسالة التي تؤديها المساجد والكتاتيب والزوايا، في المحافظة على شخصية الأمة. فلم تكن هذه المراكز قاصرة على أداء الشعائر التعبدية فحسب، بل كانت أيضًا محاضر للتربية والتعليم وإعداد الرجال الصالحين المصلحين، لذلك صبّت فرنسا غضبها عليها بشدة، فعمدت إلى إخماد جذوة العلوم والمعارف تحت أنقاض المساجد والكتاتيب والزوايا، التي دُمّرت فلم تبق منها سوى جمرات ضئيلة في بعض الكتاتيب، دفعتها العقيدة الدينية، فحافظت على لغة القرآن ومبادئ الدين الحنيف في تعليم بسيط وأساليب بدائية. فقد حطم الفرنسيون في 18/12/1832م جامع كتشاوه، وحوّلوه بعد تشويه شكله وتغيير وضعيته إلى كاتدرائية، أُطلق عليها اسم القديس فيليب (بالفرنسية: Cathedrale Saint Philipe)، والشيء نفسه وقع لمسجد حسن باي بقسنطينة غداة سقوطها بأيديهم(2) سنة 1837م.. هكذا اختفت كثير من الكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم الإسلامي، التي كانت مزدهرة قبل الاحتلال الفرنسي. كما طالت يد الحقد الصليبي المكتبات العامة والخاصة، حيث أحــرق جنــود الجنــرال دوق دومـال Dauk Daumale مكتبــة الأميــر عبد القادر الجزائري بمدينة تاقدامت في ربيع الثاني 1259هـ، 10 مايو 1843م، وكان فيها من نوادر المخطوطات ونفائس المؤلفات ما لا يقدر بثمن، ونفس المصير واجهته معظم المكتبات الأخرى. إن هذه الحرب الشعواء التي شنها الاستعمار على الدين الإسلامي واللغة العربية، جعلت التعليم في الجزائر يصل إلى أدنى مستوى له، فحتى سنة 1901 -أي بعد حوالي 70 سنة من الاحتلال- كانت نسبة المتعلمين من الأهالي لا تتعدى 3.8%، فكادت الجزائر أن تتجه نحو الفرنسة والتغريب أكثر من اتجاهها نحو العروبة والإسلام. وقد تأثرت الحياة الفكرية والدينية في هذه الفترة ببعض العوامل الأخرى، نذكر منها ما يلي :
أ- الطرق الصوفية : من الإنصاف أن نذكر هنا الدور الإيجابي الذي قامت به بعض الطرق الصوفية منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر، فقد ساهمت بعض زواياها في نشر الثقافة العربية الإسلامية، كما قام كثير من رجالاتها بالتصدي للاستعمار والاستبسال في محاربته. فقد كان الأمير عبد القادر الجزائري راسخ القدم في التصوف، وكان الشيخ الحداد -أحد قادة ثورة القبائل الكبرى عام 1871م- قد انتهت إليه مشيخة الطريقة الرحمانية في وقته، إلا أن كثيرًا من الطرق قد انحرفت في ما بعد عن الخط العام الذي رسمه مؤسسوها الأوائل، فكثرت عندها البدع والضلالات والخرافات، وتقديس القبور والطواف حولها، والنذر لها، والذبح عندها، وغير ذلك من أعمال الجاهلية الأولى. كما أنه كانت لبعض رجالاتها مواقف متخاذلة تجاه الاستعمار، حيث سيطرت هذه الطرق على عقول أتباعها ومريديها، ونشرت بينهم التواكل والكسل، وثبّطت هممهم في الاستعداد للكفاح من أجل طرد المحتل الغاصب، بدعوى أن وجود الاحتلال في الجزائر هو من باب القضاء والقدر، الذي ينبغي التسليم به، والصبر عليه، وأن طاعته هي طاعة لولي الأمر. بهذه الروح المتخاذلة والتفكير المنحرف، كانت بعض الطرق سببًا في إطالة ليل الاستعمار المظلم في البلاد من جهة، وتفرق صفوف الأمة وضلالها في الدين والدنيا من جهة أخرى. ب- انتشار الجهل والأمية : لقد أدّت الثورات المتتالية التي خاضها الشعب ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، إلى فقدان الأمة لزهرة علمائها في ميدان الجهاد. كما أن كثيرًا من المستنيرين من حملة الثقافة العربية الإسلامية هاجروا إلى المشرق العربي، وإلى البلاد الإسلامية الأخرى، يتحيّنون الفرص للرجوع إلى الوطن وتطهيره من سيطرة الفرنسيين، كل ذلك ساهم في انتشار الجهل وتفشي الأمية بين أفراد الأمة، مما أثّر سلبًا على الحياة الفكرية في تلك الفترة. ج- المدارس البديلة التي أنشأها الاستعمار : لم تفتح هذه المدارس في حقيقة الأمر من أجل تعليم أبناء الجزائر، ورفع مستواهم الثقافي، بل كان الاستعمار يقصد من وراء ذلك عدة أمور، منها :
- تجريد الشعب الجزائري من شخصيته العربية الإسلامية، ومحاولة إدماجه وصهره في البوتقة الفرنسية بإعطائه تعليمًا هزيلاً يجعله أسهل انقيادًا لسياسته.
- قتل الروح الوطنية التي أدت إلى اشتعال الثورات المتوالية، وجعل الشعب أكثر خضوعًا للاحتلال.
- إيجاد قلة متعلمة للاستفادة منها في بعض الوظائف التي تخدم الاحتلال.
فقد أنشأت فرنسا لهذا الغرض عدة مدارس ابتدائية، منها المدارس (الفرنسوية الإسلامية Franco-Musulmane، في الجزائر العاصمة وبعض المدن الأخرى ابتداءً من سنة 1836م. ولم تكن هناك مدارس للتعليم الثانوي والعالي إلا بحلول القرن العشرين، حيث فتحت المدرسة الثعالبية في عهد الحاكم الفرنسي (جونار) سنة 1904م، رغم أن مرسوم إنشائها صدر منذ سنة 1850م. د- هجر الأهالي للمدارس الفرنسية : كان الأهالي يتخوّفون كثيرًا من التعليم الرسمي المقصور على تعلّم اللغة الفرنسية وحضارتها، إذ رؤوا فيه وسيلة خطيرة لفرنسة أبنائهم، فكان الإقبال على هذه المدارس ضئيلاً جدًا.. ومع عدم وجود المدارس الحرّة الكفيلة باحتضان أبناء المسلمين، فإن نسبة الأمية ارتفعت إلى درجة مذهلة، كما مر بنا آنفًا. كل هذه العوامل ساهمت بطريقة أو بأخرى في انتشار الجهل والأمية بين أفراد الشعب، مما جعل الحالة الثقافية والفكرية والدينية في تلك الفترة تبعث على الحزن والأسى.
[عدل] المرحلة الثانية (1900-1914م)
الأمة الجزائرية هي قطعة من المجموعة الإسلامية العظمى من جهة الدين، وهي ثلة من المجموعة العربية، من حيث اللغة التي هي لسان ذلك الدين. فالأمة الإسلامية بهذا الدين وهذا اللسان وحدة متماسكة الأجزاء، يأبى الله لها أن تتفرق وإن كثرت فيها دواعي الفرقة، ويأبى لها دينها، وهو دين التوحيد، إلا أن تكون موحدة. فعلى الرغم من الحصار الذي فرضته فرنسا على الجزائر لعزلها عن بقية الأقطار الإسلامية، خاصة تلك التي لم تُبْتَل بما ابتليت به من محاولة طمس دينها ولغتها، فإنه مع إطلالة القرن العشرين بدأت الجزائر تعيش حركة فكرية شبه متواصلة مع الأقطار الإسلامية الأخرى، سواء عن طريق الطلبة الذين ابتعثوا للدراسة في جامعة الزيتونة والأزهر والجامعات الإسلامية الأخرى، أو عن طريق الدعوات الإصلاحية التي قامت في البلاد الإسلامية، مثل دعوة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.
وهناك عوامل أخرى ساعدت على قيام هذه الحركة الفكرية، كتلك البوادر الإصلاحية الفردية التي قام بها في الجزائر بعض العلماء المتفاعلين مع حركة الإصلاح الإسلامي.. ولعل مما ساعد على قيام هذه النهضة أيضًا، تولي المسيو (شارل جونار) الولاية العامة في الجزائر.
وهنا نلقي بعض الضوء على جانب من تلك العوامل التي ساهمت في ظهور وانتعاش النهضة الفكرية في الجزائر:
1- عودة الطلبة الذين درسوا في الخارج:
وأقصد بهم الطلبة الذين درسوا في جامعة الزيتونة، وجامعة القرويين، والأزهر، وفي الحجاز والشام. ساهم هؤلاء المثقفون بعد عودتهم إلى الوطن بجهود عظيمة في النهوض بالحياة الفكرية والدينية، بما أثاروا من همم وأحيوا من حمية، وبنوا من مدارس في مختلف أنحاء الوطن، وبما أصدروا من صحف، معتمدين في ذلك على القرآن والسنة، فأصلحوا العقائد، وصححوا المفاهيم، ونقّوا الأفكار من رواسب البدع والخرافات التي علقت بها، وأحيوا الشعلة التي أخمدها الاستعمار في نفوس الأمة. ويوم اسوداد المآزم وتلاحم الخطوب، أعادوا ذكرى أسلافهم في الصبر والصمود. ومن هؤلاء الرواد الذين ساهموا في إثراء هذه النهضة الفكرية الإسلامية بالجزائر نذكر:
- الشيخ عبد القادر المجاوي [1848-1913م]: تخرج الشيخ المجاوي من جامعة القرويين بمدينة فاس
محمد البشير الإبراهيمي (1889-1965 م) من أعلام الفكر والأدب في العالم العربي ومن العلماء العاملين في الجزائر.
رفيق النضال لعبد الحميد ابن باديس في قيادة الحركة الإصلاحية الجزائرية، ونائبه ثم خليفته في رئاسة جمعية العلماء، ومجاهد باللسان والقلم لتحرير الشعوب من الاستعمار، وتحرير العقول من الجهل والخرافات.
محتويات
[عدل] مولده
ولد في 14 جوان عام 1889م في قرية (أولاد إبراهيم) برأس الوادي قرب ولاية (برج بوعريريج). تلقى تعليمه الأوَّل على والده وعمه ؛ فحفظ القرآن ودرس بعض المتون في الفقهواللغة.;
[عدل] مشواره العلمي والأدبي
غـادر الجزائر عام 1911 ملتحقاً بوالده الذي كان قد سبقه إلى الحجاز، وتابع تعليمه في
المدينة، وتعرف على الشيخ ابن باديس عندما زار المدينة عام 1913، غادر الحجاز عام 1916 قــاصــداً دمشق، حيث اشتغل بالتدريس، وشارك في تأسيس المجمع العلمي الذي كان من غاياته تــعـريب الإدارات الـحـكـومــيــة، وهناك التقى بعلماء دمشق وأدبائها، ويـتـذكــرهـم بعد ثلاثين سنة من عودته إلى الجزائر فيكتب في (البصائر) العدد 64 عام 1949: "ولقد أقمت بين أولئك الصحب الكرام أربع سنين إلا قليلاً، فأشهد صادقاً أنها هي الواحة الـخـضـراء في حياتي المجدبة، وأنها هي الجزء العامر في عمري الغامر، ولا أكذب الله، فأنا قــريـر العين بأعمالي العلمية بهذا الوطن (الجزائر) ولكن... مَن لي فيه بصدر رحب، وصحب كـأولــئك الصحب ؛ ويا رعى الله عهد دمشق الفيحاء وجادتها الهوامع وسقت، وأفرغت فيها مـا وسقت، فكم كانت لنا فيها من مجالس نتناقل فيها الأدب، ونتجاذب أطراف الأحاديث العلمية...".
في عام 1920 غادر الإبراهيمي دمشق إلى الجزائر، وبدأ بدعوته إلى الإصلاح ونشر العلم في مدينة (سطيف)، حيث دعا إلى إقامة مسجد حر (غير تابع للإدارة الحكومية) وفي عام 1924 زاره ابن باديس وعرض عليه فــكــرة إقامة جمعية العلماء، وبعد تأسيس الجمعية اُختِير الإبراهيمي نائباً لرئيسها، وانــتــدب من قِـبـل الجمعية لأصعب مهمة وهي نشر الإصلاح في غرب الجزائر وفى مدينة وهران وهي المعقل الحصين للصوفية الطرقيين، فبادر إلى ذلك وبدأ ببناء المدارس الحرة، وكان يحاضر في كل مكان يصل إليه، وهــو الأديب البارع والمتكلم المفوَّه، وامتد نشاطه إلى تلمسان وهي واحة الثقافة العربية في غرب الجزائر وقـامــت قيامة الفئات المعادية من السياسيين والصوفيين وقدموا العرائض للوالي الفرنسي؛ يلتمسون فـيـها إبعاد الشيخ الإبراهيمي، ولكن الشيخ استمر في نشاطه، وبرزت المدارس العربية في وهران.
وفي عام 1939 كتب مقالاً في جريدة (الإصلاح) ؛ فنفته فرنسا إلى بلدة (أفلو) الصحراوية، وبعد وفاة ابن باديس انتخب رئيساً لجمعية العلماء وهو لا يزال في المنفى ولم يُفرج عنه إلا عام 1943، ثم اعتقل مرة ثانية عام 1945 وأفرج عنه بعد سنة. وفى عام 1947 عادت مجلة (البصائر) للصدور، وكانت مقالات الإبراهيمي فيها في الذروة العليا من البلاغة ومن الصراحة والنقد القاسي لفرنسا وعملاء فرنسا. يقول عن زعماء الأحزاب السياسية:
"ومن خصومها (أي الجمعية) رجال الأحزاب السياسية من قومنا من أفراد وأحزاب يضادّونها كلما جروا مع الأهواء فلم توافقهم، وكلما أرادوا احتكار الزعامة في الأمة فلم تسمح لهم، وكلما طالبوا تأييد الجمعية لهم في الصغائر - كالانتخابات - فلم تستجب لهم، وكلما أرادوا تضليل الأمة وابتزاز أموالها فعارضتهم" (1).
ودافع في (البصائر) عن اللغة العربية دفاعاً حاراً: "اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة، ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها وأنصارها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي مشتدة الأواصر مع الحاضر، طويلة الأفنان في المستقبل" (2).
واهتمت (البصائر) بالدفاع عن قضية فلسطين ؛ فكتب فيها الإبراهيمي مقالات رائعة. عاش الإبراهيمى حتى استقلت الجزائر، وأمّ المصلين في مسجد (كتشاوة) الذي كان قد حُوّل إلى كنيسة، ولكنه لم يكن راضياً عن الاتجاه الذي بدأت تتجه إليه الدولة بعد الاستقلال ؛ فأصدر عام 1964 بياناً ذكر فيه: "إن الأسس النظرية التي يقيمون عليها أعمالهم يجب أن تنبعث من صميم جذورنا العربية الإسلامية لا من مذاهب أجنبية"
[عدل] وفاته
تُوفي - - يوم الخميس في العشرين من أيار (مايو) عام 1965. بعد أن عاش حياة كلها كفاح لإعادة المسلمين إلى دينهم القويم ؛ فجزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.
كان له نشاط كبير في الدعوة إلى الله حيث كان يتردد على الأماكن العامة كالمقاهي والنوادي الليلية للدعوة إلى الله، وقد هدى الله على يديه خلق كثير، عرف الشيخ بالجرأة على قول الحق ولا يخاف في ذلك لومة لائم، بالإضافة إلى نشاطه في مجال الصحافة كان قلمه سيالا بكثرة مقالاته في جريدة الشهاب والبصائر التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
[عدل] ترجمة داتية
هذه الترجمة كان قد كتبها بنفسه ونشرت في الجزء الأول من كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" لمؤلفه الأديب الجزائري الكبير الأستاذ
محمد الهادي السنوسي الزاهري. يقول الطيب العقبي:
ولدت ببلدة سيدي عقبةالجزائر ليلة النصف من شهر شوال سنة 1307هـ، حسب ما استفدته من مجموع القرائن الدالة على تعيين هذا العام، ويحتمل أن تكون ولادتي بعد ذلك التاريخ بنحو العام لأني لم أجد قيدا صحيحا لسنة ولادتي. والدي هو "محمد بن إبراهيم بن الحاج صالح" وإلى هذا ينسب اليوم كل فرد منا وبه تعرف عائلتنا، فيقال لكل منا "ابن الحاج صالح"، وعائلتنا من أوسط سكان البلدة، فلا هي أعلاها ولا هي أدناها. أصل أول من سكن بلدة سيدي عقبة من جدودنا من أولاد عبد الرحمن بجبل "أحمر خدو" بالجهة التي تسمى منه باسم "كباش".
يتصل نسبنا على التحقيق بالرجل الشهير عند أهل تلك الجهة المعروف لديهم بالولاية والصلاح حتى أنهم يحجون قبره وقبته المقامة عليه، ويقال عنه أنه شريف النسب أيضا، والذي يلفظون اسمه هكذا ( سيدي مَحمد بن عِبد الله) بفتح ميم محمد وكسر عين عبد الله، فنحن إذا عبدريون ـ بالراء ـ وعبدليون ـ باللام ـ نسبة إلى عبد الرحمن وعبد الله. جدنا الأول المنتقل من تلك الجهة إلى سيدي عقبة يوم تأسيس البلدة أو بعده عقبي بسكناه بها، ثم نحن من بعده إلى هذا اليوم عقبيون. أما والدتي فمن بلدة ليانة بالزاب الشرقي من عائلة "آل خليفة" الشهيرة بلقب "ابن خليفة".
ودعنا من تعداد الآباء والأجداد والمفاخرة بالألقاب والأنساب، لأن ذلك ليس بمذهب لي، فإني في جملة البشر أحسب، وإلى جدنا الأكبر وأبينا آدم أنسب، وإني في هذا المذهب أوافق صديقي معروف الرصافي حيث يقول:
قالوا ابن من أنت يا هذا؟ فقلت لهم ** إني امرؤ جده الأعلى أبو البشر
قالوا فهل نال مجدا؟ قلت: واعجبي ** أتسألوني بمجد ليس في ثمري
ولله در الحريري السابق في هذا الميدان بقوله":
وما الفخر بالعظيم الرميم وإنما ** فخار الذي يبغي الفخار بنفسه
وخير من هذا كله قول الله عز وجل :" يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" وأرى من تمام الترجمة أن أقول لكم: " إن مذهبي في الوطن هو مذهب القائل:
من كان مثلي فالدنيا له وطن ** وكل قومغدا فيهم عشائره"1"
انتقالنا للحجاز
انتقلت عائلتنا مهاجرة من بلدة سيدي عقبة إلى الحجاز بقضها وقضيضها أنثاها وذكرها، صغيرها وكبيرها، سنة 1313هـ قاصدة مكة المكرمة لحج الكعبة المشرفة في تلك السنة، فكنت في أفرادها الصغار لم ابلغ من التمييز الصحيح، ولولا رجوعي إلى هذه البلاد مؤخرا ما كنت لأعرف شيئا فيها.
استقرار عائلتنا بالمدينة
سكنت عتائلتنا أول سنة 1314 ـ بعد الحج ـ المدينة المنورة حيث كان استقرارها بها وبها قبر أبوي وعمي وعم والدي وأختي، وجل من هاجر من أفراد عائلتنا كلهم دفنوا هنالك ببقيع الغرقد رحمة الله عليهم.
أما والدي فكانت وفاته ليلة الخامس من شهر شعبان1320هـ وانا عند رأسه أجس نبض آخر عرق كان يتحرك فوق صدغه، وكان قبل موته بنحو السنة والنصف مات شقيقه الوحيد ـ عمي ـ أثناء وجود والدي بهذه الديار التي رجع إليها إذ ذاك متفقدا حال أملاكهم التي تركوها هنا، وقد أتاح الله للأخوين الشقيقين ـ أبي وعمي ـ أن يدفنا في قبر واحد ويضمهما معا ذلك الجدث كما خرجا من بطن أم واحدة، وكان مأواهما في الثرى عند قبر الإمام مالك ـ ـ وبإزاء قبر سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كفالتي وتربيتي
بعد وفاة والدي بقيت مع شقيقي وشقيقتي واختي للأب تحت كفالة والدتي وقد "أدبني ربي فأحسن تاديبي"، وتربيت في حجر أمي يتيما غريبا لا يحوطني ولا يكفلني غير امرأة ليست بعالمة ولا صاحبة إدراك ورأي سديد، بل هي كنساء أهل هذه البلاد ولولا فضل الله علي وعنايته بي صغيرا يتيما لما كنت هديت سواء السبيل "فالحمد لله الذسي هدانا لهذا وما كنا لنهتي لولا أن هدانا الله"
تعلمي وقراءتي القرآن
قرأت القرآن على أساتذة مصريين برواية حفص ثم شرعت على عهد والدتي بقراءة العلم بالحرم النبوي لا يشغلني عنه شاغل ولا يصدني عنه شيء، حيث كان أخي الأصغر مني سنا هو الذي تكلفه والدتي بقضاء ما يلزم من الضروريات المنزلية وقد ادركت سر الانقطاع لطلب العم وفهمت جيدا قول الإمام الشافعي: "لو كلفت بصلة، ما تعلمت مسألة".
بعد أن أصبحت أنا القائم بشؤوني والمتولي أمر عائلتي ونفسي، أخذت إذ ذاك من العلم بقسط شعرت معه بواجباتي الدينية والدنيوية، وما كدت أدرك معنى الحياة وأتناول الكتابة في الصحف السيارة وأنظم الشعر واتمكن من فهم فن الأدب ـ الذي هو سمير طبعي، وضمير جمعي ـ حتى فاجأتنا حوادث الدهر، ونوائب الحدثان، وجلها كان على إثر الحرب العالمية التي شتتت الشمل وفرقت الجمع، فسحقا لها سحقا، وبعدا لما أبقته من آثارها السيئة بعدا.
1":يقول الشيخ العقبي في الهامش:"
وقريب من هذا المعنى في بيتين نظمتهما في سنة 1920م أذكرهما هنا وإن كان مذهبي اليوم غير مذهبي بالأمس، ألزم وطني مهما استطعت ذلك ووجدت إلى ذلك سبيلا، وهذان هما البيتان:
*إذا ما صح أن الترب اصلي ** وأن الناس من هذا الراب
*فكل مطارح طرحتني أرضي ** وكل القاطنين من الصحاب
"كيف أبعدت عن المدينة"؟:
تناولت الكتابة في الصحف الشرقية قبل الحرب العمومية أمدا غير طويل فعدني بعض رجال تركيا الفتاة من جملة السياسيين، وأخرجوني في جملة أنصار النهضة العربية مبعدا من المدينة المنورة على إثر قيام " الشريف حسين بن علي" في وجوههم بعد الحرب إلى المنفى في أرضهم " الروم ايلي" أولا فالأناضول ثانيا، وهناك بقيت أكثر من سنتين مبعدا في جملة الرفاق عن أرض الحجاز وكل بلاد العرب، ثم انتهت الحرب الكبرى بعد الهدنة يوم 11 نوفمبر 1918م، ونحن إذ ذاك مع عائلتنا التي التحقت بنا بعد خراب المدينة في بلدة " ازمير" ومنها كان رجوعنا معشر أهالي المدينة المنورة إلى الحجاز، وما وصلت أنا إلى مكة المكرمة حتى لقينا من لدن جلالة " الملك حسين" كل ما هو أهله من الإكرام والإجلال، وهناك عينت مديرا لجريدة " القبلة" و" المطبعة الأميرية" يجري علي من سيل انعامه وإكرامه ما لا أستطيع مجازاته عنه بطويل الشكر وعريضه.
رجوعي إلى بلاد الجزائر
ولما وقع من الاعتداء على أملاكنا التي لا تزال على ذمتنا ببلدة سيدي عقبة ولما كنت أتوقعه من عدم استتباب الأمن واستقرار الأمر في
الحجاز للشريف حسين، غادرت تلك البلاد المقدسة إلى هذه البلاد الجزائرية بنية قضاء مآربي هنا وعمل ما يجب عمله في قضية أملاكنا مع المعتدي عليها، ثم الرجوع إلى الحجاز إذا رجعت المياه إلى مجاريها. وها أنا ذا الآن أسكن منذ ست سنوات بلدة بسكرة من يوم قدومي إلى هذه البلاد وهو يوم 4 مارس1920م ـ إلى هذا اليوم، من حيث قدومي إلى هذه الديار لم أشتغل بعمل عمومي ذي بال كما أني لم أتعاط الكتابة والنشر في الصحف لأني أعتبر نفسي منذ رجوعي من الحجاز وبعدما وقع من الحوادث المقلقة السالبة لكل أسباب الراحة - بل المفقدة للحياة - وبعدما مر على رأسي من الليالي المزعجات ـ قد خرجت من الحياة السياسية بالكلية وبعدت عن العلم وأسبابه بعد ما بين المشرق والمغرب.
ولكني منذ أشهر أبديت بواسطة صحافتنا الجديدة بعض آراء وأفكار في مسائل تخص العلم والدين فلم يرق ذلك لبعض الجامدين، وثارت ثائرة من لا يزالون يحبون الاصطياد في الماء العكر، وقام دعاتهم في وجهي يصدون الناس عن سبيل الله يبغونها عوجا، وإني لمواجه لكل صدماتهم، ومجابهتهم وجها لوجه كيفما كانوا ما دمت أعتقد أني على الحق بالرغم عن تجردي من كل عدة يعدها الخصمان.
وما أنا في محاربتهم ـ والحالة هذه ـ "إلا كساع إلى الهيجا بغير سلاح" وما أجادلهم إلا بالتي هي أحسن ما دموا عن الحق غير معرضين. أما المنافقون منهم والمارقون الذين يرتدون عن دينهم في كل يوم مرة أو مرتين فأولئك هم الذين أغلظ عليهم أحيانا وأعاملهم بما يستحقون. وما سلاحي الذي أبارزهم به إلا صبابة مما كان علق بالذهن وبقية في الوطاب من آثار التربية الإسلامية والعلم الصحيح، وهم في كل محاولاتهم "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" و"سيحكم الله بيني وبينهم وهو خير الحاكمين".
[عدل] نماذج من شعر "الطيب العقبي" في الفترة الحجازية
أخبر الأمير شكيب أرسلان الشيخ الطيب العقبي بولد له سماه "غالبا" رجاء أن يكون له الغلب في تلك الحرب، وقال له: "فأنا ـ والحمد لله ـ أبو غالب من الآن"، فضمن الشيخ الطيب العقبي هذا المعنى في قوله:
"أبا غالب" لا زلت في الناس غالبا ** ونجم العدى للشؤم والنحس غاربا
ولا زلت ترقى في المعالي بهمة ** بها تمتطي من صهوة المجد غاربا
وأرسل شكيب أرسلان إلى الشيخ الطيب العقبي صورة قائلا: "هذا رسم صغير أرسله لك تذكار حب وود". فكتب له الشيخ الطيب هذين البيتين على ذلك الصورة قائلا:
رسم صغير الحجم لكنه ** شكل "أبي غالب" الأكبر
ذكرني لما بدا قوله ** "ليس على الله بمستنكر"
يشير إلى قول الشاعر القديم:
ليس على الله بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد
أما في رسمه هو ـ الطيب العقبي ـ فيقول فيه:
رسمي يغيض عدوي حين يبصره ** فزاده الله غيضا حيثما كانا
أما الصديق فلا ينفك مبتهجا ** به، فيذكرني سرا وإعلانا
ويقول الشيخ الطيب العقبي في خصومه الذين لا يأبه بهم ولا يقيم لهم وزنا في الحقيقة والواقع:
وإذا الزمان أراد حرا بالأذى ** تخذ اللئام لمبتغاه سلاحا
كم رامني بنكاية فرددته ** وبهم لقد جرح الفؤاد جراحا
ويقول في الزواج بالأميات غير المهذبات وغير المؤدبات:
ما حياة المرء مع زو ** ج له ، ليست أديبة
غير سجن أبدي ** عظمت فيه المصيبه
وتدخل شاعرنا ـ العقبي ـ في قضية شائكة بين شاعرين كبيرين قديم وحديث، القديم هو الشاعر الفيلسوف أبو العلاء المعري والحديث هو أمير الشعرا أحمد شوقي. فالمعري ينعي على أبيه ويلومه انه كان سببا في ميلاده، ومجيئه إلى هذا العالم الظالم المظلم الذي لا خير فيه إلا الشقاء والأسى والحزن والمحن والأزراء، ولذلك تعهد هو ـ المعري ـ ألا يتزوج ويعيش أعزبا في الدنيا، لكي لا يكون سببا في مجيء أبناء لهذا العالم المليء بالآفات والموبقات، وبقي كذلك أعزبا حتى مات، وأمر أن يكتب على قبره بعد مماته هذا البيت :
هذا جناه أبي علي ** وما جنيت على أحد
وأحمد شوقي لا يرى هذا الرأي بل يعاكسه ويطلب من العقلاء والحكماء أن ينصفوه فيقول شوقي:.
بيني وبين أبي العلاء قضية ** في العلم أسترعي لها الحكماءَ
هو قد رأى نعمى أبيه جناية ** وأرى الجناية من أبي نعماءَ
فتدخل شاعرنا العقبي حكما في هذه القضية بين الشاعرين فقال:
قد قال شوقي في الحديث مقالة ** في شعره نادى لها الحكماءَ
ردا على شيخ تقادم عهده ** ورآه من جهة البرور أساءَ
فأجبته: لو كنته لعذرته ** أو كان مثلك قوله ما جاءَ
فاشكر أباك فقد حييت منعما ** وأبو العلاء قضى الحياة شقاءَ
فلئن رأى نعمى أبيه جناية ** فلقد أصاب لما به قد باءَ
ولئن ترى أنت الجناية نعمة ** فالحق قولك ما نطقت هراءَ
كل أصاب إذا نظرت لحاله ** والله أنفذ فيكما ما شاءَ
وفي الغزل العفيف يذكر زيارة الطيف في المنام مضمنا بيت شعر لأبي الطيب المتنبي وهو قوله:
قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم
فقال العقبي :
محبوبة سكنت قلبي وما برحت ** وذكرها بدل التسبيح ملأ فمي
زارت فراشي على بعد وقد غمضت ** عيني لأقنصها في هجعة الحلم
ومذ وضعت فمي على فمها ** ذكرت قول أبي ... في سالف القدم
"قذفت ماء حياة من مقبلها ** لو صاب تربا لأحي دارس الرمم"
وثابتِ الروح في جسمي فخلت لها ** إني بعثت بعيد الموت من عدم
وكيف لا وهي لو مست بريقتها ** حوت الكليم لغاض الماء في الظلم
ولو رأى المتنبي شمس طلعتها ** لقام من قبره يمشي على قدم
ويقول في مناسبة أخى يشير إلى سحر العيون وأثر الجفون:
رب حوراء غضيض طرفها ** من بنات الترك تزهو بالحور
إن أقل: باللحظ قلبي سحرت ** قلت: سحر اللحظ أدهى وأمر
ويقول في بعض الآفات الإجتماعية كالخمر والفجور:
شر الورى من عاش طول حياته ** في الخمر منهمكا وفي لذاته
لا يرعوي عن غيه وضلاله ** وإذا انتشى فإلى الشقاء بذاته
أشقى ذويه ووالديه وزوجه ** وبنوه قد تعبوا وكل بناته
قد ضيع الدنيا وأذهب عقله ** والدين أصبح من كبار عداته
إن عاش فهو إلى الضلالة سائر ** أو مات كيف يكون بعد مماته؟
يسطو على جيرانه في سكره ** وإذا صحا لم يأمنوا عثراته
وكفاه من خزي مقالة قائل: ** " لا تصحب السكران في حالاته "
ويرد على بعض المناوئين له فيقول:
ألا إنني من خير من أنجب القطر ** أريد، ولكن لا يساعدني الدهر
حنيف أرجي الخير للناس كلهم ** وأهدم بالإسلام ما أسس الكفر
وقد حسب الجهال إني كمثلهم ** وما أنا ممن دأبه الكبر والفخر
وقالوا افتراءا إنني غير مسلم ** وما صدقوا في القول كلا ولا بروا
من مقال للشيخ محمد الصالح رمضان بعنوان "الطيب العقبي الأديب الشاعر" نشر بجريدة البصائر
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
>>>> الرد الأول :
=========
>>>> الرد الثاني :
=========
>>>> الرد الثالث :
=========
>>>> الرد الرابع :
=========
>>>> الرد الخامس :
=========